منح الاطفال فرصة للتعليم في باكستان؟
علي مطر من اسلام اباد
الطريق من اسلام اباد الى كراتشي طويل ويزداد طوله مع انعدام البنى التحتية المناسبة وكثرة الحفر التي تعتبر السمة الرئيسية عليه والتي لا تعيق فقط حركة السير ولكنها تعيق كذلك وصول التنمية والتقدم لعشرات الالاف من القرى المتناثرة على جانبيه بدون ترتيب ما ولكن تبعا لوجود الارض الزراعية والماء ورغبة كانت قديما لدى احد كبار الاقطاعيين لتاسيس قرية يعمل فيها المئات وربما الالاف في بعض الحالات ليدروا عليه الربح الوفير بدون ان يبذل جهدا سوى انه يفرض عليهم سلطته بعلم الحكومة والشرطة والكل راض بما قسم الله له. اطفال العاملين في هذه القرى الاقطاعية لا حق لهم بالتعليم ولا حتى المرور بجوار جدار المدرسة المخصصة فقط لابناء الطبقات العليا. هؤلاء الاطفال الذين لا يحلمون مطلقا بالذهاب للمدارس هم ابناء الطبقة الفقيرة التي تشكل اغلبية ساحقة بباكستان التي تخصص القسم الاكبر من ميزانيتها للدفاع وللجيش الذي يبالغ ضباطه وقادته في امتلاك وسائل الاقامة والنقل المرفهة ويرسلون عائلاتهم الى خارج باكستان باوروبا الغربية وامريكا الشمالية اما للتعليم اوحتى للمعيشة المرفهة.
فيايضا : مصر : 15 مليون $ نفقات العام الدراسي الجديد العام الدراسي الجديد يضيف عبئاً مادياً على العائلات الفلسطينية |
بباكستان ثلاثة انظمة للتعليم هي الحكومي والخاص والديني. الفقراء يفضلون الديني لانهم لا يكادون يدفعون شيئا الا بضعة دولارات بالسنة لتعليم ابنائهم علوم الدين ولا يكادون يضطرون لشراء الكتب والدفاتر لهم لان المدرسين من العلماء بالمدارس الدينية ينقلون العلم من رؤوسم وفق منهج مضت عليه قرون مباشرة الى رؤوس تلاميذهم. قد يظن البعض ان هذا المنهج قديم وربما كان باليا ولكنه على العكس تماما من ذلك. حيث وضعه علماء مستنيرون ابان فترة الحكم البريطاني لجنوب اسيا لكي يسهم ايما اسهام في الحفاظ على الهوية المميزة للمسلمين امام هجمة متعددة الاطراف من ثقافات البريطانيين والهندوس والسيخ والبوذيين والبارسيين وغيرهم من ذوي النحل المختلفة. يكاد هذا المنهج الذي يضم مواد دينية وعليمة واجتماعية، يكاد ان يكون مجانيا لان قاعته هي صحن او شرفة المسجد والمدرس هو امام المسجد الذي يقبل ما يدفعه المحسنون كاجر لقيامه بتعليم اطفال القرية بل والمدينة حيث لا تخلوا مدينة من مدن باكستان من المدارس الدينية التي تحتفل في غالبيتها بمرور 150 او اكثر من الاعوام على افتتاح ابوابها لتعليم النشئ كيف يحافظ على هويته الدينية. الولايات المتحدة خصصت الكثير من الاموال لتغيير اتجاهات التعليم بالمدارس الدينية من الديني البحت الى الديني المموه وحاول وزراء تعليم باكستانيون متوالون على هذا المنصب ان يغيروا من سمة هذا التعليم ولكن جذورة اضحت لطولها في عمق الارض، اضحت صعبة او حتى مستحيلة على الاجتثثاث وهي المدارس التي بها ينمو ويترعرع افراد الطالبان الذين همهم الدفاع عن الهوية التي نشؤوا عليها ضاربين بعرض الحائط ما سواها. كما يتضح من سياق موجز عن هذا النوع من التعليم انه رخيص جدا ولا يكاد يكلف شيئا ويفضله ابناء الفقراء لعدم حاجته الى رسوم دراسية وان وجدت فهي قليلة جدا لانها دولارات تعد على اصابع اليد الواحدة في السنة وهو كذلك ليس بحاجة الى زي مدرسي ولا الى مواصلات لان جدران المسجد ملاصقة لجدران البيوت التي حوله وان لم يكن فجدران المسجد التالي يلاصق البيوت الاخرى التي بطرف المدينة.
