كتاب بلاحدود عن الاعلام والثقافة في العراق بعد الاحتلال
قمع الأحزاب الدينية للتعبير أعاد الدكتاتورية
أسامة مهدي من لندن: أكدت منظمة كتاب بلا حدود ان استخدام الأحزاب الدينية في العراق وسائل عديدة لقمع حرية التعبير والرأي شكل عودة إلى الأساليب الدكتاتورية وقالت ان طغيانا دينيا وطائفيا وعرقيا أدى الى استهداف أكثر من مئة من الكفاءات العلمية وعشرات الاعلاميين الذين يعملون في ظروف لا تختلف كثيرا عن عهد الرئيس السابق صدام حسين . صحف عراقية تحمل عناوينها الرئيسية انباء فوز بوش بولاية ثانية
واضافت المنظمة التي يديرها من ألمانيا الكاتب العراقي اياد الزاملي في تقرير لها لمناسبة مرور ثلاثة أعوام على حرب العراق التي اطاحت بنظامه ربيع عام 2003 ان العمل في الصحافة الان أشبه بالسير بين حقول الالغام واشارت الى ان عمليات استهداف العقول العراقية أدت الى اغتيال 65 اعلاميا و106 أساتذة جامعيين وصفهم التقرير بأنهم من أبرز الكفاءات النووية والفيزيائية والطبية والبيولوجية. وقالت إن نظرة متفحصة في الواقع الثقافي العراقي الحالي تكشف عن واقع مشوه من جانب، ومهزوم من الداخل من الجانب الآخر، ومفتتا في مستوى البناء الثقافي الحقيقي من الجانب الثالث. والبلاء، كل البلاء، أن هذا التشوه الذي نال المشهد الثقافي العراقي قد جاء بفعل أطراف عدة تمثلت في المثقف، والمؤسسات الثقافية، والأحزاب السياسية، والنظام الرسمي، والاحتلال.
واشارت الى ان أحد المؤشرات البارزة على هذا الواقع المشوه، هو بروز نزاعات (لا ثقافية) بين المثقفين أنفسهم.. بمعنى أن التعامل بين فئات المثقفين أنفسهم بات يقوم على أسس غير ثقافية كالأسس الطائفية أو العنصرية أو العرقية أو القومية أو السياسية ذات الأفق الضيق والرؤية المحددة والنظرة الأنانية، مما جعل من الحالة الثقافية في عراق اليوم حالة يسودها البعد الفلكلوري أكثر مما هو البعد العلمي أو الثقافي الحقيقي والمحايد بين الفئات المكونة للشعب العراقي، في الوقت الذي لا يجب أن يكون فيه الاختلاف في المنبع الفكري هو ما يجب أن يحكم نظرة المثقف إلى مجتمعه وبالتالي ينعكس على نتاجه .
واوضحت أن الكثير من الصحف العراقية لا تعلن عن مصادر تمويلها وعلى الصحفي أن يعمل فيها مغمض العينين واذا حدث أن اختلف سياسي أو زعيم مع الصحيفة فان أول الخيارات تكون المقاطعة وأول ضحايا تلك المقاطعة هو الصحفي quot;كما حدث لمراسل صحيفة بغداد التابعة لحزب الوفاق الوطني برئاسة اياد علاوي حيث عندما انتهت حكومته أعلن أن quot;مراسلي صحيفة بغداد كافرون ويراسلون جريدة علمانيةquot; ودعا الصحفيين المؤيدين له والتابعين له للاستقالة منها وكان ذلك بالفعل.quot; وأضافت أنه في المقابل قامت بعض المؤسسات الصحفية باقالة بعض الصحفيين بسبب انتماءاتهم السياسية واختلافهم مع بعض الزعامات السياسية quot;وبذلك أصبح موقع الصحفي في العراق بين المطرقة والسندان وأصبحت الصحافة أشبه بالمشي بين حقلي ألغام.. الاول حقل الجريدة وارتباطاتها ومشاكلها والصراعات الكثيرة بين رؤساء تحرير الصحف والاحزاب والكيانات السياسية والمذهبية والثاني تمثله ساحة العمل التي يعمل فيها الصحفي الذي يجب أن يكون في أشد درجات الحذر.
ودعت المنظمة الادارة الامريكية على احترام حقوق الانسان والمبادرة بالافراج عن كافة المعتقلين والمسجونين وتسليمهم الى السلطات العراقية للبت في قضاياهم واجراء المحاكمات القضائية العادلة وسرعة اطلاق سجناء الرأي. وطالبت المجتمع الدولي بتبني اصلاح الوضع الداخلي عبر تشكيل لجان مدنية وسياسية وعسكرية من دول محايدة تشرف عبر الامم المتحدة على بناء المؤسسات العراقية بحيادية وحرفية بعيدا عن معطيات الوضع الطائفي ودون تدخل المحتل أو الدول الاخرى في الشأن العراقي .
وناشدت الفصائل والجماعات المسلحة على اختلاف توجهاتها إلى احترام إرادة العراق وشعب العراق ونبذ العنف غير المبرر والذي يستهدف الصحفيين والإعلاميين والمدنيين والمثقفين والمفكرين الذي يمثلون الثروة الحقيقية للعراق. كما دعت المثقفين والكُتّاب العرب وأصحاب الرأي والقلم لتسخير أقلامهم لنصرة العراق، والمطالبة بإنهاء حالة العبث والفوضى القائمة فيه، وعدم الرضوخ لإغراءات التكتلات الحزبية أو الدينية أو السياسية أو غيرها، والتمسك بأعلى مستويات المهنية والحرفية في النقد والكتابة وفضح الجرائم البشعة التي يعاني منها العراق وأبنائه بغض النظر عن ماهية أو مكانة أو موقع اليد الفاعلة.
وشددت على صرورة المبادرة بتأسيس إعلام عراقي حر غير مسيس ولا موجه، يعبر بصدق عن هموم ومعاناة الوطن والمواطن العراقي البسيط، ويحرص على إيصال الحقيقة المجردة بحيادية وموضوعية تامة .. وفيما يلي نص التقرير :
تقرير خاص حول
واقع الثقافة والإعلام في العراق بعد التاسع من نيسان 2003
اصدار منظمة كُتّاب بلا حدود
المانيا - المكتب الرئيس
المـدخــل
بعد مرور ثلاث سنوات على الحرب في العراق، وإسقاط النظام الديكتاتوري الحاكم، ترى منظمة quot;كُتّاب بلا حدودquot; أن من واجبها أن تقدم للإعلام العالمي وللرأي العام الدولي جانباً من حقيقة الوضع المزري الذي يعيشه الوسط الثقافي والأدبي والإعلامي العراقي، والذي يئن تحت وطأة حملة شديدة من التصفيات الجسدية وأعمال الاختطاف والاضطهاد والاعتقال والتهديد والابتزاز بشكل يؤدي إلى استحالة قيامه بمهماته الحضارية.
