يقولون: ما أنت؟
عثمان العمير
تابِع @OthmanAlomeir على تويتر
تبدأ الأمور صغيرة، ثم تتحول الى كرة نار من الصعب اطفاؤها.
هكذا بدأت فكرة "ايلاف"!
خريف 1998 خرجتُ من "الشرق الأوسط"، وكان الاتجاه طلاقاً بائناً لا رجعة فيه مع الصحافة.
اجراءات الطلاق سهلة، منسابة في نهايتها. أما التفكير فيها فقد نال نصيبا وافرا من سنوات كثيرة، حتى نضجت وصارت قرارا. فجأة وجدت ذهني يدخل نفقا آخر، أو لنقل ايوانا أكبر، وأكثر تسلحاً. انه ايوان مليء بالأرواح والدهاليز، ومخلوقات لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطرت على بشر في زماننا، فما بالك قبل زماننا بأزمان، انه "الانترنت الكوني"... اذ لا يصح أن يطلق عليه اسم غير ذلك، لما فيه من تجاوز لمكونات العقل الأرضي الذي عشناه منذ آلاف السنين، وان شئت منذ ملايين السنين.
كون واسع أبلغ ما يكون الاتساع، وعميق كأعمق ما تتجه اليه القدرات. أفقنا عليه ذات غرة لنجده أمامنا ووراءنا، فوقنا وتحتنا، بل انه يجري فينا مجرى النَفَس،ِ ولم يكن أمامي بد من أن أرى في هذا المجال محاولة جديدة، ومثيرة، مع ما يكتنفها من مغامرات، وجاذبية، ومخاطر لا حدود لها، آخذاً بعين الزعم والافتراض، أن هذا هو قدر الصحافي، ومشجبه الأول والأخير، بل وحائط مبكاه ومئذنة سعادته واجراس رغباته.
هذا القدر هو أن يعود الصحافي الى مرابعه الخضراء دائماً وأبداً، وأن يحن الى ما كان عليه، خاصة اذا كان أمضى عقوداً ثلاثة من الزمن، او يزيد، في هذه المهنة السهلة الممتنعة.
انني افهم، افتراضاً، بعض الناس حين لا يفهمون ذلك الفأر الذي يحرك الصحافي ما دام حياً. حين يغامر، ويقامر، ويتلاعب بأعواد النار، وما يقع أمام ناظريه، وبين يديه.
لكنني لا أفهم، ولا أفترض فهماً واستيعابا،ً عندما يتساءل الصحافيون، أبناء المهنة، أو لا يفهمون ذلك! ثم يصبحون في حالة اعتقال بين غابة من الشكوك.
- لماذا هذا المشروع؟
- ولماذا هذا الرجل؟
- ثم، نحن نعرف هذه الدمية فمن يحركها إذاً؟
لكن، تظل هذه أسئلة مشروعة. كمشروعية البقاء والحياة، على أن أجوبتها مفهومة لمن يقرأ على عجل خارطة التضاريس التي جعلت من الصحافي صحافياً، ومن الاعلام إعلاماً، ومن ظواهر الحياة ظواهر.
أما: لماذا "ايلاف"؟
فلأن كل الدراسات والمؤشرات تؤكد أن عالم الانترنت شكل وسيشكل اتساعاً لا حدود له، في تغيير الصيغة الاعلامية وتحوير الفكر الانساني، وهذا ما رأينا بشائره الآن، مما يؤكد الحاجة الى عمل اعلامي مميز.
اذاً، هي مشروع مستقبلي، يأخذ باعتباره سرعة التواصل والاتصال، ويفترض أنه سيستمر اقتصادياً على المدى الطويل.
أما: ما انت؟ ولماذا أنت؟ وكيف أنت...؟
فلأن الوضع الحاضر يقول أن غالبية أهل المهنة ما زالوا بعيدين عن الاهتمام بالانترنت، اما جهلاً أو تجاهلاً وكسلاً وتكاسلاً، في الوقت الذي تطوع كثيرون، ولهم الشكر، على سد هذه الفجوة، وسارعوا الى مشاريع عديدة، مما يعجل الحاجة الى دمج هذه الحماسة المنقطعة النظير، والمقدرة سلفاً، بما يسمى بالتوابل المهنية حتى يكون المردود قادراً ومعطاءً ومميزاً.
وبديهي انني لا أعتقد ان "ايلاف" سوف تجترح المعجزات، لكنها بهذه الوصفة التي أتطلع اليها، قد تعطي زخماً ودفقاً ومزيداً من سكب التجارب بعضها على بعض، واذا تجاهل الكثيرون من زملاء المهنة، هذا النوع من العمل، فهو في النهاية، فرض كفاية اذا قام به البعض سقط عن الباقين.
على أن هذا البعض الذي يقوم بما يقوم به من جهد في "ايلاف" سيكون هدفه في الأساس ملء فراغ ما في ساحة صحافة الانترنت، آملا ان ينظر الاخرون بمسحة من الاعتزاز الى ما يمكن أن يقدمه.