ما عسى المسافر على طريق اسلام اباد ndash; كراتشي كمثال على طرق باكستان ان يرى في سيره غير دكاكين الشاي وبقربها ساحات المساجد المفتوحة التني ينتثر فيها الاطفال الصغار بالسن وهم يتحولقون حول شيخهم وربما وجد بجوار ذلك مدرسة دينية للصفوف الدينية المتقدمة التي يدفع فيها الدارس اجر حصوله على العلم من قيامه بتدريس عدد من الاطفال ليسيروا على ذات الطريق التي اختطها لنفسه.
يلي ذلك نظام التعليم الحكومي وهو الارخص مقارنة بالتعليم الخاص وبه ملايين الاطفال مثله في ذلك مثل ملايين الاطفال الدارسين في ما يزيد عن 12 الف مدرسة دينية مسجلة بباكستان. طبعا المدارس الحكومية اكثر عددا من المدارس الدينية ولكنها اكثر كلفة وهي كذلك اشد خطرا على الاطفال لان مشاريع بناء المدارس الحكومية تجد دائما مقاولون يشرفون على تاسيسها ممن لا ذمة لديهم ولا ضمير ويبالغون مبالغة كبيرة في سرقة المخصصات المالية والغش في بنائها وهو ما اتضح جليا في زلزال 8 اكتوبر الذي عصف بباكستان حيث انهار معظم المدارس الحكومية فوق رؤوس التلاميذ وقتل منهم الالاف وهو الامر الذي جذب انتباه المسؤولون واخذوا يدرسون اوضاع المدارس المنتشرة بعيدا عن منطقة الزلزال ليتداركوا امرها ويحولوا دون انهيار سقوفها فوق رؤوس التلاميذ.
الاجور بهذ المدارس لا زالت رمزية باعتبار ان الحكومة تضمن مجانية التعليم على الاقل في السنوات الاولية وهو امر لم يطبق ابدا الا على ابناء المتنفذين من صناع القرار. الرسوم بالمدارس الحكومية تزداد سنويا فبعد ان كانت عدة عشرات من الروبيات في الستينات والسبعينات تدرجت لتصل الى الف كاملة في الثمانينات وازدادت الى ما يصل الى 12 الف روبية اي مائتي دولار سنويا في المعدل؛ لتقفز عن ذلك وتصل الى 250 دولار سنويا في بدايات سنوات حكم الرئيس مشرف. ويضاف لها حوالي 100 دولار يضطر ولي الامر لدفعها ثمنا للقرطاسية لكل ولد من ابنائه سنويا بالاضافة الى 40 دولار في المعدل لمواصلات ابنه وقرابة 80 دولار سنويا لزيه المدرسي و15 دولارا شهريا للابن لشراء ما ياكله او يشربه بالمدرسة.
اما المدارس الخاصة فحدث ولا حرج فهي انواع مختلفة اولها المدرسة الامريكية ومعها كل من البريطانية والفرنسية وبعض المدارس الدولية الاخرى التي رسومها لا تقل بحال من الاحوال عن 10 الاف دولار للتلميذ الواحد سنويا ويلحق بها قرابة 500 دولار لكل فصل لشراء الكتب والقرطاسية وخلافه في كل فصل من فصلي العام الدراسيين. ومن ثم تتراوح اجور المدارس الخاصة الاخرى من 40 الى 250 دولارا شهريا مع وجود 10 بالمائة من اجمالي المبلغ السنوي كثمن للقرطاسية والكتب و40 دولار شهريا للمواصلات.
ولا يخلو شارع بمدن باكستان من مدرسة حكومية او خاصة وهناك مدارس انجيلية اخرى رسومها في منتصف الطريق بين المدارس الخاصة والحكومية مثلها في ذلك مثل المدارس التابعة للسعودية مثلا والمتواجدة في كراتشي واسلام اباد. وبعيدا عن المدارس الدولية فان مدارس باكستان تخرج اشباه متعليمن لسبب بسيط وهو ان كل متعلم باكستاني يبرع فقط في مجال واحد هو ما يتخصص به ويخفق اخفاقا ذريعا في بقية العلوم الاخرى وتنعدم ثقافته لدرجة كبيرة وخصوصا بمواد الجغرافيا والتاريخ لدرجة انه يعتقد جازما ان جميع الدول العربية هي عبارة عن حارات او ازقة بالسعودية التي لا يعرف غيرها من الدول العربية ويظن ايضا ان اسرائيل في مكان بعيد جدا عن الدول العربية ولكنها لقوتها وسطوتها تطولهم بمخالبها كلما ارادت ذلك ولا يدري ان في محيطها عدة دول عربية. وجغرافيتهم متواضعة لدرجة المزج بين الدول المتباعدة والامعان في التقريب فيما بينها وكانها لا توجد بهذه الصورة الا في مخيلتهم.
التعليقات