ويحاول فريق البحث من خلال هذا التقرير تسليط الضوء على معاناة الوسط الثقافي والإعلامي بصفة عامة نتيجة وقوعه بين سندان القوى المتخاصمة في العراق ومطرقة الاحتلال.. وهو وضع تشارك في مسؤولية قيامه بشكل أساسي لا يقبل التبرير أو المحاباة والمداراة قوات التحالف الدولي والتي تقر الأمم المتحدة أنها قوات احتلال، وبالتالي تقع عليها مهمة حماية الشعب العراقي بأكمله.. وتلي هذه القوى في المسؤولية جميع الأجهزة الحكومية العراقية التي أثبتت العديد من الوقائع أنها استخدمت في في كثير من الأحيان أساليب لا تراعي حق المثقف العراقي في الاختلاف ولا حقوقه في حرية الرأي والتعبير الذي تكفله شرعة حقوق الإنسان وتقر جميع الدساتير والقوانين بما فيها الدستور العراقي الذي تم التوافق عليها شعبياً واعتمد دستورا رسميا للجمهورية.
ولا يجب أن يدفعنا هذا الاتجاه لأن نغفل الدور الكبير والخطير الذي تمارسه قوى متعددة أخرى ذات صبغة طائفية ومنظمات إرهابية مختلفة التوجهات والأيديولوجيات باتت متورطة في شن حرب إبادة ضد خصومها الذين قد يختلفون معها في كل شيء إلا في الاستهانة بالحياة الآدمية وبدماء الأبرياء، وفي مقدمتهم الكُتّاب والمثقفون الذين يعتبرون الأكثر تعرضا للأذى من بين فئات الشعب العراقي بعد الأبرياء من عامة أبناء الشعب، غير آبهين بالجوانب الإنسانية، ولا ملتزمين بأية مقاييس أو معايير أخلاقية، إذ استأسدت هذه القوى على كل فردٍ ومواطن وكاتب ومثقف دون أن يكون لها الحق في هذا الاستئساد، فبادرت للاقتصاص بلا جناية والعقوبة بلا جرم، ولم تلقِ بالاً لمسالمٍ أو آمن، فأصبح الجميع في نظرتها الضيقة الأنانية في دائرة الاستهداف، دون قيدٍ أو رادع.. ويساعد تلك القوى بطبيعة الحال فلتان الوضع الأمني والعنف الطائفي الموجه أو غير الموجه، واستمرار الحال المتردي في الداخل العراقي.. ولم يسلم من كل ذلك حتى الأصدقاء والمعارضون لهذه الحرب الظالمة ذات المصالح الأنانية والفردية، والذين بادروا للتواجد على الأرض العراقية رغم كل المخاطر التي لا يجهلها أحد لا لشيء سوى المساعدة في تخفيف المعاناة والذود عن الأبرياء والضعفاء من العامة في بلد الشرعة القانونية الأولى في التاريخ الإنساني.
تمر الذكرى السنوية الثالثة للحرب في العراق في ظل تراجع الوضع العراقي العام، والذي يحمل في طياته الكثير من المخاطر التي أصابت وتصيب الوطن والمواطن.. فإلى جانب الدمار الذي لحق بالبنية التحتية العراقية على المستوى المادي، وصلت حالة البؤس والضياع والشعور بالرعب لانعدام الأمن والأمان التي يعيشها المثقف والكاتب العراقي على الخصوص والإنسان العراقي بصورة عامة إلى درجة خطيرة ومقلقة كنتاج مباشر لحرب خيضت بدعاوى وجود أسلحة الدمار الشامل، ونصرة الشعب الرازح تحت نير نظام ديكتاتوري متسلط، فإذا بها بعد أعوام ثلاثة وبدلا من تقديم الدليل على تلك الادعاءات تتسبب بقصد أو بغير قصد في تدمير شامل للعراق على كافة المستويات والأصعدة بدئا بالصعيد الاجتماعي والمدني ومرورا بالاقتصاد وانتهاءً بالسيادة والاستقلال، متخذة في ذلك ذات الأساليب الديكتاتورية التي جاءت بدعوى تخليص أبناء العراق منها، فكان الناتج الحتمي لمثل تلك الممارسات أن وُضعت الفئات العراقية بعد قرون من التعايش السلمي وجها لوجه على طريق الصدام الأهلي والطائفي البغيض.
بعد مرور ثلاثة أعوام على احتلال العراق، وبعد إطلاق الوعود البراقة بالحرية والديمقراطية والإعمار والمدنية، والحياة الكريمة والتي يتمناها كل العراقيين الذين عانوا من الحرمان من أبسط حقوقهم المدنية والإنسانية، وعاشوا في جو من الافتقار إلى الأمن والأمان والعيش دون خوف أو وجل، فإذا بهم يرون بأم العين انتهاكات صارخة وفظيعة تلحق بالتراث الفكري والثقافي والاجتماعي العراقي من خلال ما تعرضت له المتاحف من نهب منظم وسرقة لما احتوته في بطونها من كنوز لا تقدر بثمن لارتباطها بحضارة الشعب العراقي، بل والوجود الإنساني..
وبدلا عن أن يساعد القائمون على الوضع العراقي في الوقت الحالي المجتمع المدني العراقي على تنظيم نفسه ومؤسساته بطريقة متحضرة، نرى عراق ما بعد الحرب مجتمعا تنامت فيه دعاوى الطائفية ونمت فيه ثقافة رفض الآخر ونبذه بسبب العرق أو الدين أو المذهب.. بل إن الأحزاب العراقية التي كان من المفترض أن تمثل أطيافاً سياسية وفكرية تثري الساحة العراقية وتساهم بتبايناتها في بناء العراق الجديد، نراها اليوم مجرد تسميات لواجهات طائفية ودينية تتنافس على ما يُفرِّق لا على ما يُجمع خدمة لمصالحها الخاصة المجردة..
ومن هنا، كان لزاماً علينا أن نحذر مما يصوغه البعض لتقسيم العراق وفصل أجزائه عن بعضها البعض تحت شعارات طائفية ومذهبية وقومية، كما هي الدعوات المتكررة والمتتالية لفصل الجنوب والشمال عن الوسط، وما شابه ذلك من التقسيمات التي لا تهدف إلا لتحقيق مكاسب فئوية بعيدا عن مصلحة العراق الأم التي احتضنت كافة أبنائها تحت سقف واحد ولفته براية واحدة ضمت في قلبها كل الأصناف والتيارات العراقية.. ويأتي تحذيرنا هذا في الوقت الذي تتكاثر فيه الأحاديث عن حرب أهلية تأتي على ما أفلت من أيادي الدمار الذي لحق بالوطن العراقي الواحد..
