القاهرة

فيما فسره المراقبون بضربة مباغتة لجماعة الإخوان المسلمين قبيل أقل من ثلاثة أسابيع من الانتخابات البرلمانية والتي تشهد اهتماماً واسعاً حرمت دار الإفتاء المصرية استخدام الشعارات الدينية في العملية الانتخابية مهما كان مقصدها.
واعتبرت الدار التي يرأسها الدكتور علي جمعة لجوء بعض الأفراد او الجماعات لرفع أي شعارات ذات صبغة دينية بأنه أمر لا يبيحه الشرع.
كما اعتبرت الفتوى التي حملت رقم 75416 اللجوء إلى الاستعانة بالآيات القرآنية بأنه مناقض تماماً لقداسة النص الإلهي، وقالت إن الشخص الذي يستغل الآيات القرآنية في أغراض انتخابية أو دعائية يعرضها للإهانة، وبما يتنافى مع جلالها وقدسيتها، من خلال استخدامها في غير موضعها ولخدمة أغراض شخصية، في محاولة للتأثر على إرادة الناخبين.
وأكدت الفتوى ان توظيف الآيات القرآنية والشعارت المستمدة من نصوص مقدسة في الدعاية الانتخابية واستخدام الشعارات الدينية أمر غير جائز شرعاً ولا يمكن القبول به لكون أصحاب تلك الشعارات يسعون في الأساس من ورائها للعب على مشاعر الأفراد وميولهم الدينية مما يسفر عن حالة من الكذب والنفاق وهو ما يجرمه الإسلام.
وحذرت الفتوى من استخدام الآيات القرآنية والشعارات الدينية في الدعاية الانتخابية، لأن القرآن نص مقدس لا ينبغي أن يدفع به على اللافتات بغرض الصفقات والصراعات بين المرشحين لذا ينبغي الحفاظ على قدسية تلك النصوص الإلهية وتنزيههاعن الأغراض الشخصية والأمور النفعية التي يرجو الشخص من ورائها التربح أيا كان شكل هذا التربح مالا أو نفوذا أو منصبا مرموقاً لأن القرآن الكريم كما وصفه الله تعالى كتاب هداية، فقال 'ويهديهم إلى صراط مستقيم'.
وقالت إن من يستغل الآيات القرآنية في أغراض انتخابية أو دعائية فهو بذلك 'يبتذل الآيات القرآنية نصا ومعنى ويجعلها شأنها شأن كلام البشر الذي قد يصدق أو يكذب، وهذا لا يليق مع كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه' كما أخبر بذلك رب العالمين.
ويرى مراقبون ان الفتوى الأخيرة تمثل وعاء قانونيا وصبغة شرعية على قرار اللجنة العليا للانتخابات الذي يحظر على جميع المرشحين في الانتخابات التشريعية القادمة استخدام الشعارات الدينية في عملية الدعاية الانتخابية، وهو ما يستهدف تحديدًا جماعة 'الإخوان المسلمين' التي ترفض بدورها التخلي عن شعارها: 'الإسلام هو الحل'.
وفي أول نقد علني على الفتوى قال مرشد الإخوان السابق محمد مهدي عاكف إن الجماعة لا تعبأ بأي فتوى صادرة من أي جهة ولو كانت دار الإفتاء المصرية لأنه من المعلوم للجميع أن النظام يقف بالمرصاد ضد جماعة الإخوان المسلمين وقوى المعارضة الحقيقية في الشارع المصري.
أضاف عاكف في تصريحات خاصة لـ'القدس العربي' بأنه ليست المرة الأولى التي تصدر فتاوى من جهات رسمية من أجل تهديد الإخوان والمعارضة وتخويف المواطنين باسم الإسلام.
قال مهدي عاكف: لقد حصلت الجماعة من قبل على أكثر من حكم قضائي من مجلس الدولة يؤكد مشروعية استخدام شعار الإسلام هو الحل في مختلف الانتخابات وذلك على اعتبار أن دين الدولة كما ينص الدستور هو الإسلام كما أن الشريعة الإسلامية هي المادة الرئيسية للتشريع.
غير أن الدكتور ناجح إبراهيم الناطق باسم الجماعة الإسلامية يرى أن الانتخابات في الاساس شأن سياسي لذا فاستخدام الايات القرآنية فيها أمر غير جائز لانه قد يساء استخدامها فإذا ما استدل بها مرشح في إطار أن مقاطعة الانتخابات أمر غير جائز من قبيل قوله جل شأنه (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) فإن آخر قد يستدل بنص آخر عن شهادة الزور وبالتالي فالمسألة شائكة ويميل إبراهيم إلى عدم جواز استخدام الآيات القرآنية في العملية الانتخابية لقدسية النص القرآني وعدم استغلاله في أغراض تنافسية بين المرشحين.. غير أن الناطق بلسان الجماعة الإسلامية يرى أن شعار الإسلام هو الحل من الممكن الأخذ به لكونه شعارا عاما وإن كان البعض يرى فيه خاصة من يتبنى برامج مغايرة أن أصحاب ذلك الشعار ينفون عن منافسيهم التدين أو قد يدفع آخرين لرفع شعارات مناقضة كالاشتراكية هي الحل أو المسيحية.
كانت دار الإفتاء المصرية أصدرت عدة فتاوى بشأن العملية الانتخابية، من بينها الفتوى رقم 10330 التي تنص على ضرورة مشاركة المسلم في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، حتى وإن كان على علم مسبق بأن هذه الانتخابات سيتم تزويرها لصالح أشخاص بعينهم.
وكانت فتوى سابقة لدار الإفتاء التي تحظى بدعم المؤسسة الرسمية وتحمل رقم 85127 قد نصت على عدم مشروعية الاعتراض على الانتخابات المزورة بالقوة، حيث أكدت أن الاعتراض على الفساد والباطل لا يكون بالخروج على قوانين الدولة واستقرارها وزعزعة أمنها، وإنما يكون من خلال القنوات المشروعة والتي تتمثل فى القضاء الذي يفصل بين المتنازعين لان العنف إذا لجأ له طرف ولو كان بغرض النهي عن المنكر سيسفر عن فوضى قد تؤدي في النهاية إلى تدمير المجتمع وترويع الآمنين.
وأكدت أن المشاركة في الانتخابات شهادة ويجب على المسلم عدم كتمانها لقوله تعالى 'ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم' [البقرة: 283]. وقوله 'ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون' [البقرة: 140]، وأضافت الفتوى إن هذا الأمر يعد أمانة يجب على كل مسلم أداؤها، ومن الأمانة أن يختار المسلمون الصالح لهم.
جدير بالذكر أن دار الإفتاء رفضت إبداء الحكم الشرعي والرد على السؤال الذي حمل رقم 211476 حول مشروعية كشف التزوير في الانتخابات لوسائل الإعلام الخارجية، كما رفضت الإجابة عن السؤال رقم 299307 الذي يطلب فيه صاحبه الحكم الشرعي حول من مات أثناء مناصرة مرشح أو فصيل بعينه او اعترض على تزوير الانتخابات وهل يعد في نظر الشرع شهيداً أم لا.