اذا،ً "ايلاف" مشروع لم يُنشأ بقرار رسمي، ولن يغلق بقرار رسمي.. بل هو مشروع مستقل الارادة والقرار، واستمراره رهن باستمرارية هذه الاستقلالية، التي هي بالضرورة رهن بالاستقلالية المالية، والنجاح الاقتصادي، اذ لا يكفي لاي مشروع صحافي ان يحقق السبق تلو السبق، والخبطة تلو الخبطة، بل يجب ان يضمن ايضا الاعلان تلو الاعلان، ومن دون النجاح التجاري لا يستطيع اي نجاح صحافي ان يستمر، ولذا لن أكون نادماً لو توقفت "ايلاف" لاسباب اقتصادية.. لكنني سأكون نادماً لو خرج هذا المشروع عن الاطار المهني والاخلاقي الذي يجب أن يتمترس فيه.
وهذه، في ظني، هي نقطة الصراع الخطرة التي على "ايلاف" ومحبيها أن يفطنوا لها!
أعود الى نقطة ما أنت؟
أي: ما هي "ايلاف"؟ ايلاف مشروع اعلامي متكامل. تضم فيه الصحيفة بما لها من مداليل واصول وجذوع الى منظومة شقيقاتها الاعلاميات الأخرى. أنها تدمج ذلك الألق الصحافي الذي يجده القارئ في الجريدة، بتلك الانهار الاعلامية التي أصبحت متداخلة بينها وبين نفسها.
لكن، ثمة ملاحظة اساسية هنا، وهي انني لا ادعي ان "ايلاف" تنطلق اليوم مكتملة بلا اية نواقص، فانطلاقنا اليوم هو "تجريبي" يشبه ما جرى العرف صحافيا على اعتباره "العدد صفر". بيد ان الأهم هو اننا لا ندعي ان "ايلاف" ستبلغ الكمال في أي يوم، وذلك لسببين جوهريين:
- اولا، لأنه من الطبيعي ان أي عمل صحافي يطور نفسه يوميا من داخل التجربة...
- وثانيا، لأن الانترنت في مجملها ما تزال عملية غامضة جدا، ليس فقط بالنسبة لأهل المهنة، وانما ايضا لأهل القانون، اذ ليست هناك حتى الآن قوانين انترنتية، اذا جاز التعبير، بل ان الامر يشبه مخاض الثورات، وعلى سبيل المثال كان للثورة الفرنسية تألقها، مثلما كان لها ضحاياها وبشاعاتها... وهكذا الحال في ثورة الانترنت، لها الآن وهجها وتألقها وعلى الاغلب سيكون لها ضحاياها ايضا.
"ايلاف" أداة اعلامية مستقلة تريد نقل التجربة الحديثة في تقديم الخبر والمعلومة، دون حرج وبلا اية حساسيات، لا نسبية، ولا مفرطة في الارتفاع.
"ايلاف" لا تنتمي الى تيار، ولا تعبر عن حزب، ولا تقف مع دولة ضد أخرى.
بل هي نافذة العربي الى العالم، وجسر العالم اليه.
اننا في "ايلاف" نعتقد ان الصحافة شيء والرأي شيء آخر.. فاذا احترمنا الرأي وقدرناه ووضعناه في الاعتبار الذي يستحقه، فان مهنة الصحافي لا قداسة ولا استشهاد ولا مزايدة فيها.. انها، ببساطة، خدمة حضارية لملاح انترنتي يحتاج الى الاشباع.
"ايلاف" ستكون جريدة الجميع والى الجميع، ومن هنا سيكون لها حضورها عبر شبكة من المراسلين المتحركين في ساحات الحدث:
- سياسيا..
- اقتصاديا..
- ثقافيا..
- فنيا..
- موسيقيا..
- رياضيا..
- اجتماعيا..
- علميا..
- طبيا..
- وكذلك على صعيد الخدمات التي ستكون "ايلاف" سباقة في تقديمها، سواء من حيث المضمون او من حيث التفاعل الحي بينها وبين زوارها ومن هنا، مثلا، حرصنا على توفير نافذة للصحة متكاملة ستقدمها "ايلاف" بالتعاون مع الشركة الاوروبية "ايماك" كي تخدم الملاح العربي، والاجنبي عبر وسائل متعددة من الايضاح. كذلك هناك خدمة السيارات التي ستقدمها "ايلاف" بالاشتراك مع أمبا AMPA.
- ويبقى ان اهتمام "ايلاف" بالمستقبل الانترنتي، وحرصها على مواكبة جديد التقنية وثورة الاتصالات، لن يكون على حساب اهتمامها بمجريات الامس، البعيد منه والقريب، بكل ما فيه من اسرار لم تنكشف الغازها بعد، وحكايات لم يفرج عنها رواتها حتى الآن. ومن هنا، ستفاجىْ "ايلاف" عالم الصحافة العربية بمذكرات تقول ما لم يقل من قبل، وكتب تحكي ما لم يحك حتى الآن، وروايات تثير ما تثير من زوابع الاسئلة والتساؤلات...
هكذا أحلم، وأتمنى ان يكون في هذه الكلمات ما يكفي من الايضاح للاخوة الذين سألوا، أو غضبوا، أو فرحوا، أو الذين خافوا منا .. أو علينا. المهم، دعونا انتم نجرب. اما نحن فندعوكم لأن تحكموا بافكاركم وعقولكم قبل عواطفكم... مثلما ندعوكم لأن تقولوا، او تكتبوا، بصراحة كل ما ترون انه يجب ان يقال، ويكتب، عن هذه التجربة.
لندن: 21 مايو (آيار) 2001