نبيل شرف الدين من القاهرة: "ليس هناك في مصر من يتوقع نتيجة خلاف الفوز الساحق للرئيس الحالي حسني مبارك، حتى لو أجريت انتخابات نزيهة تماماً، وأشرفت عليها الأمم المتحدة، فسيفوز مبارك أيضاً، ولن يحصل أي من منافسيه على أكثر من عشرة بالمائة من مجمل الأصوات الصحيحة وفق أكثر التقديرات تفاؤلاً"، بهذه العبارة اختزل الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية مشهد أجواء الانتخابات الرئاسية المزمع أن تشهدها مصر اعتباراً من الأربعاء القادم، وهو موعد أول حملة انتخابية من نوعها تجري بين عشرة مرشحين لانتخابات رئاسة الجمهورية، وتنتهي في الرابع من أيلول (سبتمبر) المقبل، أي قبل يوم الاقتراع بثلاثة أيام في السابع من نفس الشهر، وتتولى اللجنة المشرفة على الانتخابات الرئاسية مراقبة شروط وضوابط ومواعيد استخدام المرشحين لوسائل الإعلام المسموعة والمرئية المملوكة للدولة، كما يمنح القانون أيضاً اللجنة المشرفة على الانتخابات الرئاسية الحق في اتخاذ ما تراه من تدابير مناسبة لتحقيق المساواة بين المرشحين باستخدام تلك الوسائل الإعلامية، التي يفترض أنها ملكية عامة للشعب المصري بأسره.
نور يتهم مبارك
وفي أول اتهام من نوعه قال النائب المعارض أيمن نور، مرشح انتخابات الرئاسة المصرية عن حزب "الغد"، إن منافسه الرئيس الحالي حسني مبارك، مرشح الحزب الوطني (الحاكم) خرق قانون الانتخابات، حيث بدأ الحملة الدعائية قبل موعدها المقرر يوم الأربعاء المقبل، وتجاوز حد الإنفاق المقرر لكل مرشح وهو 10 ملايين جنيه مصري .
وأضاف نور قائلاً إنه قدم مذكرة للمستشار ممدوح مرعي رئيس اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية قال فيها إن الإعلام الحكومي المصري المرئي والمسموع والمكتوب، يواصل انحيازه لصالح مبارك ضد مرشح "الغد" عبر نشر أخباركاذبة عن الطعن في شرعيته لخوض الانتخابات واختلاق وقائع وهمية ضده ونشرها في الصحف الحكومية المملوكة للدولة، واتهم نور أيضا أجهزة الأمن بممارسة الضغوط على أنصاره وتهديد بعضهم بتلفيق قضايا ضدهم، على حد تعبيره .
ووفقاً لقانون الانتخابات الجديد فإن لكل مرشح الحق في التعبير عن نفسه والقيام بأي نشاط يستهدف إقناع الناخبين لاختياره سواء عن طريق الدعاية عبر الاجتماعات المحددة أو العامة والحوارات ونشر وتوزيع مواد الدعاية الانتخابية ووضع اللافتات والملصقات .
وحدد القانون عدة ضوابط تجري في إطارها الحملة الانتخابية، وردت بقانون تنظيم الانتخابات الرئاسية والتي تؤكد عدم التعرض لحرمة الحياة الخاصة والالتزام بالمحافظ على الوحدة الوطنية والامتناع عن استخدام الشعارات الدينية والعنف والتهديد باستخدامه وحظر استخدام المباني والمنشآت ووسائل النقل المملوكة للدولة، وكذلك حظر إنفاق الأموال العامة وأموال شركات القطاع العام والمرافق في الدعاية الانتخابية للمرشح، وأيضا حظر استخدام دور العبادة في العملية الانتخابية .
