كلما قرأت خبراً عن الزواج، أتذكر، وأنا أضحك، ما كتبته مراسلة وكالة (رويترز) الصحفية ناريانان مدهفان عن رجل الاعمال السريلنكي البوذي الذي نشر إعلاناً في صحيفة (صنداي أوبزرفر) منذ سنوات، يطلب به زوجاً لابنته الجميلة المتعلمة البالغة من العمر 21 سنة، لقاء (دوطة) قيمتها 400 ألف دولار.
ولا يعتقدن أحد منكم أن بإمكانه أن يتقدم لطلب يد هذه البنت (الدوطة)، إذا لـم يكن من فئة الاطباء أو المهندسين أو الجامعيين. باختصار، أنا، مثلاً، لا أصلح للفوز بنصف مليون دولار.. قد أصلح فقط للمشاركة بعرس جماعي، كالذي أقيم في سوريا مؤخراً، أو كالذي أقيم عند سفح أهرامات الجيزة في مصر، بمناسبة مرور ربع قرن على حرب تشرين/أوكتوبر 1973 ، وشهد الجد الفرعوني الاكبر السيد (أبو الهول) على هذا الزواج الجماعي المصري وباركه، إذ أن العرس أقيم في الساحة المقابلة لتمثاله الضخم.
لو أن كل والد عروس أعطى عريس ابنته (دوطة) كما وعد رجل الاعمال السريلنكي، لقبر شباب مصر وسوريا وغيرهم الفقر، ولصاحوا بصوت واحد: فليعش الزواج.
والزواج بـ (دوطة) أمر شائع في سريلنكا، تماماً كما كان شائعاً في الهند قبل أن يلغيه القانون، وقد آن الأوان أن تغيّر جزيرة سريلنكا هذه العادة الاجتماعية السيئة، التي تسيء الى فتياتها وتحوّل الزواج الى سلعة، خاصة وأن معظم بناتها يعملن كأجيرات في لبنان ومصر ومعظم دول العالـم، وهنّ دون مستوى الفقر.
أصوات نسائية عديدة في سريلنكا تعارض زواج (الدوطة)، وها هي سكرتيرة جمعية علماء الاجتماع السيدة كوماري جيواردينا تهزأ من المسؤولين السريلنكيين حين تقول: (الجميع ضد هذا النظام وفي نفس الوقت يؤيدونه سراً. تجري مناقشته في الصحف ثـم يموت)، وأضافت تقول: (أيام الحكم البريطاني حاول مجلس الدولة الغاء نظام الدوطة، فجاءت نسبة التصويت متساوية، فما كان من رئيس المجلس إلاّ ان صوّت لصالح الدوطة)!!
مسكين من يعتقد أن (الدوطة) مقتصرة على الهندوس فقط، إذ أن معظم أبناء الطوائف التي يتألف منها المجتمع السريلنكي يمارسونها. إنها عادة اجتماعية متفشيّة بشكل رهيب. فإذا لـم يمنعها القانون فلسوف تمنعها الجريمة! تماماً كما حصل في الهند، فلقد كانت (الدوطة) السبب الرئيسي في انتحار الزوجة أو قتلها من قبل زوجها وأقاربه لعدم تأمين (الدوطة) المتفق عليها.
(والدوطة) في سريلنكا إما أن تكون مزرعة أو نقوداً أو مجوهرات أو بيتاً أو ما شابه، وعلى أهل الفتاة تأمين كل هذا، وإلاّ ستبقى ابنتهم بدون زواج!!.. ولكي أزيدكم استغراباً اسمحوا لي أن أخبركم ان هذه العادة كانت سائدة، وما زالت، في العديد من الدول العربية، فمن منكم لـم يسمع سمسارة الزواج تقول: هذه البنت معها (دوطة)، كي ترغّب الشباب بها. أوَ لـم تزل (الدوطة) سائدة في جزيرة قبرص؟! فالبنت هناك هي التي تؤمن المسكن والمأكل والمشرب، وما على الشاب القبرصي إلاّ أن يقول: نعم يا أبانا!!
قد تضحكون وتقولون: مسكينات هنّ الزوجات، فلقد وقعن ضحيّة كذب أزواجهن، قبل الزواج وبعده!!.. فأجيبكم بأن معظم الزوجات اللواتي يشترين رجالهن بالدوطة، قد يشترين جهازاً ثـمنه 140 دولاراً يكشف كذب أزواجهن. والجهاز من إنتاج شركة (بيكوك) الألمانية، وهو قادر على اكتشاف أكبر الكذابين المحترفين، ويعتمد على ذبذبة الصوت والمسافات الفاصلة بين الكلمات ومقدار التوتر أثناء الكلام، وكي لا ترتعد فرائص الرجال أخبرهم أن العالـمين إيمو كوريو ورالف أوت قد استطاعا تضليل الجهاز وأثبتا عدم فعاليته بنسبة 85 بالمئة.
شكراً للعالـميين الفاضلين، فلقد أثلجا قلوبنا بإعلانهما فشل جهاز (كشّاف الكذب)، حتى لا نخضع كل ليلة لعملية استجواب قد تقضي علينا وعلى (دوطتنا) أيضاً، ونردد بألم بالغ: زواج الدوطة.. أكلة مخلوطة.
إذا أردت أن تقبر الفقر إذهب إلى سريلنكا، فالزوجة لك، والثروة لك، وما عليك إلا إتمام الواجبات الزوجية، ولكن ليس على الطريقة العربية، كي لا تفجّر زواجك من اليوم الأول، وفهمك يكفي.
التعليقات