لا أعتقد أن هناك فرقاً بين أدب عربي أو إنكليزي أو فرنسي أو روسي أو صيني إلا من ناحية جفرافيّة المكان وتفاعل البيئة وطواعية اللغة التي كتب بها هذا الأدب. فالأدب العربي ـشئنا أم أبينا ـ أدب عالمي، لأنه جزء أساسي من تكامل العالـم الذي نعيش فيه. فالعالـم لا ينحصر، ولو أردنا حصره، في بقعة ما من بقاع الأرض، خاصة، وقد انتقلت عمليّة النقل من ظهر الجمل والحمار والحصان إلى ظهر الطائرة النفّاثة، وشبكات الإنترنيت، والمجلات الإلكترونية، ليصبح الكون من مشرقه إلى مغربه ألعوبة بيد إنسانه. أما لماذا لا يترجم أدبنا العربي كبقيّة الآداب المكتوبة بلغات أخرى؟ فالسّبب واضح وضوح الشّمس، إذ أن الآداب التي ترجمت إلى لغتنا كانت بمعظمها إنسانيّة التوجه، توعي الإنسان وتحرره من عبوديّة حكّامه واستغلاليّة طوائفه، بينما أدبنا العربي ـ باستثناء أقلام نادرة جداً ـ يحاول تدجين الإنسان العربي في قنّ الحاكم الذي يدفع أكثر.
بمختصر العبارة، إنه أدب النفعيّة والإرتزاق والتعصّب الديني الوسخ، لـم ولن يتمكّن من تغيير بند واحد من قانون التبعيّة في شرقنا العربي. فكيف نريده أن يترجم وأن يدرّس في جامعات تسكنها الحريّة وتبرمجها لخير الإنسانيّة جمعاء.
ثم، لا يحق لنا اتهام الغرب بالعنصريّة الأدبيّة، ونحن أدرى النّاس به، إذ أنّنا نتنقّل بين أحضانه، وننعم بحريّته، ونأكل من خيراته أكثر مما يأكل أبناؤه الأصليّون. الفشل فشلنا، والعنصريّة عنصريّتنا، والكذب كذبنا، والمحاربة محاربتنا، إلى آخره. ومجنون من يعتقد أنني أدافع عن الغرب، ولكن حالة اليأس التي يتخبّط بها بعض الأدباء الأحرار في الوطن العربي، وازدحام السجون بشرفاء الكلمة، واغتيال العديد من الأقلام الجريئة، وتغييب كلّ من يفتح فمه لينطق، وهدر دم من يعبّر عن رأيه بصراحة.. جعلني أتمسّك أكثر فأكثر بما أقول .
نجاح جبران في الغرب، يعود إلى عظمة أدب جبران، فمعظم رفاق جبران نشروا نتاجهم باللغة الإنكليزيّة، ولكنّهم ليسوا (جبران). ابداعنا وحده يحملنا إلى عالـم الآخرين. وقوفنا في وجه التيّار الشّاذ يروّض التيّار لمصلحتنا. قدر ما نعطي نأخذ، تماماً كالتجارة، وإن تقولبت بقوالب أدبيّة.
يجب أن نتخلّص من عقدة عالمية أدبنا العربي، وأن نترك للتاريخ حريّة الحكم على نتاجنا. وأنا واثق من أن الغرب سيلتهم الجيّد منه، لأن فيه غذاءه، بعدما قلّت مصادر الغذاء في معظم منتوجاته الأدبيّة الصادرة في أيّامنا هذه.
جميع الجهات الرّسميّة في دولنا المحتلة بنرجسيات حكامها وبطش مخابراتها، لا يهمّها سوى محاربتنا. بربكم هل وصلتكم رسالة شكر من مسؤول حكوميّ واحد على مقال إنساني مشرق خطه يراعكم؟ بالطبع لا.. لأنّه اعتاد مديحكم وتكريمكم له، فكيف تريدونه أن يتنازل عن مكتسباته العديدة لأديب لا يملك سوى قلم ودفتر وكلمة قد تجرف الأرض من تحتهكي يصبح أدبنا جيّداً علينا بمراجعة أنفسنا، وبمحاسبتها على كلّ عملٍ رديء نقوم به، قد يسيء من حيث لا ندري إلى شرف الكلمة التي نكتب، وإلا.. رحمنا اللـه.. وأسكننا فسيح جنّاته.
التعليقات