فارس احلام على متن طائرة..
" عريس الصيف " وحكايات القسمة والنصيب

أميرة حمادة : شكلت الحالة الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها المجتمع اللبناني دافعا قويا للشباب للبحث عن وسيلة ناجعة لمجابهتا ، فكانت بوابة المطار وحقيبة السفر بمثابة مفتاح الفرج . وقلما نجد بيتا واحدا في هذا البلد الصغير لا سضم مهاجرا أو أكثر. ومن الطبيعي أن يغلب على فئة المسافرين الصبغة الأحادية كوننا لا زلنا نعيش في مجتمع شرقي . فمعظم المهاجرين هم من الشبان ما خلق تغيرا ديمغرافيا أدى إلى مشاكل إجتماعية عديدة لعل أبرزها إرتفاع نسبة العنوسة بين الفتيات وتأخر سن زواج الشباب لانشغالهم بتأمين مستقبلهم . ويشكل الخليج العربي المستودع الأكبر الذي يلجأ إليه الشباب ، لتبدأ معهم رحلة الشقاء والوحدة الممزوجة بنار الغربة ، مما يولد بداخلهم شعورا بالحاجة الماسة للشريك ، وهنا تبدأ القصة ، قصة البحث عن الأخر .

عروس اخر لحظة

يمضي الشاب عادةعام في الخارج مقابل شهر إجازة يعود خلاله الى بلده إما للترفيه عن نفسه او للبحث عن عروس ،فلا يكاد يصل تى يوكل والدته بمهمة البحث عن فتاة "ادمية وست بيت" . لاتحتاج الام الى كثير من الوقت كي تعد له قائمة بأسماء فتيات من الضيعة نفسها. فيسأل ويتقصى عن كل واحدة وإذا كان قد تجاوز الثلاثين يميل الى وضع العلل والعوائق في الفتاة المسكينة ويصبح" نيقة" أما أذا كان أصغر من ذلك فعملية الانتقاء غاليا ماتكون أسهل وأسلس . الخطوة الاولى انتهت ولا بد من الانتقال الى الخطوة الثانية قبل انقضاء الشهر، الان عليه مراقبة الفتيات واختيار التي تعجبه. وغالبا لا تغمز السنارة الا في الاسبوع الاخير من الاجازة، كما هي حال عماد( 31 عاما) الذي سافر الى السعودية منذ عامين والذي يأتي الى قريته كل عام للترفيه. هذا العام اصرت والدته واقربائه على اختيار عروس مناسبة له، القائمة كانت جاهزة والقرار.فهو قرار مصيري لا يحتمل المخاطرة فالصفة الاهم حاليا هي ان تكون " ادمية ومتعلمة وست بيت". وهكذا اخذ يتردد الى منزل أحد اقربائه بغية التقرب من إبنته التي تنطبق عليها المواصفات المطلوبة.فتم "النصيب" قبل 3 ايام من سفره.فحصل على موافقتها وموافقة اهلها على أن يعود في أقرب " إجازة " له ليتقدم لخطبتها رسميا.

اختارتها امه

أن كان عماد قد اختار عماد عروسه بنفسه واستعان ببعض الاقارب ، لكن السيناريو لا ينطبق على الجميع . فنجيب الذي (34 عاما) يقطن في دبي منذ حوالي سبعة اعوام قرر انه اصبح جاهزا للزواج خصوصا بعد إستقرار أوضاعه المادية . فأرسل والدتهفي مهمة البحث عن عروس .. وعليه تعاين الام الفتاة فإن اعجبتها يتقدم لخطبيتها وإن لم تعجبها يصرف النظر عنها . فالعريس المستقبلي مشغول في بناء منزل على مقربة من منزل والديه وبالتالي لا يملك متسعمن الوقت للبحث بنفسه عن عروسه ، فأوكل المهمة لامه التي تسال هذه وتلك من النسوة عن بنت فلان ، فاذا سمعت ما يرضيها تذهب لمعاينتها عن كثب .. طريقة كلامها ومشيها وشكلها وحتى طريقتها في تقديم القهوة . وهكذا تعود بالمحصلة الى أبنها ، فاذا كانت جيدة لا تكف عن الكلام لاقناعه واذا لم تعجبها فالويل لها .ما زال امامه اسبوع ولم تحظى والدته بعروس "على المقاس " ، لعل نجيب سينتظر عام اخر قبل ان يلتقي بعروس تناسبه وتناسب والدته .

عروس داخل محل للالبسة

يعتبر الشاب محظوظا غذا تعرف على فتاة وأعجب بها خلال شهر إجازته ، فـ علي( 29 عاما) الذي يعمل في السعودية منذ 3 اعوام ترك امر زواجه للصدفة. والدته تبحث له عن عروس وفقا للمواصفات التي حددها مسبقا وإن كان لا يولي الموضوع اهمية كبيرة حاليا .
صدفة دفعته الى دخول محل للالبسة يملكه بعض اقاربه بهدف الدردشة ، فإذ "بنصيبه" يدخل اليه. فأعجب بفتاة دخلت المحل لتشتري بعض الالبسة، وعليه تحركت العائلة للسؤال عن الفتاة وأخلاقها لتتم بعدها الخطوبة.