ومضى نور قائلاً في مذكرته التي رفعها لرئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات الرئاسية إن الحزب الوطني (الحاكم) تجاوز حد الإنفاق الدعائي المحدد لمرشحه في الانتخابات بقيمة 10 ملايين جنيه حيث أودع الحزب المبلغ احد البنوك وأعلن رفضه تلقي أية أموال أو تبرعات، بينما فتح الباب على مصراعيه لأصحاب المصالح والشركات للإنفاق على الدعاية ما يضاعف الحد الأقصى للإنفاق، مشيرًا في هذا الصدد إلى الإعلانات المدفوعة الأجر التي تنشرها الصحف تأييدا لمبارك، على حد تعبير المرشح الرئاسي نور .
الصحافة تقود
لكن هناك من يرى أن ما يجري في مصر أبعد من قصة الانتخابات الرئاسية، إذ تسود الشارع السياسي "حالة ما" من الرفض لاستمرار الأوضاع على هذا النحو الحاصل سواء في الأداء السياسي، أو انتشار الفساد، وتفشي المحسوبية، وشيوع "سلوك التبجح" في أوساط الجهاز الإداري للدولة، ممثلة في الممارسات المؤثمة قانونياً كالرشوة والتربح من الوظائف العامة، ويزيد من أهمية وسخونة الحديث عن هذه السلبيات التي تفاقمت خلال العقود الماضية على نحو كارثي، تفاقم الأوضاع الاقتصادية للقاعدة العريضة من المصريين، وتزايد معدلات البطالة، وانحسار عمليات التنمية على شتى المستويات .
لهذه الأسباب ـ ولاعتبارات كثيرة أخرى ـ يمكن القول إن "حاجز الهيبة" ـ لو صح هذا التعبير ـ بين المواطنين والرئيس مبارك قد تداعى، إذ يقرأ الملايين يومياً قصصاً وتقارير تقدح به، وتنال حتى من أسرته فضلاً عن كل المحيطين به من أقرب معاونيه وأكثرهم نفوذاً وتأثيراً، ولم يعد مشهد العديد من الصحف الموسومة بالمستقلة الملقاة على قارعة الطريق تشكل حدثاً استثنائياً، بقدر ما تمثل فعلاً يومياً، إذ تصدر يومياً صحيفة أو أكثر تحمل "مانشيتات" تتهم الرئيس وأسرته ومعاونيه بكل ما يخطر ببال المرء من اتهامات بغض النظر عن مدى صحتها، بينما يجد المسؤولون عن تحرير الصحف الحكومية المسماة بالقومية أنفسهم أمام مأزق حقيقي، فهم لا يستطيعون خوض معارك صحافية ضد هذه الصحف الصغيرة الجديدة التي يتسع انتشارها بسرعة، لأن مثل هذه المعارك محسومة مقدماً لصالح الصحافة الجديدة، التي تتمتع بسقف مرتفع للغاية من حرية المعالجة والتعبير، قياساً بالقيود الهائلة التي تكبل الصحف الحكومية، فضلاً عن الحسابات بالغة التعقيد التي تحاصر المؤسسات الصحافية الحكومية، والتي وصلت إلى حد تحويلها إلى حقل ألغام لا يمكن التحرك داخله إلا بحذر شديد، فضلاً عن تراجع مستوى الأداء المهني في تلك المؤسسات الحكومية، التي لا تستطيع حتى الإبقاء على المتميزين من كوادرها فضلاً عن اجتذاب أسماء جديدة للمشاركة في تحريرها، وسط هذه الاعتبارات الرقابية الشائكة في التحرير والتعبير، وضبابية المعايير عموماً، فضلاً عن ديونها الثقيلة .
وكما تقول صحيفة (الأهالي) لسان حال حزب التجمع اليساري بعددها الأخير فقد "تحولت صحف الحكومة إلى جزء من الفساد العام.. وفقدت بالتالي دورها الرقابي.. والتصدي للفساد والرشوة، وأصبحت قيادات بعض هذه الصحف المسنودة من القيادة السياسية جزءاً من ملامح الفساد الذي تحميه الدولة، واتجهت قيادات هذه المؤسسات الصحافية الحكومية نحو تحويلها من مؤسسات صحافية إلى مؤسسات تجارية واستثمارية، وتصليح وصيانة السيارات، ومعاهد تعليمية لتخريج المزيد من العاطلين" .
التعليقات