أخيراً أن تحركت كاميرات المصورين عن حمامات الدم التي ابتلي بها العراق منذ حوالي السنتين، لتتوجه إلى لبنان لتغطي أخبار أول انتفاضة سلمية في الوطن العربي! ثم تحركت مرة أخرى في اتجاه معاكس ليس فيه من العرب شيء لا فاعلاً و لا مفعولاً. لقد توجهت أنظار الجميع نحو سيدة، ولم يكن شعور الغاليبة حيادياَ تجاهها.

هذه المرة لم تكن من استحوذت اهتمام المسلمين واستحقت لعناتهم فنانة عربية كسرت الحدود في التمثيل أو الغناء أو الرقص، ليراقبها معظمهم سراً ويحذر المؤمنين من مصيرها البائس و نار جهنم جهراً! ولم تكن كاتبة غربية أو مخرجة سينمائية شتمت الاسلام أو واتهمت أصحابه بالارهاب، ليصدروا فتوى بإهدار دمها لانها اتهمت الاسلام من غير حق بما هو بريء منه.

بل إنها على العكس من ذلك تماماً سيدة مسلمة تشغل مركز أستاذ الدراسات الاسلامية بجامعة كومنولث، ولانها مسلمة يصعب اتهامها بالتآمر على الاسلام ولانها تشغل المنصب المذكور لا يمكنها أن تكون جاهلة بتعاليم الشرع.

لن أناقش هذه القضية من منظور إباحة أو رفض ما قامت به، فهذا من اختصاص العلماء، ومن جهته أقر مجمع الفقه الاسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الاسلامي أن ما قامت به الدكتورة أمينة ودود بدعة مضلة.

يهتم الجمهور بما تنقله وسائل الاعلام من أخبار بالرغم من ثقته أن الاخبار المنشورة لا تنتقى حسب معيار الاهمية بل حسب معايير أخرى لكن لا مناص له من مراقبة أو قراءة ما يعتقده الاقرب الى الصواب، و بدورها تهتم وسائل الاعلام باستجابات الجمهور لما تبثه أو تنشره، و مع تقدم وسائل الاتصال بات من المتاح التعبير عن الرأي الشخصي فيما يُقرَأ أو يُشاهد وتستخدمه كمعيار لتحديد ما يجذب وما ينفر المشاهدين فهو بمثابة تغذية راجعة لتقييم أداءها. وتتميز هنا المواقع الالكترونية بين وسائل الاعلام الاخرى بسرعة وسعة استقبال رسائل الجمهور، حتى تكاد تنعدم الفواصل الزمنية بين الارسال و الاستقبال و النشر لعدد وافر من ردود القراء.

وفي خبر السيدة التي اقتحمت مهنة احتكرها الرجال لعصور طويلة، ما كان لهذا التعدي أن يمر بسلام بل استنهض همم العرب النائمة منذ، دهور ليتعاونوا ويتضافروا في الجهاد لتفنيد ما قامت به الاستاذة وتبيان بطلانه وأرسلوا مساهماتهم بما يعتقدونه الأصح إلى وسائل الاعلام الناطقة بصوتهم..

بالاطلاع على ردود القراء في موقعين الكترونيين لمحطتين تحظيا بمتابعة المشاهدين العرب وهما القسم العربي في ال ب ب سي ومحطة العربية. وهاتان المحطتان لم تحسبا يوماً على التيار الاسلامي سيذهل القارئ من الردود المكتوبة التي وصل الانسجام بينها إلى حد التطابق

خمس تعليقات من أصل سبعين تعليقاً على الخبر كما ورد في محطة العربية، تضمنت الموافقة على أمامة الانثى للذكور، أي أن النسبة المئوية للموافقين أقل من ثمانية في المائة و يمكن اعتبار هذه النسبة منطقية في مجتمع إسلامي لو اكتفى الرافضون بشجب ما حدث واعتباره مخالف للشريعة وبطلان صلاة الامام والمأموم بناءً على ذلك.

فقد أخذت الحمية بالبعض حتى أصدر فتوى بإهدار دمها، وكأنه يتكلم عن ذبح دجاجة لا عن إنسان له الحق في ممارسة ما يشاء في إطار القانون، وبرر البعض رفضه بمرض المرأة وحيضها ونفاسها، متناسياً أن مرض الامام وبالتالي غيابه، يعوضه وجود إمام آخر. وهذا البديل ـ أو تلك البديلة ـ يمكن إيجاده بنفس السهولة في حالة مرض الامام أو الامامة.أما المؤلم بحق فهو انشغال ستة من المستنكرين لهذا العمل الشائن بالرد على الرجلين الذين أعلنا صراحة تأييدهما لما قامت به الدكتورة واعتبراه جزءاً من تطوير الاسلام. أي أن القراء لم يكتفوا بإرسال آراءهم الرافضة لإمامة المرأة ودعم أقوالهم بأحاديث من السنة أو بالمنطق؛ بل تفرغوا لذم من خالفهم. ولنا أن نتوقع نتيجة استطلاع علني للرأي بخصوص مسألة خلافية في البلاد العربية، ومن يجسر فيها أن يقول نعم عندما تقول الغالبية لا

أما في ال ب ب سي فزادت نسبة الموافقين لتبلغ سبعة عشر في المائة، وهذه الزيادة هي نتيجة متوقعة لان قراءها يتمتعون بمرونة أكثر باعتبار الكثيرين منهم من سكان الدول الغربية، و بحكم اطلاعهم على أسلوبها الاخباري الذي لا يتوقف كثيراً أمام الضوابط التي تحكم القنوات العربية إنما يعترضها معايير أخرى لا تضير الكثير من المشاهدين العرب. لكن هذه الزيادة كانت بسيطة ولا تحمل دلالة

كل دين يحمل من الاوامر والنواهي ما يثقل كاهل معتنقيه، لكن يلتزم بها معظم أفراده لانهم ببساطة يفقدون شعورهم بالانتماء حال مخالفتهم لها. عندما يلبس رجل الدين ثوب العقل لتبرير تلك الأوامر والنواهي يدرك كل ذي عقل أن هذا الثوب واسع أو ضيق أوببساطة غير لائق.