إننا في منظمة quot;كُتّاب بلا حدودquot; نستنكر بشدة سفك الدم المتزايد الذي يذهب ضحيته الأبرياء من أبناء الشعب العراقي ومن مثقفين وكتاب وأصحاب فكري ورأي وقلم.. وهو ما يشير إلى مخاطر حقيقية تنبئ بزيادة الثمن البشري الذي يدفعه الوطن العراقي عبر قتل مواطنه والزج به في غياهب زنازين الاحتلال والميليشيات وامتهان كرامته عبر ممارسات خارج نطاق احترام آدمية الإنسان.. كما إننا نندد باستهداف كل الأماكن المقدسة ودور العبادة من مراقد وحسينيات ومساجد وكنائس.. فالعراق الذي تعايشت طوائفه أزمانا طويلة لا يمكنه أن يقبل هذه الاستهدافات المشينة التي تريد زرع بذور الفتنة على أرضه مهما كانت غايتها وكيفما كان شكلها..
إننا في quot;كُتّاب بل حدودquot; إذ نعبر عن ثقتنا الكاملة بالجسم الثقافي العراقي وقدرته على مواجهة الصعوبات واجتراح المعجزات، لندعو كل كاتب وصحفي وأكاديمي يعيش على أرض العراق المجيد أو خارجه إلى ممارسة دوره الحقيقي في نبذ الفتنة الطائفية والمذهبية المدمرة، شادين على أيدي أولئك الكُتّاب والصحفيين والأكاديميين والمثقفين الذين انتهجوا هذا النهج الحضاري وررفضوا الطائفية والمذهبية بكل أشكالها وصورها، وأكدوا على وحدة العراق وحماية شعبه، معلنين وقوفنا الدائم والمستمر بجانبهم مهما كان الثمن.
وبهذا، فإن quot;كُتّاب بلا حدودquot; تضم صوتها إلى كل الأصوات الداعية الى وحدة العراق، والعاملة على تحقيق حلم السيادة الكاملة للشعب العراقي الموحد والحر على كامل أرضه، وتوفير الأمن والأمان لشعبه وأبنائه.. وتجدد quot;كُتّاب بلا حدودquot; مطالبتها بإصدار قرار دولي ملزم يمنع كل الجهات وخصوصا النظامية منها من استهداف المدنيين، ويوفر الحماية اللازمة للكُتّاب والصحفيين والإعلاميين العاملين في العراق، الذي يؤدون واجبهم بأمانة وإخلاص ومهنية عالية من أجل كشف حقيقة ما يجري في الداخل العراقي، ويخوضون المخاطر من أجل إيصال تلك الحال كما هي على أرض الواقع للرأي العام العالمي، ويجرم كل من يفعل ذلك بغض النظر عن مكانته أو موقعه، إذ لا يبرر أي موقع لإنسان أن يريق قطرة دم بريئة فضلا عن امتهانه لكرامة شعب بأكمله.
عراقي يتطلع الى صحف ومجلات في احد شوارع بغداد |
وفي مستهل هذا التقرير الموضوع أمام الرأي العام الدولي بمناسبة الذكرى السنوية الثالثة للحرب على العراق نجدد إدانتنا الشديدة والصريحة لكل أعمال الخطف والقتل التي يتعرض لها الإعلاميون والصحفيون العراقيون والأجانب، وتلك التي يتعرض لها كل بريء في العراق.. وندين بأشد ما تكون الإدانة ما يتعرض له أساتذة وأكاديميو الجامعات العراقية من خطف وحجر وقتل وتهجير، بهدف تفريغ المجتمع العراقي من كفاءاته.. معربين عن خالص تعازينا ومواساتنا لكل المؤسسات الإعلامية والصحفية، التي قدمت شهداء في سبيل الكشف عن الحقيقة، ولكل مؤسسات المجتمع المدني العراقية والأجنبية التي قدمت تضحيات غالية من أجل خدمة الإنسان العراقي والتخفيف من آلامه ومحنه.
كما تتوجه quot;كُتّاب بلا حدودquot; بخالص الشكر والتقدير لكل مَنْ ساهم في إعداد هذا التقرير: مادة وتحريرا وتوثيقاً، سائلين المولى العلي القدير أن ينعم بفضله الجزيل بنعمة الأمن والأمان على كل شعوب الأرض، إنه سميع مجيب الدعاء.
منظمة quot;كُتّاب بلا حدودquot;
9 إبريل / نيسان 2006م
الثقافة والوضع الثقافي في العراق بعد ثلاث سنوات من الحرب
شهد العراق خلال السنوات الثلاث الماضية تحولات راديكالية في بنيته السياسية انعكست بشكل مباشر على الوسط الأكاديمي والثقافي الذي كان قد عانى على مر ثلاثين سنة مضت من ديكتاتورية الرأي الواحد والحرية المصادرة.. وعلى الرغم من كل التوقعات بتبدل تلك الأوضاع المزرية واللا إنسانية التي كانت الثقافة العراقية والمثقف العراقي يمرون بها، إلا أن الواقع المعاش لا يعكس أي مؤشر لحدوث ذلك، إذ يمر المثقفون والكُتّاب في العراق، ومن خلفهم الفكر والثقافة العراقية، بظروف صعبة للغاية تجعل أمر التنبؤ بمستقبل أفضل ضرباً من ضروب الحلم البعيد المنال، حيث يثير قلق الجميع قيام البعض بممارسات تنذر بعودة النهج الديكتاتوري الذي يعمد لمصادرة كل ما هو مخالف لما يتبناه ويعتقده ولتضييق أو حتى إلغاء هامش الحرية الضئيل الذي ناورت الثقافة العراقية قرابة ثلاثة عقود من أجل العمل في ظله في مناخ ديكتاتوري قل نظيره، ولكن هذه المرة بوجوه جديدة ومتعددة.
إن عمليات عزل المثقفين الفاعلين في الحياة الثقافية العراقية بوصفهم يمثلون النظام السابق، هو أمر وإن انطبق على كثيرين إلا أنه من المعيب ومن الظلم أن يعمم على جميع من دفعتهم الظروف الضاغطة الشديدة إلى العمل في مؤسسات هي ملك الوطن قبل أن تكون ملك للنظام، أي نظام كان. لذا، فإن الدعوة لتحرير الثقافة من السياسة، وعدم عدم تكرار خطايا النظام السابق عبر تكرار عملية رهن المثقف والثقافة بالسياسي والسياسة، تظل قائمة وتجد على الدوام من يتبناها ويعمل لأجلها.
