بعد التفجيرات ولاعتبارات الأمن القومي المصري
إتجاه لإحداث تغيير ديموغرافي متدرج في سيناء
نبيل شرف الدين من القاهرة : في الوقت الذي تواصل فيه قوات الأمن المصرية جهوداً متواصلة لملاحقة العشرات من البدو المسلحين في شبه جزيرة سيناء، فقد علمت "إيلاف" من مصدر مطلع أن هناك مقترحات يجري بحثها وتداولها في دوائر صنع القرار، تصب في اتجاه مناقشة إحداث "تغيير ديموغرافي" في سيناء على نحو متدرج ومحسوب، تحقيقاً لأهداف الأمن القومي المصري، بما يكفل إنهاء سطوة البدو هناك، سواء في عمليات تهريب المخدرات والأشخاص، فضلاً عن الاتجار بالأسلحة والمتفجرات، فضلاً عن انتشار التطرف الديني في صورة خلايا محلية، الأمر الذي اعتبره المصدر أنه "يشكل خطراً جسيماً على الأمن القومي المصري، على نحو كشفت عنه تفجيرات طابا وشرم الشيخ الأخيرة "بما يشكل جرس إنذار ينبغي الإقدام معه على اتخاذ إجراءات عاجلة وحاسمة حتى لا تتحول سيناء إلى (تورا بورا) مصرية"، حسب تعبير المصدر ذاته، في إشارة إلى إمكانية التقاء نيران التطرف الديني، بوقود التراث القبلي في هذه المنطقة الحساسة .
وتشهد كثبان ووديان سيناء اشتباكات تدور بين وقت وآخر بين قوات الأمن وبعض البدو الخارجين على القانون، ولفت لواء متقاعد سبق له العمل سنوات طويلة في ما يعرف بإدارة شؤون البادية إلى أن المواجهات بين السلطة والبدو تتسم عادة بالشراسة، ذلك لأن البدو لديهم كميات كبيرة من الأسلحة الآلية والذخيرة، وأنهم مسلحون أيضا بقذائف صاروخية، وحتى مدافع الهاون، وجميعها من مخلفات الحروب السابقة التي شهدتها سيناء، فضلاً عن أن لدى كثيرين منهم هواتف محمولة متصلة بشبكات الاتصال الدولية بإسرائيل، وأجهزة متطورة للرؤية الليلية، وغيرها من المعدات المحظورة التي تشكل خطراً على الأمن وتجعل من ملاحقتهم أو رصد تحركاتهم مهمة بالغة الصعوبة وربما مستحيلة أحياناً .
البدو وإسرائيل
وشهد العام 1999 واقعة مثيرة غير مسبوقة، حين طلب نحو سبعمائة من قبيلة "العزازمة" اللجوء السياسي في إسرائيل، وقدموا وقتها طلبات جماعية للحصول على لجوء السياسي بعد أن اتهموا الحكومة المصرية بإهمالهم والتمييز ضدهم، وحرمانهم من الحصول على الجنسية المصرية، غير أن السلطات الإسرائيلية رفضت طلبهم وسلمتهم إلى الجانب المصري الذي أعاد تسكينهم في مناطق بعيدة عن القبائل الأخرى التي باتت تنظر إليهم باعتبارهم "خونة"، على الرغم من أن أيّاً من المسؤولين المصريين لم يذكر أنهم جواسيس يتعاملون مع إسرائيل، ومع ذلك قال شيخ القبيلة إن السلطات المصرية تتهمهم بالتعاون مع إسرائيل وتعتبرهم عملاء لها، وأن المصريين يطلقون عليهم اسم (يهود سيناء) للدلالة على تعاونهم مع الإسرائيليين، كما تحدث ابن شيخ قبيلة العزازمة المقيمين على الجانب الآخر الإسرائيلي، ويدعى عمر عودة أبو معمر، وهو ضابط رفيع في الجيش الإسرائيلي، معترفاً صراحة بتعاون قبيلته "العزازمة" في مصر مع الإسرائيليين بالفعل، وقال في لقاء مع التلفزيون الإسرائيلي، إنهم كانوا قد فروا من مصر إلى إسرائيل، خوفا من انتقام قبيلة "التياها" المقربة من السلطات المصرية"، على حد تعبيره حينذاك .