خطوبة من دون عريس

والاكثر غرابة من هذه القصص جميعا هي خطوبة بلا عريس . فـ ربيع(34عاما) الذي يعمل السعودية على عرفة بجميع فتيات الضيعة رغم سفره الذي دام سنتين . وخلال إجازته الأخيرة حاولت والدته قدر المستطاع " تزويجه " بإحداهن لكن الرفض كان بالمرصاد . وشاءت الصدف وفي اليوم الأخير قبل سفره أن إلتقى بحبه القديم . وعلى الرغم من " طبيعية " اللقاء لكنه عاد الى غربته حاملا معه صورتها التي أبت ان تفارق مخيلته . ولم يمض على سفره اسبوع حتى اتصل بأهله وطلب منهم التقدم لخطبتها .

تماما كما في الأفلام..

لا تسير الأمور دائما بهذا الشكل فهناك بعض حالات الحب الصادقة التي تجتاز كل الصعاب والمسافات لتنتهي بإطار الرباط الطبيعي بين الحبيبين . فأحيانا لا يعود الشاب المسافر للبحث عن شريكته فبعضهم قد دفعه أصلا حبه للرحيل والبحث عن بضعة ليرات ليحقق " حلمه" و "حلمها". بالرغم من ندرة هذا الأمر إلا انه حدث فعلا مع "احمد" و "هلا " الذين عاشا فصول قصة حب جميلة قبل أن تدفعهما الظروف المادية إلى الإبتعاد عن بعضهما البعض ، إذ إضطر" أحمد" لولوج بوابة السفر بغية تحسين وضعه وتأمين مستقبله، ليعود هذا الصيف ويتقدم إلى محبوبته.. وعاد " العريس" بعدها من جديد الى صحراء غربته ليكمل مشوار كفاحه ، وليعش مع احلامه وهمسات حبيبته المتدفقة اليه عبر سماعة التلفون . وها هما يعدان الأشهر والأيام ليعود في الصيف القادم ويحقق حلمه ويتزوج محبوبته.

وللفتاة موقفها

ن هذه الطريقة في الزواج تجابه عادة بالرفض من قبل الكثيرات ما يجعل مهمة الشاب أكثر صعوبة .فالمطلوب هو توطيد المعرفة أولا بالشاب ثم الغرق في قصة حب وبعدها التقدم رسميا من أهلها . فهن كما يرددن دائما لسن للفرجة او للبيع فمن يريد التقدم لهن عليه يقوم بذلك بعد تعرفه على الفتاة وأن يستأذنها قبل التقدم رسميا كي يجنب نفسه موقفا محرجا . لكن الوضع ليس بالسهولة التي يبدو عليه فمعظم العائلات في القرى والجبل لا تسمح للفتاة بمعاشرة الشاب قبل الخطوبة لان السمعة السيئة ، وفقا لقناعاتهم ، ستلحق بها. ورغم رفض الفتيات مبدأ الزواج على " الدلة " انما يرضخن في النهاية للامر الواقع. الامر الذي ينطبق على عدد من الشبان الذين يرفضون هذه الطريقة للزواج ولكن ما باليد حيلة والوضع على ما هو عليه .

مخاوف الشباب

تبرز عدة مخاوف نتيجة هذه الطريقة في الزواج لاسباب عدة. فكلا الطرفين يجهلان طبيعة الاخر والاسوء في العملية برمتها هو سفر الشاب مباشرة مع إتمام الخطوبة ما يحد من القدرة على التعارف والتقارب . وان كانت الوسيلة الاسلم لنجاح الزواج هي الاحتكاك المباشر بين الشريكين لمعرفة خفايا الاخر واكتشاف امكانية التاقلم اوعدمه ، فإن البعد فرض والهاتف كوسيلة اخرى للتعارف وان كان لا يحقق الغاية المنشودة . لكنه وامام انعدام اي حلول اخرى يبقى كطوق للنجاة.

انتهت الاجازة السنوية ورحل عريس الصيف ، البعض مكسور الخاطر والبعض الاخر فرح . لكن الفرح نفسه محفوف بعديد من المخاطر فما هو مستقبل هذه العلاقة الجدية التي ولدت في غضون ايام او اسابيع .. الجواب تحمله الايام والاشهر القادمة .
وبعيدا عن صحة هذه المقاربات للزواج او عدمها ، فإنها تبدو الحل الوحيد لهؤلاء الشبان الذي هاجروا من بلد لا يؤمن لهم الحد الادنى المطلوب لحياةعادية .أزمة تؤدي الى اخرى .. الهجرة ، الزواج بسرعة والخاتمة تتارجح بين النجاح او الطلاق . أزمة يعاني منها معظم الشباب اللبناني ، قلة قليلة ظفرت بوظيفة تمكنها من تامين الحد الادنى من المتطلبات والبعض الاخر بقى مكرها ومن حالفه الحظ تمكن من السفر فلم يجد أمامه إلا تذكرة السفر سبيلا، وبوابة المطارمنفذا وحيدا، والغربة شريكا وفيا.