فمثلما تم عزل وتهميش كثير من المثقفين الفاعلين بعد قيام حزب البعث بضرب الجبهة الشعبية في السبعينات، وما تلى ذلك من هيمنة نظام وثقافة الحزب الواحد على الوطن الكبير، تكرر الأمر في عقد التسعينات بظهور ما عُرف بالتجمع الثقافي، الذي حاول ضرب الجيل السابق أو ما أطلق عليه في تلك الفترة (ديناصورات الثقافة) من خلال تسخير أعداد كبيرة من المثقفين والمحسوبين على الثقافة الذين لم يكونوا قادرين على إنتاج ثقافة حقيقية أو التأسيس لثقافة متحضرة أو وضع ثقافي مؤسسي جديد لسبب أو لآخر. ومثلما كانت الثقافة والمثقف العراقي مرتبطا بالمكتب الثقافي لحزب البعث ومن بعده بالتجمع الثقافي، فإن الكثير من المثقفين العراقيين بعد نيسان 2003م حاولوا دخول ميدان الثقافة من خلال أبواب الأحزاب القادمة من الخارج أو تلك الناشئة في الداخل استنادا إلى مصالح فئوية أو إثنية أو طائفية، ليكونوا الصوت المعبر عنها بدلا أن يكونوا الصوت الموجه والناصح للأمة كلها، وهو الدور المنوط بالمثقف في أي بقعة وُجد فيها.
ولأن تلك الأحزاب كانت في حاجة لمثل هؤلاء، فقد تبنت بعضهم مرحليا وعملت على تسخير جهودهم في ما يصب في خدمة مصالحها، بينما كان أولئك المثقفون من جانبهم يطمحون بتبوء مراكز ثقافية متقدمة تكون لها سلطة القرار أو التوجيه، بيد أنهم بعد تقادم الزمن أدركوا أنهم ملقون على هامش تلك المعادلات الحزبية، ووجدوا أنفسهم أرقاما غير فاعلة من معادلة السياسة على نحو أثار استياء الكثير منهم، فهب البعض للإعلان عن ذلك الاستياء عبر وسائل الإعلام المختلفة خاصة خلال العام المنصرم، فيما اختار البعض الآخر السكوت أو الركون أو الانسحاب.
من جهتها نظرت الأحزاب السياسية ورجالها إلى الثقافة في أحد اتجاهين: الاتجاه العلماني الذي استخدم المثقف مجرد استخدام إعلامي وليس استخداما ثقافيا حقيقياً بما يخدم أهدافها المرحلية، أو الاتجاه الديني الذي عمل على تديين الثقافة فزج بالمثقف في ما يخدم التوجه الديني وليس الثقافي الحر.
وبهذا، بذل الطرفان جهودهما لتحويل الثقافة إلى وسيلة لخدمة التوجهات والأهداف المرحلية، ومارسا في الوقت نفسه الوصاية شبه الكاملة على المثقف، بينما الواقع المفترض هو الاستجابة لطموحات المثقف في حدود الأطر الأخلاقية والقيمية لكي يبني واقعا ثقافيا يستجيب لمطالب تأسيس وتعزيز الثقافة الحقيقية.
ومن هنا، جاءت دعوة منظمة quot;كُتّاب بلا حدودquot; المتكررة للحكومة العراقية بضرورة الابتعاد عن ازدراء الثقافة والمثقفين الذين لا يمكن أن تقوم للعراق قائمة دون مشاركتهم الفعالة في بناء العراق الجديد. ولعله من المفيد أن نورد في هذا السياق ما نقله أحد أعلام الثقافة العراقية من رفضه تسلم حقيبة وزارة الثقافة العراقية معتبرا إياها quot;وزارة تافهةquot; على حد تعبيره، وذلك تأسيساً على واقع الدور الذي تلعبه هذه الوزارة في الوقت الراهن، والذي يشكل امتداداً للدور الذي كانت تلعبه في فترة ما قبل الاحتلال إبان النظام البعثي الصدامي، والذي يتمركز حول البعد الإعلامي الذي لم يرتق للوصول إلى مستوى متقدم في المعالجات الجذرية والفعلية للحالة الثقافية المتدهورة في بلد ذا تاريخ ثقافي عريق يتطلع إلى الانفتاح على الثقافة الإنسانية والتطور الثقافي بعد ما عاشه من حرمان وعزل لأكثر من ثلاثين عاماً، فيما لا يعير هذا الدور البعد الاستراتيجي والتخطيطي أي اهتمام أو عناية.
وإذا كان نظام الحكم الواحد لا يسمح بظهور أفراد أو قطاع خاص يمارس دورا ثقافيا من نوع ما فإن التعددية والانفتاح السياسي لم تستطع بعد ثلاث سنوات من التغيير خلق قطاع خاص ينشط بشكل حقيقي وفعلي في مجال بناء مؤسسات ذات طبيعة ثقافية تمتلك استقلالها الذاتي.
وبالرغم من ظهور بعض الجمعيات والكيانات التي أخذت اسما ثقافيا وارتبطت بمجال العمل غير الرسمي (المنظمات غير الحكومية) إلا إنها لم تتمكن من ممارسة دورها أو تعزيز حضورها الثقافي إلا بصيغ شكلية لا فاعلية لها في الحياة الثقافية ولا انعكاس لها في المجتمع المحيط.
إن نظرة متفحصة في الواقع الثقافي العراقي الحالي تكشف عن واقع مشوه من جانب، ومهزوم من الداخل من الجانب الآخر، ومفتتا في مستوى البناء الثقافي الحقيقي من الجانب الثالث. والبلاء، كل البلاء، أن هذا التشوه الذي نال المشهد الثقافي العراقي قد جاء بفعل أطراف عدة تمثلت في المثقف، والمؤسسات الثقافية، والأحزاب السياسية، والنظام الرسمي، والاحتلال.
