يرزح لبنان منذ سنوات عديدة تحت نير مشاكل لا حصر لها أهمها مشكلة التخلص من الغرباء اللاشرعيين المستوردين من الخارج بغية العمل في ربوعه الجميلة.
أينما ذهبت، وأينما تطلعت، تجد جحافل من الغرباء يستوطنون الشوارع والساحات ويعملون في شتى الحقول: التبليط، التلييس، التعمير، التزفيت، الزراعة، الحراسة، النهب، التشليح، التهديد، الخطف والاغتصاب إلى آخره.. حتى أن الخادمات الأجنبيات مرفهات في البيوت أكثر من ربات البيوت، وفي بعض الأحيان يتخذهن الازواج عشيقات سريّات، ومن يدري فقد ينجبن لهم البنين والبنات، ويلقّحن العرق اللبناني بأعراق غريبة لا يعلم غير اللـه تعالى كيف ستكون.
ولا يعتقدنّ أحد ما أنني عنصري أو رجعي أو انطوائي، لا سمح اللـه، ولكنني أتطرّق إلى مشكلة أناس تستوردهم شركات تهريب خاصة لتحارب بهم العمال اللبنانيين وترميهم في بطالة قد لا يتخلصون منها إلا إذا تخلّص لبنان من عمّاله الغرباء.
هناك من يقول : لولا هؤلاء العمال لما تمكنّا من إعادة إعمار لبنان. وتناسى القائلون أن هؤلاء العمّال الذين يعمّرون لبنان (بالرخص)، يرمون العائلات اللبنانية في أزمات مادية واجتماعية وعائلية لا حل لها. فكيف نعمّر لبنان وبيوته العائلية تتهدّم؟!..
قد يقول قائل: ولماذا لا يرخّص العمّال اللبنانيون أسعارهم ويضاربون على الغرباء؟ فأقول: لأن العامل الغريب يأتي لوحده وبدون عائلته، أي أنه يأكل ما يقدمه له رب العمل، أو ما يتيّسر بين يديه من مأكولات قد لا تكلّفه شيئاً.. كما أنه ينام في الشوارع والساحات، ينصب خيمته أنّى شاء، لا إيجارات ولا كهرباء ولا غاز ولا مدارس ولا أي شيء. بينما على العامل اللبناني أن يرفع أجره بغية تسديد ثـمن شقته، ودفع أقساط أطفاله المدرسية وتأمين العيش اللائق بعائلته.
اللبناني جائع، خائف ومهجّر في بلاد اللـه بسبب الغرباء.. وكذَّاب من يقول العكس. الحرب انتهت لتبدأ حربٌ من نوع آخر..
لقد أطلقوا علينا في أستراليا إسم جالية، ونحن أيضاً بتنا نطلق على الغرباء المستوردين من الخارج إسم جالية: الجالية السيرلانكية، الجالية الروسيّة، الجالية اليوغسلافية، الجالية الموريتانية إلى آخره، أضف إلى ذلك الجاليات العربية التي لا حصر لها.
مصيبة كبرى أوقعنا بها جشع أصحاب شركات الاستيراد البشري، فمن أجل حفنة من الدولارات يبيعون الوطن وشعبه، ويضربون عرض الحائط بسمعتهم وإنسانيتهم.
ذكرت (انسانيتهم) لأنهم يعاملون المهاجرين المستوردين كما يعامل البعض الحيوانات.. ومحظوظ جداً من يضعه معلمه فوق سطح بيته، ومحظوظة الخادمة التي تلاقي عملاً لحظة وصولها، لأنها قد تبقى أياماً بدون طعام.. فالتاجر الذي استوردها من أجل الربح فقط، لن يصرف عليها دولاراًً واحداً.
أخاف أن يغيّر وديع الصافي ، في يوم من الأيام، كلمات أغنيته الشهيرة:
يا مهاجرين ارجعوا
غالي الوطن غالي
الى كلمات حزينة ويائسة:
يا مهاجرين اهربوا
بالي الوطن بالي
لأن الوطن في ظل شركات الإستيراد البشري، والتنافس المهني، والتضخم السكّاني، سيجبر اللبنانيين على الرحيل إلى عالـم مجهول، قد لا يستقبلهم إلا لمدة محدودة، كما يحدث مع بعض المهاجرين إلى أستراليا وغيرها. عندئذ سيبقى لبنان بأيدي أناس لا ولن ينتسبوا إليه.. لأنهم ليسوا منه ولأنه ليس لهم.. لبنان لأبنائه المقيمين والمغتربين معاً.. هواؤه لهم، مياهه لهم، ترابه لهم، خيراته لهم وفرص عمله لهم أيضاً.. وبئس المال وبئس التجارة وبئس الشركات المشبوهة التي نتمنى لها الإفلاس من كل قلوبنا.
التعليقات