قررت ان أكتب عن الأخلاق والجنس كمساهمة متواضعة في تخفيف حدة المعاناة والأزمة الوجودية التي عانى وما يزال يعاني منها كل عربي اضطرته ظروف الحياة الى العيش في الغرب.
ذلك أنني اعتقد ان عندي ما أقوله استناداً الى تجربة طويلة من الإحتكاك بالغربيين (أوروبيين وكنديين) لمدة تزيد على ثلاثين عاما. والتجربة التي مررت بها كانت متعددة الوجوه، بدأت عندما كنت في التاسعة عشرة من العمر حين سافرت للدراسة في إحدى بلدان اوربا الشرقية (التي لا تختلف حضارياً عن اوروبا الغربية)، ثم تابعت الدراسة العليا في فرنسا قبل ان أستقر وبشكل نهائي في كندا.
كنت مثل زملائي مثقلا بأحمال ثقافية واجتماعية ودينية كلّها يقين وثوابت لا يدخلها الشك من أمامها او من خلفها، بالإضافة الى عقدة التفوّق على الآخرين استناداً على أننا أصحاب حضارة عظيمة حافلة بالبطولات والأمجاد، جعلت منا قادة الدنيا ومن أمتنا خير أمة أخرجت للناس.
كنا نعتقد بأن المرأة العربية خلقت من طينة مختلفة كلياً عن طينة المرأة الغربية. هي عذراء محصنّة قبل الزواج وأم حنون وزوجة مطيعة مخلصة بعده.
تصوّروا الصدمة مع عالم ديكارتي، قائم على الشك والتمحيص وتحكيم العقل والتجربة، ومع إمرأة متحررة تعمل وتخوض تجارب عاطفية وجنسية قبل الزواج دون ان يتهمها احد بشرفها وعرضها. إمرأة كهذه كانت بالنسبة الينا صيداً سهلاً لكل من رغب فيها طالما انه لم يعد عندها ما تخاف عليه في اليوم الذي فقدت فيه غشاء البكارة. والمفاجأة الكبرى كانت حين التقيت بأمهات عازبات لو كنّ في بلادنا لذبحن كالنعاج!
الصدمة قاسية وعنيفة لشاب تربّى على أن هناك لونان فقط، الأسود والأبيض، وأن الخير كل الخير هنا والشر كل الشر هناك، ناهيك عن أن جهلنا بالمرأة ونفسيتها كان مطلقا. تجاربنا في الحب اقتصرت على نوع من الحب العذري الخيالي الذي كنّا نغذيه بالأحلام وقت خروج الطالبات من المدارس الثانوية.
صدمة احتكاك الشاب العربي بالمرأة الأوروبية التي عبّر عنها الادب العربي الحديث في (الحي اللاتيني) ليوسف ادريس و(عصفور من الشرق) لتوفيق الحكيم وبشكل أكثر عنفاً في (موسم الهجرةالى الشمال) للطيب صالح عشتها مع الوقت، وبعد خيبات أمل وأزمات بدأنا ندرك بأن هؤلاء الناس، على الرغم من اختلاف التربية والعادات والدين والسلوك الجنسي، يشبهوننا كثيراً ويشاركوننا في جميع القيم الاخلاقية التي تميز الإنسان عن بقية المخلوقات. نعم، عانيت وعانى غيري كثيراً قبل أن أدرك أن الصدق والأمانة وحسن المعاملة واحترام الإنسان وكرامته ومساعدة الضعيف والعاجز ورعاية الطفل هي وحدها التي تشكل اساس السلوك الإنساني الاخلاقي المشترك.
هذه القيم ثابتة لا تتغير ولا تتبدل بحكم الزمان والمكان. وجميع الديانات السماوية والوضعية والقوانين والأعراف تؤكد وتحضّ عليها. وهي التي تسمح للإنسان أن يعيش بأمان وسلام في أي مكان على سطح الأرض وأن يختلط بشعوب أخرى وأن يجعل من إمرأة أجنبية زوجة صالحة له وأماً لأولاده.