ولعل أحد المؤشرات البارزة على هذا الواقع المشوه، هو بروز نزاعات (لا ثقافية) بين المثقفين أنفسهم.. بمعنى أن التعامل بين فئات المثقفين أنفسهم بات يقوم على أسس غير ثقافية كالأسس الطائفية أو العنصرية أو العرقية أو القومية أو السياسية ذات الأفق الضيق والرؤية المحددة والنظرة الأنانية، مما جعل من الحالة الثقافية في عراق اليوم حالة يسودها البعد الفلكلوري أكثر مما هو البعد العلمي أو الثقافي الحقيقي والمحايد بين الفئات المكونة للشعب العراقي، في الوقت الذي لا يجب أن يكون فيه الاختلاف في المنبع الفكري هو ما يجب أن يحكم نظرة المثقف إلى مجتمعه وبالتالي ينعكس على نتاجه من خلال تلك النظرة المحدودة، بل الموضوعية والشفافية والشمولية هي ما يمثل المعيار الحقيقي لمدى رقي وعمق وعي المثقف بدوره وخطورة استغلال موقعه من قبل الآخرين لأغراض مشبوهة يجر الانجرار خلفها الثقافة إلى التقهقر والتقوقع والتخلف.
من جانبه، لم يتصد المثقف العراقي لهذه الحالة التصدي المطلوب أو المتوقع، والسبب هو حالة الخوف التي تحيط به في واقعه الحياتي والمجتمعي. ولعل ما يمكن أن يتعرض له أي متصد لهذه الثقافة من ويلات ليس أقلها التصفية الجسدية هو ما يقف عائقا بين الدور المطلوب والواقع الممكن.
وإذا كانت ممارسة (كتابة التقارير والوشايات) ليست بظاهرة جديدة على العراق حيث بدأت منذ عقود وتصاعدت حدتها في الثمانينات، بينما راجت وأخذت مداها الواسع في عهد ما يسمى بـ(التجمع الثقافي) في التسعينات فإن هذه الممارسة أخذت شكلا علنيا بعد الاحتلال، فبدأ بعض الكُتّاب يهددون المثقفين من خلال الصحافة بكتابات ذات صبغة تحريضية من جانب، وذات نفس (إخباري) من جانب أخر، مستخدمين أسلوب الترويع والتهديد في الكشف عما يسمونه ماضياً.
أما المؤسسات الثقافية والأكاديمية فقد خُربت عن طريق الحرق والتدمير المادي أو بإيكال إداراتها إلى أشخاص غير معنيين بالعملية الثقافية من قريب أو بعيد فأحرقوها معنوياً. أما المحتل فإن الشواهد تؤكد عدم قيامه بأية جهود حقيقية كانت أو شكلية للإسهام في إعادة بناء المشهد الثقافي على مدى ثلاث سنوات كاملة، وكل ما سعى إليه هو ربط بعض المثقفين بعجلته البراغماتية وهو دور متوقع من قوة محتلة تحاول استمالة البعض إلى صفوفها. والمؤسف، أن مثل هذه الوجهات قد لاقت نجاحاً يشار إليه بالبنان حيث خلقت دمىً تمارس فعلياً دور المروج الإعلامي والسياسي للاحتلال وثقافته وأهدافه من خلال استغلال الصورة المشرقة ماديا للوضع الذي وصلت إليه الحياة في الولايات المتحدة الأمريكية كنموذج يقدمه الاحتلال للعراقيين عن مستقبلهم المرسوم من قبل المحتل.
الإعلام العراقي بعد ثلاث سنوات من الحرب
حرية الإعلام والصحافة في العراق بعد ثلاث سنوات من الحرب، باتت في خطر شديد رغم الصورة غير الحقيقية للحرية الإعلامية التي يحاول النظام الحالي والمحتل على حد سواء إبرازها، إذ تبدو الصحافة طائفية مذهبية تحريضية لمن يراقبها بعين الفحص والتدقيق، وتبتعد كثيرا عن المهنية والموضوعية المتوخاة من وسائل الإعلام.
وما يعزز هذا الطرح، هو أن العراق لا يزال يُعتبر المنطقة الأخطر بالنسبة لعمل الصحفيين العرب والأجانب، إذ قدمت أسرة الصحافة العراقية عددا كبيرا من شهداء الحقيقة منذ اليوم الأول للغزو الأنجلو-أمريكي حتى يومنا هذا. وفيما يلي نورد قائمة بأسماء شهداء الصحافة والرأي الذين تم قتلهم واغتيالهم منذ التاسع من نيسان عام 2003 حتى تاريخ إعداد هذا التقرير:
التسلسل الاسم المؤسسة تاريخ التصفية
1. محسن خضير ألف باء 13/03/2006م
2. أمجد حميد قناة العراقية 11/03/2006م
3. أنور تركي قناة العراقية 11/03/2006م
4. منصف الخالدي قناة بغداد 07/03/2006م
5. أطوار بهجت قناة العربية 23/02/2006م
6. خالد محمد الفلاحي قناة العربية 23/02/2006م
7. محمد زعل قناة بغداد 25/01/2006م
8. حمزة حسين قناة الديار 23/01/2006م
9. لؤي سلمان رديف قناة البغدادية 16/01/2006م
10. عقيل عبدالرضا قناة العراقية 28/11/2005م
11. أحمد حسين المالكي صحفي 07/11/2005م
12. محمد هارون صحفي 19/10/2005م
13. فارس المعاضيدي مجلة السفير 21/09/2005م
14. أحلام يوسف قناة العراقية 21/09/2005م
15. هند إسماعيل مجلة السفير 20/09/2005م
16. فاخر حيدر التميمي نيويورك تايمز 19/09/2005م
17. صباح محسن قناة العراقية 17/09/2005
18. وليد خالد وكالة رويترز 28/08/2005م
19. رافد الربيعي قناة العراقية 27/08/2005م
20. عدنان البياتي صحفي 23/07/2005م
21. مها إبراهيم قناة بغداد 03/07/2005م
22. خالد صبيح العطار قناة العراقية 01/07/2005م
23. وائل البكري قناة الشرقية 28/06/2005م
24. ياسر الصالحي صحفي 22/06/2005م
25. جاسم القيسي صحيفة السيادة 22/06/2005م
26. نجم عبد خضير صحفي في المدى وطريق الشعب 15/05/2005م
27. أحمد آدم صحفي في المدى والصباح 15/5/2005م
28. صالح إبراهيم صحفي 23/04/2005م
29. شمال عبدالله أسعد قناة كردستان 15/04/2005
30. علي إبراهيم عيسى قناة الحرية 14/04/2005م
31. فاضل حازم فاضل قناة الحرية 14/04/2005م
32. أحمد جبار هاشم جريدة الصباح 01/04/2005م
33. حسام هلال سرسم قناة كردستان 14/03/2005م
34. لايك إبراهيم قناة كردستان 10/03/2005م
35. رائدة محمد وزان قناة العراقية 25/02/2005م
36. عبدالحسين غزال قناة الحرة 09/02/2005م
37. ضياء نجم وكالة رويترز 01/11/2004م
38. لقاء عبدالرزاق قناة الشرقية 27/10/2004م
39. كرم حسين مصور صحفي 14/10/2004م
40. دينا محمد حسن قناة الحرية 14/10/2004م
41. أحمد جاسم صحفي 07/10/2004م
42. إسماعيل طاهر محسن صحفي 02/09/2004م
43. جمال توفيق سليمان صحفي 25/08/2004م
44. محمد حميد عباس قناة زد دي إف (ZDF) 15/08/2004م
45. حسام علي صحفي 15/08/2004م
46. سحر سعد صحفية في الميزان والخيمة 03/06/2004م
47. محمد إسماعيل داود الصباح الجديد 29/05/2004م
48. سامية عبدالجبار الصباح الجديد 29/05/2004م
49. راشد حميد والي قناة الجزيرة 21/05/2004م
50. حسين صلاح قناة العراقية 29/04/2004م
51. سعد كاظم قناة العراقية 19/04/2004م
52. برهان محمد اللهيبي صحفي 26/03/2004م
53. عمر هاشم كمال التايم 26/03/2004م
54. علي عبدالعزيز قناة العربية 18/03/2004م
55. علي الخطيب قناة العربية 18/03/2004م
56. نادية نصرت قناة ديالي 18/03/2004م
57. ماجد راشد قناة ديالي 18/03/2004
58. محمد أحمد قناة ديالي 18/03/2004م
59. دريد عيسى محمد قناة سي إن إن (CNN) 27/01/2004م
60. ياسر خطاب قناة سي إن إن (CNN) 27/01/2004م
61. أحمد شوكت صحفي 28/10/2003م
62. مازن دانا وكالة رويترز 17/08/2003م
63. أحمد كريم قناة كردستان 02/07/2003م
64. كامران عبالرزاق محمد بي بي سي (BBC) 06/04/2003م
65. حسين عثمان آي تي نيوز (IT News) 22/03/2003
المصدر: الموقع الإلكتروني لمنظمة مراسلون بلا حدود، ومصادر أخرى..
