المواقف المعاصرة من العادة السرية

سرد موقف العلم المعاصر من مسألة العادة السرية لا يعنى أننا نبغى أن نقول أن المواقف قد تغيرت من النقيض إلى النقيض، فالشك ما زال سارياً، والتوجس مازال مسيطراً، والناس ما زالوا يتهامسون بأن العادة السرية تجعل الشعر ينمو فى باطن اليد وتشوه الأعضاء التناسلية (مفهوم غربى)، وأن من يمارس العادة السرية ينكح يده، ومن ينكح يده كأنما نكح أمه ( مفهوم شرقى)، ووصل الأمر إلى حد أن العقم حملت وزره العادة السرية التى أصبحت شماعة الخطايا البشرية!!.
كانت بداية تغيير المواقف وتبديل المفاهيم، أبحاث وتقارير عالم النفس "كينزى" الشهيرة فى نهاية الأربعينات وأوائل الخمسينات والتى أدت بالتالى إلى تغيير ولو طفيف فى مواقف ومفاهيم رجل الشارع، وتوالت الأبحاث بعد ذلك وأثبتت وأكدت هذا الموقف الجديد تجاه العادة السرية، ففى تقرير ل"مورتون هنت" وجد أن واحداً من كل ستة رجال، وواحدة من كل ست نساء فى الفترة العمرية ما بين 18 و34 سنة يعتقد أو تعتقد أن العادة السرية خطأ، أما فوق ال 45 سنة فإن الثلث أدان هذه العادة.
فى تقرير آخر لـ "كوتن" 1974 سئل 230 طالباً فى سن الجامعة و205 طالبة فى نفس السن عن العادة السرية، فوجد أن معظم من كان لا يمارسها أحجم عنها نتيجة لنقص الرغبة، وكان من ضمن هؤلاء الذين لم يمارسوها 32% من الرجال و14% من النساء، يفكرون فيها كمضيعة للوقت والجهد وكفعل غير أخلاقى، بينما كانت نسبة ضئيلة منهم ترجع هذا الإمتناع إلى إحساس بالذنب أو إلى أسباب دينية.
وفى البحث الذى أجرى 1987 بواسطة " أتوود وجاجتون" وقد توصلا إلى أن 40% من الذين لم يمارسوا العادة السرية لم يفعلوا ذلك لأسباب أخلاقية.
من الطريف أن نقتبس فقرة تناسب ما نتحدث عنه من قصة للروائى "فيليب روث" يقول فيها على لسان إحدى شخصيات أعماله "إنها نهاية سنة النضج فى المدرسة العليا وأيضاً فى عادتى السرية، حيث أننى إكتشفت فى أسفل قضيبى عند إتصال جذع القضيب برأسه بقعة متغيرة اللون، شخصوها على أنها نمش، إنها ليست كذلك بل هى سرطان، لقد سببت لنفسى السرطان، كل هذا الإحتكاك الذى احدثته بلحمى أصابنى بمرض لن يشفى، وأنا لم أصل بعد للرابعة عشرة، فى الليل وعلى سريرى إنهمرت دموعى، صرخت لا.. لا أريد أن أموت. أرجوكم لا.. ولكن بعد ذلك ولأنى سأصير جثة متعفنة بعد لحظات، فقد إرتعشت مختبئاً فى جوربى".
هذا الرعب والفزع الذى إجتاح بطل هذه القصة أظنه إنقلب هذه الأيام إلى إطمئنان وقبول بان تلك العادة ليست بهذه الخطورة، بل هى شئ عادى، ولكن مازال هناك تحت السطح جزء مختفٍ من ذلك الجبل الثلجى الطافى، وهو بلا شك معظم تكوين ذلك الجبل، والجزء المختفى عبارة عن شكوك تعتمد على أربعة مفاهيم مازالت لها بعض السيطرة والتسلط على العقول وهى:
1-العادة السرية ذنب وإثم: يستند هذا المفهوم إلى أساس أخلاقى ودينى وهو بلا شك أساس قوى، له مهابة وقدسية، وقد وجد "دى مارتينو" 1979 ان نسبة من يمارسون العادة السرية بين المتدينين أقل منها بين غير المتدينين، أو الذين لا تربطهم بالدين علاقات وثيقة.
2-العادة السرية شئ غير طبيعى: وهو ما يرد عليه العلماء بسؤال آخر هو، ما هو مقياسكم للطبيعى؟، وإذا كنتم تتحدثون عن الطبيعى فالمملكة الحيوانية كما ذكرنا من قبل بها العديد من الحيوانات التى تمارس العادة السرية، ويردون أيضاً بالتقارير التى لا حصر لها والتى تثبت ممارسة الأطفال لهذه العادة.
3-العادة السرية من الممكن أن تكون جزءاً من مراحل النمو: ولكن البالغين الذين يظلون على ممارستها ليسوا ناضجين.. هذا ما تؤيده نظرية "فرويد" التى تؤكد على أن ممارسة البالغ للعادة السرية هى دليل واضح على عدم نضجه، وعرض من أعراض تأخره، لكن معظم الباحثين فى علم النفس المعاصر يعتقدون أن العادة السرية نمط شرعى جداً من أنماط النشاط الجنسى.
وهذا الشد والجذب بين النظريتين فى إعتقادى ناتج عن مفاهيم مختلفة للتطور والنضج داخل مدارس علم النفس، فلا توجد دراسة علمية واحدة رصينة وواضحة تظهر أن من يمارس العادة السرية هو أقل نضجاً عن نظيره الذى لا يمارسها أو يستنكرها، لكن البعض يعتقد وهذه نقطة جديرة بالبحث والدراسة، أن صفة عدم النضج تطلق حينما تكون هذه الممارسة هى الوحيدة، أو حينما تمارس بشكل قهرى، أو تصبح نشوته الجنسية مقصورة على هذا النمط من النشاط الجنسى برغم وجود البديل السهل والمتاح والجاهز ...الخ، هنا تكون العادة السرية دليلاً على عدم النضج.
4-العادة السرية تميل إلى أن تصبح تعوداً وإدماناً: ومن الممكن أن تعطل أو تمنع نمو الوظائف الجنسية الصحية، ويهاجم علماء النفس المعاصرون هذا المفهوم بشدة، ويعتبرونه ردة لمفاهيم ومعتقدات القرن التاسع عشر، بل على العكس يؤكد بعضهم وعلى رأسهم "دى مارتينو" أن نقص هذه الخبرة "العادة السرية" ستؤدى إلى مشاكل جنسية كثيرة مثل الضعف الجنسى عند الرجل، والبرود الجنسى عند المرأة، وأكثر من ذلك إستخدم بعض الباحثين هذه الخبرة وعلى رأسهم دكتورة "كابلان" فى برامجهم العلاجية
بالإضافة إلى الفوائد العلاجية السابقة أصبح واضحاً الآن أن العادة السرية من الممكن أن تكون لها فوائد أخرى فى نظر هؤلاء العلماء المعاصرين، فمثلاً هى تمثل "مخرجاً جنسياً متاحاً وممتعاً فى نفس الوقت فى حالة عدم وجود شريك حياة أو رفيقة درب وخاصة فى كبار السن"، وأيضاً "حلاً لمن يملكون طاقة جنسية أو رغبة جامحة فى وقت لا يستعد فيه الطرف الآخر لتلبية مثل هذا الجموح فى هذه اللحظة"، وبما أننا فى عصر الإيدز اللعين فقد إعتبرت "كابلان" هذه العادة وسيلة من الوسائل الهامة جداً لممارسة جنس آمن بدون إيدز.
وأخيراً فهى وسيلة للتخلص من التوتر مما يساعد الشخص على أن يستريح من البخار المكتوم!!.
[email protected]

"أقرأ ايضا"

التاريخ السرى للعادة السرية - الحلقة الثانية

التاريخ السرى للعادة السرية - الحلقة الاولى