وأؤكد هنا أنه لا توجد أخلاق عربية وأخلاق كندية وأخلاق هندية، ولم أجد عبارة مثل أخلاق كندية او أخلاق فرنسية في أي نص او في أي قاموس. العرب هم الوحيدون الذي يتباهون بأخلاق عربية نلصق بها مجموعة من القيم الأخلاقية والعادات والتقاليد والسلوك الجنسي.
كان علينا ان نخوض تجارب قاسية ومؤلمة حتى نفهم بأن السلوك الجنسي في أي مجتمع له علاقة بالظروف المادية والمناخية ونمط الحياة ودرجة تطور المجتمع وسن الزواج. وأنه، على عكس ما تعلمناه، ليس قيمة بحد ذاته وليس ثابتا وإنما يدخل في المعادلة الكونية، مثله مثل العادات والتقاليد، ضمن المتحولات التي لا تستقيم معادلة بدونها.
ومع أن الديانات وضعت قواعد على ممارسة الجنس ووضع بعضها عقوبات على الإخلال بها، إلا أنها لم تتمكن (أو حتى لم تشأ) أن تفرض سلوكاً جنسياً واحداً على أتباعها،ان المسيحي العربي يتصرّف في أمور الجنس وقضايا العرض والشرف بطريقة مختلفة تماما عن المسيحي الفرنسي. والمسلم العربي في المشرق لا يتصرّف بهذه الأمور على طريقة المسلم العربي في المغرب مثلا، حيث جرائم الشرف غير معروفة وحيث اخترعوا، من أجل حماية الأرملة التي تلد بعد سنوات من وفاة زوجها اسطورة الراقد. ومختصرها ان صدمة وفاة الاب قد تؤخر نمو الجنين لسنوات! ومن المعروف ان (الديانات السماوية) لم تغيّر شيئاً من السلوك الجنسي لشعوب افريقيا السوداء وأندونيسيا.
في بلادنا، استخدمنا الدين لقمع المرأة بينما الرجل يسرح ويمرح ويعبث كما يشاء، لأن تطبيق حدود الدين بشكل او بآخر يخضع لموازين القوى الإجتماعية والإقتصادية وليس لمجرد إطاعة الخالق والتقرّب منه.
لقد وضعنا هذا الخلط بين القيم الأخلاقية والسلوك الجنسي من مأزق داخل مجتمعاتنا، حيث مازلنا نمنع شبابنا وبناتنا من إشباع رغباتهم العاطفية والجنسية في الوقت الذي حددته الطبيعة نفسها. بإسم ماذا؟ بإسم عادات وتقاليد ورثناها عن عهود الإٌقطاع حيث كان الفرق معدوماً بين النضوج الجسدي والنضوج الإجتماعي!
كل واحد منا يدرك في أعماقه ان هذا غير ممكن، وكل واحد منا يعاني من المشكلة ويخاف من مواجهتها بصدق وأمانة. التهرّب من مواجهة المشاكل أصبح عادة راسخة في سلوك الإنسان العربي وفي جميع المجالات. وكما اعتدنا ان نتنصل من مسؤولية هزائمنا وقصورنا وتخلّفنا ونضع كل ذلك على عاتق الغرب والصهيونية والقضاء والقدر. كذلك نتهرب من مواجهة المشاكل العاطفية والجنسية ونحمّل تبعتها على الفساد المستشري في الغرب والذي نحتك به يومياً في المهجر او يأتينا كالفيروسات عن طريق الهوائيات والإنترنيت.
وبينما نخفي رؤوسنا في الرمال، تغتني مجموعة من المختصين والمنتشرين في جميع العواصم العربية دون استثناء في ترقيع غشاء البكارة. وبدلاً من أن يلّبي الشاب والفتاة عندنا رغباتهم العاطفية والجسدية عن طريق علاقات سليمة معلنة على رؤوس الأشهاد (يمكن حتى اعتبارها نوعاً من الزواج المؤقت الذي كثيراً ما يؤدي الى زواج دائم)، ندفعهم لممارسات في الخفاء كثيراً ما تكون مؤذية للنفس والجسد