ملامح من معاناة العمل الإعلامي والإعلاميين اليومية في العراق
تتلخص مأساة الأعلام العراقي حاليا في حادثة معبِّرة وقعت لأحد الصحفيين عندما كتب في الصحيفة التي يعمل فيها عن مظاهرة قامت بها مؤسسة دينية مستهلا خبره بالقول: quot;خرج عشرات المتظاهرين..quot;. وفي اليوم التالي وبمجرد ظهور الخبر في الصحيفة فوجئ الصحفي بسيارة تقف أمام باب داره تحمل عدداً من المسلحين الذين اقتادوه إلى مقرهم وقدموه (مذنباً) إلى زعيمهم ليؤنبه قائلا: quot;كيف تكتب عشرات المتظاهرين ولم تكتب المئات؟؟!!quot; فرد الصحفي قائلا: quot;لقد نقلت الحقيقة فمتظاهروكم لم يتجاوزوا الخمسين فرداًquot;.. فقال الشيخ: quot;في المرة القادمة اعرض علينا أي خبر تكتبه قبل نشره وإلاّ...quot;.. وتحت وطأة هذا التهديد بدأ الصحفي ndash;حسب ما أكده شخصياً- ينفخ في الأرقام والحقائق والأخبار ممتنعا عن التعليق وإبداء الرأي على أي مادة يكتبها لجريدته..
الصحافة المطبوعة:
لقد فقدت الصحافة العراقية جرأتها التي كانت قد مارستها لأشهر قليلة بعد سقوط النظام العراقي البائد، ولم تعد صاحبة الجلالة ولا السلطة الرابعة كما يجب أن تكون، وإنما (السلطة الراكعة) كما علق أحد الصحفيين المطرودين من عملهم في الصحافة العراقية، وذلك بسبب عدم وجود الصحفي المحترف الحر بسبب الثمن الباهظ الذي يعرف أنه قد يدفعه جراء التزامه بالمهنية والأمانة في النقل والتعبير عن الحقائق بصورة مجردة.. ولعل هذا الأمر أيضا يفسر بروز ظاهرة عمل الصحفي الواحد في عدة صحف في وقت واحد، حيث ندرة الكفاءة الصحفية من جهة وضآلة الأجور والحوافز من الجهة الأخرى!!
الصحف العراقية لا تضمن لصحفييها أية مساندة أو دعم عدا الراتب الضئيل الذي يستلمه الصحفي نظير عمله في تلك الصحيفة بصورة بدائية عن طريق مراجعة حسابات الجريدة.. وقد كان لهذا الأسلوب البدائي ضحايا من صحفيي المحافظات الذين قتلوا في المناطق الساخنة وهم في طريقهم إلى بغداد لتسلم أجورهم مثل المرحوم أحمد آدم مراسل جريدة الصباح الذي قتل في 15 مايو/آيار 2005م وهو في طريقه إلى بغداد لاستلام راتبه.
الكثير من الصحف العراقية لا تعلن عن مصادر تمويلها أو ارتباطها، وعلى الصحفي أن يعمل فيها مغمض العينين.. وإذا حدث أن اختلف سياسي أو زعيم أو غيرهم مع الصحيفة، فإن أول الخيارات تكون المقاطعة، وأول ضحايا تلك المقاطعة هو الصحفي، كما حدث لمراسل صحيفة بغداد التابعة لحزب الوفاق الوطني برئاسة إياد علاوي، حيث عندما انتهت حكومته أعلن أن quot;مراسلي صحيفة بغداد كافرون ويراسلون جريدة علمانيةquot;، ودعا الصحفيين المؤيدين له والتابعين له للاستقالة منها، وكان ذلك بالفعل. كما أنه في المقابل، قامت بعض المؤسسات الصحفية بإقالة بعض الصحفيين بسبب انتماءاتهم السياسية واختلافهم مع بعض الزعامات السياسية أحياناً، وبذلك أصبح موقع الصحفي في العراق بين المطرقة والسندان، وأصبحت الصحافة أشبه بالمشي بين حقلي ألغام، الأول حقل الجريدة وارتباطاتها ومشاكلها والصراعات الكثيرة بين رؤساء تحرير الصحف والأحزاب والكيانات السياسية والمذهبية التي تنعكس على سمعة الجريدة وانتشارها في منطقة دون أخرى، والثاني حقل تمثله ساحة العمل التي يعمل فيها الصحفي. فالصحفي عليه أن يكون في أشد درجات الحذر، ففي المؤسسة لابد وأن يحل في موضع الرضا التام من قبل رؤساء التحرير وملاك الصحف، وفي خارج المؤسسة عليه السعي المجهد لترسيخ علاقته مع قائد الشرطة في المحافظة ورؤساء فروع الأحزاب، وعلى وجه الخصوص الحزب الحاكم.. بيد أن الصحفي بهذه الكيفية إنما يتحول إلى دمية يحركها الآخرون وفق ما يخدم مصالحهم لا أكثر من ذلك ولا أقل.