ومنذ العام الماضي يعيش البدو في سيناء ظروفاً متردية وتحديداً بعد تفجيرات طابا، ثم ساءت أحوالهم على نحو مأساوي عقب تفجيرات شرم الشيخ الأخيرة، لأن كثيرين منهم يعيشون على سياحة السفاري الصحراوية، فضلاً عن اتهامات وجهت إليهم بتزويد الإرهابيين بالمتفجرات، وإخفائهم ومساعدتهم في الهروب، وهو ما ينفيه شيوخ قبائل البدو بشكل قاطع، مؤكدين أنهم لعبوا أدواراً تاريخية في مساندة الجيش المصري أثناء حروبه لإسرائيل، وأن العشرات منهم حصلوا على أرفع الأوسمة من الجيش تقديراً لأدوارهم المشار إليها .
إسقاط الجنسية
وتحدث المصدر ـ الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته ـ عن مراجعات أمنية لوثائق جنسيات آلاف من البدو، لكنه أكد عدم وجود نية لإسقاط الجنسية المصرية عمن يحملونها بالفعل، لكنه شدد على أن هؤلاء الذين لا يحملون الجنسية المصرية "سوف ينظر في أمرهم"، وألمح لإمكانية اتخاذ إجراء ما في حال ثبوت خطرهم على الأمن وعدم تمتعهم بالجنسية المصرية،
وحسب إحصائيات رسمية يبلغ عدد حالات إسقاط الجنسية المصرية عن بعض المواطنين إعمالا للمادة 16 من قانون الجنسية حوالي 26 حالة إسقاط خلال الفترة من 1998 حتى العام 2005، إلى جانب 7196 حالة فقد الجنسية وزوالها، وقد دعت منظمات حقوقية إلى ضرورة مراجعة قانون الجنسية وفقا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، لاسيما في ما يتعلق بحالات إسقاط الجنسية أو زوالها عن المصريين، وهنا يذكر أن القاهرة لم تلجأ إلى اتخاذ هذا الإجراء حيال عناصر إرهابية دولية لعبت ومازالت تؤدي دوراً عابراً للحدود، كما هو الوضع في حالة أيمن الظواهري، خلافاً لما فعلته السعودية والكويت اللتين أسقطتا الجنسية عن أسامة بن لادن وسليمان بو غيث، على النحو المعروف في هذا الصدد .
بادية مصر
وترجع أصول قبائل البدو في سيناء إلى شبه الجزيرة العربية، باستثناء قبيلة "الجبيلية" ذات الوضعية الخاصة، إذ نزحت من البلقان لخدمة دير سانت كاترين في القرن السادس قبل الميلاد، قبل أن تتحول إلى الإسلام وتستمر في خدمة الدير، وهي أصغر القبائل، بينما تعد قبيلة "المزينا" أكبر قبائل سيناء وأوسعها نفوذاً، تليها قبيلتا "التياها" و"الترابين" وهما من أصول فلسطينية وأردنية، ثم تأتي قبائل أخرى مثل الأحيوات، والصوالحة، والعبابدة، والسواركة، والرميلات وكلها من أصول سعودية، وتحديداً من تبوك وضبا، ومازالت لهم امتدادات قبلية هناك، وبعض البدو يحمل الجنسيتين المصرية والسعودية، أو المصرية والأردنية، من دون علم سلطات الجانبين .
وقتلت الشرطة المصرية مؤخراً المدعو محمد أحمد صالح فليفل، إثر مواجهة معه أثناء ملاحقته، بعد معلومات أمنية أكدت تورطه في ارتكاب التفجيرات التي قتل فيها 64 شخصا يوم 23 من تموز (يوليو) الماضي، وقال بيان أصدرته وزارة الداخلية إنه توافرت معلومات مؤكدة عن اختباء بعض العناصر المتهمة بالتورط في التفجيرات بمنطقة محاجر "جبل عتاقة" بالقرب من طريق مصر ـ السويس، ولدى اقتراب القوات من الموقع لمحاصرته حدث إطلاق أعيرة نارية صادرة من هذا الموقع حيث تعاملت قوات الشرطة بالتعامل مع مصدر النيران، وتبين مصرع المتهم المذكور الذي كانت برفقته زوجته، والتي أصيبت أثناء المواجهة ونقلت إلى المستشفى لإسعافها، غير أنها فارقت الحياة في وقت لاحق .
كما كشف بيان لوزارة الداخلية المصرية يوم الجمعة عن إلقاء قوات الأمن القبض على شخص وصفه البيان بأنه "أحد الهاربين الخارجين على القانون"، بإحدى المزارع بالمنطقة الصحراوية المتاخمة لمدينة الإسماعيلية، وذلك في أثناء محاولته الهرب قرب نفق "أحمد حمدي"، شرق قناة السويس عقب مبادرته بإطلاق الرصاص على قوات الأمن وضبط سلاح آلي بحوزته، ونقل بيان الداخلية عن مصدر أمني قوله إن رجلي شرطة أصيبا نتيجة تبادل إطلاق الرصاص .
التعليقات