تقول الحكاية أن أحد المشايخ اعترض طريق وزير التربية والتعليم السعودي محمد بن أحمد الرشيد خلال حفلة غنائية للأطفال، وقال له:
ـ اتقِّ الله في هذه الدنيا، فهذا لا يرضي الله.
فما كان من الوزير الشهم المرح الإنسان إلا أن قال:
ـ أنا مسلم مثلي مثلك، وأنت تريدني أن أقطب وجهي ولا أشعر بالفرح.
لا قطّب الله وجهك يا ابن الرشيد لا في هذه الدنيا ولا في الآخرة، لأن ما قلته يرضي بلابل السعودية الصغار، ويرضي أهاليهم، ويرضي الإنسانية، ويرضي الله تعالى، شاء من شاء وأبى من أبى.
لقد حاول شيخنا السعودي، من حيث لا يدري، أن يوهم الوزير بأنه على معرفة تامة بالنوايا الإلهية، وأن الله يطلعه على كل شاردة وواردة، على ما هو حلال، وعلى ما هو حرام، أي أنه، بالمختصر المفيد، يتكلّم مع الله دون وسيط، وبهذا يكون قد سبق جميع الأنبياء والمرسلين، الذين، وللأسف الشديد، كلمهم الله عبر ملائكته، وما على الوزير سوى الإنصياع لرغبته، التي هي، حسب كلام الشيخ، رغبة الله تعالى.
وتقول الحكاية أيضاً أن خمسين شيخاً، غير الناطق باسمه تعالى، قد غادروا القاعة احتجاجاً على تقديم أوبريت غنائية مدتها عشر دقائق فقط، أراد ملائكة السعودية الصغار أن يجمّلوا بها ندوة (الطفولة المبكرة)، وقد حقق الله رغبتهم، وطرد مبغضيهم.
ولا يعتقدن أحد منكم أن هؤلاء المشايخ هم وحدهم الذين يرفضون حضور الحفلات الغنائية، وينسحبون منها، ويحتجون عليها، بل أن بعض الطوائف المسيحيّة المتشددة أيضاً تمنع المنتسبين إليها من حضور حفلات الطرب، كما تمنعهم من التدخين ومن العزف على آلة موسيقية إلاّ ضمن الكنيسة، ومن معاشرة حبيبة قلب شاعرنا الخالد أبي النؤاس: الخمرة. وإذا أجرينا معادلة بسيطة بين ما يمنعه المتشددون من المسلمين والمسيحيين، لوجدنا أن لهم نفس العقلية، ونفس الأهداف، ونفس الممنوعات، ونفس الفتاوى، وكأنهم أبناء طائفة واحدة.
قد يقول قائل: الحمد لله، لقد وحّد التزمت الديني المسلمين والمسيحيين في طائفة واحدة، بعد أن عجزت كتبهم المنزلة عن توحيدهم.. ولهذا يجب علينا أن نمنع العصافير من الزقزقة، والرياح من الصفير، والأمواج من الهدير، والنحل من الرنين، وأغصان الأشجار من التصفيق، وأن نلغي جميع الحفلات الموسيقية، ونكفّر باخ وموزارت وبيتهوفن وتشايكوفسكي أصحاب السمفونيات (الرديئة)، والأخوين رحباني ومحمد عبد الوهاب ومنير بشير وتوفيق الباشا ذوي الرؤوس (الفارغة). وأن نمنع الناس من سماع أغاني (المجرمات) أم كلثوم وفيروز والصبوحة ووردة الجزائرية واسمهان ونور الهدى، مروراً (بالكافرات) نانسي عجرم، أم (النص نص)، وأليسا، ولطيفة، وأصالة، وماجدة الرومي، وانتهاءًً (بأعداء الدين) عبد الحليم حافظ، وفريد الأطرش، ووديع الصافي، وصباح فخري، وناظم الغزالي، وغيرهم وغيرهم.. مخافة أن تتدخل الكمنجات والنايات والسكسفونات والطبلات والدفوف وتدق إسفين التفرقة بين أبناء الطائفة المسيحية المسلمة المتشددة الواحدة.
لم نعد نعرف من يضحك على من.. أهو الله يضحك علينا، أم نحن نضحك على الله، جل جلاله؟ فنسخّره لمصالحنا، ونستنجد به على أعدائنا، ونفتي باسمه مليون فتوى بالدقيقة، ونقتل الكبار والصغار زوداً عن حياض دينه المنزل، أياً كان هذا الدين، حتى أصبح بعض مشايخنا وكهنتنا أفهم من الله بشؤونه وشؤوننا، فراحوا يخيفوننا به، فإذا ضحكنا صاحوا، وإذا غنّينا ناحوا، وإذا توحّدنا استباحوا، فتصدروا هم الوجاهة، ورموا الله في عالم الغيب.. ومحظوظ من يجده منا في زحمة هذا العالم المجنون.
- آخر تحديث :
التعليقات