شعار تلفزيون العراقية |
إن الظروف الاستثنائية التي يمر بها العراق وعدم سن القوانين التي تنظم العمل الصحافي والإعلامي في العراق، هيأت الأرضية الخصبة لظهور ونمو المنحرفين والوصوليين والنفعيين وأصحاب المصالح الشخصية والأنانية الضيقة، ووفرت فرصة تسخير الصحافة لتحقيق المكاسب والمنافع الشخصية وعدم الالتزام بأخلاقيات العمل الصحفي وأمانته، حتى أضحت اغلب الصحف العراقية في عراق ما بعد الحرب ورقا يُباع على الأرصفة لا يجد مَنْ يشتريه.
المحطات الفضائية والإذاعية:
لم يكن إنشاء المحطات التلفزيونية والإذاعية سواء الفضائية أو الأرضية متاحاً في العراق في الحقبة الماضية بسبب غلبة الرأي الواحد.. غير أن هذا الواقع قد شهد تغيرا ملحوظاً بعد إسقاط النظام العراقي البعثي، وصار بالإمكان إنشاء المحطات الفضائية بعيدا عن القيود التي كان يفرضها النظام السابق. إلا أن تكاليف إنشاء محطة فضائية ليست بالقليلة بطبيعة الحال، وإدارتها وتشغيلها ليس بالأمر الهين، بالأخص إذا كان الهدف من تلك المحطة هو العمل الإعلامي الحر والنزيه والمحايد.
لقد برزت ظاهرة القنوات الفضائية العراقية بصورة ملحوظة في السنوات الثلاث الماضية، منها ما هو مدعوم من قبل جهات سياسية ومنها ما هو مدعوم من قبل شخصيات أو مؤسسات دينية، ومنها ما أنشئ أساسا لترويج ثقافات معينة والترويج لأفكار سياسية أو ثقافية محددة، ومنها ما هو هابط ولا معنى حقيقي لوجوده أصلاً.
وبعيداً عن كل ذلك، يمكن القول أن أداء الفضائيات العراقية بصورة عامة لا يرقى لمستوى المهنية المتوقع، لا من حيث الأداء الإعلامي (اللغة والتقديم والتشويق.. الخ) ولا من حيث المصداقية والقدرة على التحليل وقراءة الواقع، إذ يكفي القناة أن تتحصل تقنية ما بأقل تكلفة ممكنة بحيث تضمن جودة الصوت والصورة، لتبدأ بثها، غير معيرة أي اهتمام لمتسوى الإعلاميين أو الفنيين العاملين فيها أو المراسلين التابعين لها، الأمر الذي جعل الفضائيات العراقية بعيدة بصورة ملحوظة عن مستوى الاحتراف الإعلامي.
التلفزة المحلية (الداخلية):
تملك معظم المحافظات العراقية محطة تلفزيونية محلية تدعمها شبكة الإعلام العراقية إدارياً وتقنيا وفنياً، إلا أنها تظل منفصلة عن أي بث رئيسي. لكن المضحك المبكي في هذا الإطار هو أن هذه المحطات أصحبت خلال الفترة الماضية ولا تزال حتى اليوم مجرد مساحة يستعرض فيها المحافظ أو من يمثله قدراته الخطابية والكلامية، بينما يستخدمها البعض الآخر منبرا للهجوم على الحكومة المركزية لتقصيرها في مساعدة المحافظة على أداء الأعمال الموكلة إليها والوفاء بالتزاماتها تجاه العامة، في محاولة للظهور بالمظهر اللائق أمام أبناء المحافظة واكتساب الشعبية والقبول في تلك الأوساط. الجدير بالذكر هو أن هذه المحطات تسمح وبأمر من المحافظين أنفسهم بنشر كافة التقارير الفاضحة لأداء دوائر المحافظة بهدف إقناع العامة بقيام حالة الديمقراطية وحرية التعبير من جهة، ولشغل الناس ببعض الأمور فيما تتاح للمحافظين وكبار المسؤولين فسحة من العمل دون رقابة حقيقية وفعلية على أدائهم من الجهة الأخرى. ولأن هذه هي صفة تلك المحطات، فإنها بطبيعة الحال غير قادرة على الدخول في منافسة مع المحطات الفضائية، لذا فإنها لا تزال وستظل ما لم يتبدل الوضع محطات أرضية محدودة.
الخلاصة:
من خلال العرض السابق، يمكن الخلوص لما يلي:
1. إن الإعلام العراقي إعلام متذبذب إداريا وفنيا ومهنيا، ومبني على أساس العلاقات والمعارف والمصالح المتبادلة، وليس على المهنية الإعلامية.
2. هناك حرية مزعومة يتشدق بها العديد من الإعلاميين دائما وهم في عملهم يحسبون ألف حساب لكي لا تمس طروحاتهم جهة سياسية ما أو حزبية أو دينية أو غير ذلك.
3. واقع الأجور في العمل الإعلامي سيء لأبعد الحدود ما قد يكون سبباً في انحراف الإعلام ومجافاة المهنية والنزاهة والحيادية، وسيطرة المصالح والأهواء الشخصية من خلال استغلل الأوضاع المادية الصعبة للصحفيين والإعلاميين.
4. يُقيَّم الإعلامي العراقي في غالبية المحافظات من خلال مدى رضا المؤسسات الدينية أو الأحزاب السياسية عنه، وعدا ذلك تحجب عنه الثقة ويمنع من العمل وقلما تكون الطرق في ذلك المنع ودية.
5. بسبب طغيان المد الديني والطائفي والقومي في الإعلام العراقي، فقد ترشح للعمل فيه مراسلون وصحفيون وإعلاميون ذوو ميل واضح للإثنية والطائفية والتحزب، وعلت أصواتهم وعملوا على تكريس مصطلحات ومسميات طغت على الخيارات الوطنية ووحدة البلد فيما تخلت بعض الفئات في مكونات الساحة العراقية كالعلمانيين والليبراليين والشيوعيين وغيرهم عن الإعلان عن أفكارهم المرتبطة بالمصلحة الوطنية وليس بالمعتقدات والانتماء، خشية اتهامهم بالكفر والإلحاد.
6. انتقل الحراك السياسي المختلف والصراع الذي يتبادله الساسة إلى الساحة الإعلامية، ومنها إلى الواقع في دائرة متكاملة، إلا أن ثمن كل ذلك لا يدفعه سوى الإعلاميون الذين يتطلب عملهم التنقل والحركة تبعا لمجريات الساحة السياسية ومعطيات الاقتتال السياسي. لذا، كان غالبية الذين اغتيلوا من الزملاء صيدا سهلا للإرهابيين، ومنهم من سقط نتيجة تصفيات حساب لا ناقة له فيها ولا جمل.
7. رغم البحث المتواصل ومحاولة كشف حقيقة ما يجري في الساحة الإعلامية العراقية ومدى ما يلاقيه الإعلاميون من معاناة في الداخل العراقي، إلا أنه لا تزال هناك الكثير من الحقائق المغطاة والأمور التي من غير الممكن الكشف عنها حتى الآن بسبب سياسات التعتيم وتكميم الأفواه وإخفاء الحقائق والتي يتحمل النظام الحاكم وقوات الاحتلال المسؤولية المباشرة فيها.
قمع حرية الرأي و التعبير:
تتخذ أشكال القمع لحرية الرأي والتعبير في عدد من مدن العراق مواضع مختلفة، وتزداد من وقت لآخر على نحو مضطرد تبعا لمجريات الساحة السياسية العراقية. وتثبت الوقائع أن الأحزاب والجماعات الدينية تضطلع بمهمة القمع بصورة مباشرة وعلنية.
ويمكن تلخيص مظاهر هذه الحال في ما يلي:
1. تستخدم الأحزاب الدينية وسائل عديدة لقمع حرية التعبير والرأي من خلال العودة إلى الأساليب الدكتاتورية كالاستدعاء إلى مقار الأحزاب ومكاتبها حيث يجد الكاتب أو المواطن ورقة يُطلب فيها حضوره إلى مقر الحزب أو الحركة، وهي غالبا ما تكون مكتوبة بخط قلم جاف وغير مطبوعة.
2. في حالة عدم حضور الفرد إلى مقر الحزب فإن الإجراءات قد تتخذ ضد المستدعى من خلال:
zwnj;أ. تصفية المستدعى جسديا بإطلاق الرصاص عليه في الشارع من قبل جماعة مجهولة.
zwnj;ب. خطفه والعمل على تعنيفه جسديا أو معنويا في الحالات الخفيفة. ومن المفيد ذكره أن المواطنين على العموم لا يتخلفون في حالة استدعائهم من قبل هذه الجماعات باعتبارها السلطة النافذة، وهذا الأمر مخالف تماما لحقوق الإنسان والقانون.
zwnj;ج. في حالة تصفية المدعو يتم أعطاء ورقة تبرئة للمجني عليه من الحزب الذي استدعاه غالبا، يوضحون فيها عدم مسؤوليتهم عن ذلك. وهي مكتوبة بخط اليد وبقلم جاف أيضا كي لا يتخذ منها دليل قضائي في ما لو جرى تحقيق في الحادثة. وهو أسلوب دارج ومتكرر الحدوث.
3. تقوم الأحزاب والحركات الدينية بتعطيل الدوام الرسمي من خلال الإيعاز إلى عناصرها من أجل إجبار المسؤولين عن مرافق الدولة تنفيذ مطالبهم. وقد استطاعت منذ الأشهر الأولى تقاسم الدوائر والمؤسسات والهيمنة عليها. ومن أهم الدوائر التي يجري الصراع عليها هي الدوائر النفطية لما تمثله من منجم مالي كبير للتهريب ولفرض السيطرة والنفوذ.
4. تتدخل الأحزاب والجماعات الدينية المتشددة في الحياة الجامعية من خلال:
zwnj;أ. منع الطلبة من مزاولة أنشطتهم الطبيعية في استخدام الآلات الموسيقية أو السفرات الجامعية على سبيل المثال، وتعمل هذه الحركات على مراقبة الطلبة والطالبات والتدخل في شؤونهم وضربهم ضربا مبرحا كما حدث في كلية الهندسة في مدينة البصرة مؤخرا.
zwnj;ب. منع الشباب الجامعي من ارتداء الجينز، أو القيام بتسريح الشعر على وقف طرق معينة. كما تجري مضايقات دائمة من أساتذة متشددين ضد غير المحجبات. ويمكن لغير المحجبة أن تنال رسوبا في مواد معينة حتى وإن كان أداؤها متميزاً.
zwnj;ج. تنسق الأحزاب الدينية ذلك من خلال ما يعرف باللجان الأمنية في كلّ كلية والتي يقودها طلبة عنيفون أو أساتذة متشددون أحيانا.
5. تقوم لجان مراقبة من الأحزاب باعتقال الشباب عموما في الشوارع ممن يلبسون الجينز أو يرتدون قمصاناً ذات رسوم أو كلمات أجنبية كبيرة وضربهم ضربا مبرحا في شقق معدة لذلك ثم تسريحهم بعد تمزيق ملابسهم.
6. تقوم لجان المشتركة من الأحزاب الدينية بمنع ظهور صور المطربين والفنانين العراقيين بدعوى محاربة نشر الفسوق.
7. نشر مكبرات الصوت في جميع المناطق الخاضعة لسيطرة الحزب تقريباً لتبليغ الناس بما تشاء هذه الأحزاب من تعليمات.. كما تقوم بالعمل للسيطرة على الشارع من خلال وضع أكشاك تدعو لأناشيد دينية معينة.
نماذج من أعمال القتل العمد في مدينة البصرة:
في ما يلي نعرض نماذج موثقة من أعمال القتل العمد في مدينة البصرة من باب المثال لا الحصر، حيث أن باقي المدن العراقية تشهد حالة مماثلة:
1. الأستاذ الدكتور الجراح حامد عبد الله مساعد عميد كلية الطب
(مستقل سياسيا ndash; 2003)
2. الأستاذ الدكتور حيدر البعاج مدير مستشفى البصرة التعليمي
(مستقل سياسيا ndash; 2003)
3. الأستاذ الدكتور أسعد الشريدة عميد كلية الهندسة اختصاص كهرباء
(مستقل سياسيا - 2003 )
4. الأستاذ الدكتور جمهور كريم خماس الزركاني، أستاذ اللغة العربية - كلية الآداب جامعة البصرة
(قتل على الأرجح لتغيير مذهبه من شيعي إلى سني إذ لم يتم الوقوف على سبب آخر خلال عملية البحث ndash; 2005)
5. الدكتور علاء داود سلمان الرومي، كلية الدراسات التاريخية
(2005)
6. الأستاذ الدكتور كاظم مشحوت كلية الزراعة اختصاص تربة
(عضو سابق في حزب البعث المنحل ndash; 2005)
7. المهندسة أحلام كاظم مديرة في المنتجات النفطية في الجنوب
(أطل
التعليقات