إيلاف: "كل شيء مسموح في الحرب والحب "..من أكثر المقولات تداولا ، لكن ما صحة أو "منطقية" الربط بيننهما . فالحب كما هو معروف النقيض للحرب وما تتضمنه من قتل وعنف .. " مارس الحب لا الحرب make love not war" . الا ان الربط بين الحب والحرب لا يتعلق بمفهوم الفعلين، وإنما يتمحور حول الوسائل المباحة في الحالتين من أجل تحقيق الهدف المنشود .فالفوز هو الغاية وعليه لا يتم منح التقدير لمن قرر الخوض بحرب ما وخسرها على الرغم من الخبرة الكبيرة التي كسبها من تجربته النتيجة هي الاهم ، كذلك الحب وإن كانت أهدافه أكثر تعقيدا من الحرب _ فالتجربة لمجرد التجربة في كلتا الحالتين تعني الفشل.
الهدف من الحرب واضح أما هدف الحب فأكثر تعقيدا و يختلف من شخص لآخر على الرغم من الخاتمة التقليدية المتوقعة وهي الزواج ، لكن وكما هو معروف الحب يحمل العديد من المفاجآت .
.. الحب فعل وجد من وجود متبنيه ، وبالتالي من المستحيل تعميم قواعد ثابتة تحدده أو تعرفه إذ انه ينبع من شخصية الأطراف المعنية .. والشخصية وما تتقبله وما ترفضه أمر نسبي يختلف بإستمرار على الرغم من تأطير الحب بخطوط عريضة حددها المجتمع والتجارب السابقة . وبين الحب والحرب قصة غير مألوفة .

الحب والحرب

. خلافا للحب والذي يعتبر البعض أن النظريات تخنقه وتفقده جوهره وجماليته ، لا يمكن الحديث عن الحرب من دون التطرق إلى النظريات والخطط المحكمة . إلا أن الواقع يشير أن الحب وعلى الرغم من "خرقه" لمعظم النظريات التي قد طرح فعل قائم نتيجة لتخطيط مسبق من أجل تحقيق هدف ما منشود .

فالحب لمجرد الحب من دون أي غاية تذكر شعور غير واقعي روجته القصص الرومانسية .. والمقصود بالحب هنا ليس فقط الحب بين الرجل والمرأة بل الحب بجميع أشكاله . فالأم تحب أطفالها لغاية ما والصديق يحب صديقه لغاية ما ، والغاية ليست بالضرورة ضربا من ضروب الإستغلال . فالغاية قد تكون حاجة إلى العاطفة ،أو تلبية لنداء الأمومة أوتفاديا لوحدة ما ، غايات بيولوجية أو عاطفية طبيعية وأي إنكار لوجودها غير منطقي .
تعددت محاولات تعريف الحب وتنوعت ، أما تعريف الحرب فواحد وإن كانت أسبابها تختلف . وبالتالي فإن تعقيدات الحب تبدو مبررة مقارنة ببساطة الحرب .
منذ البداية إرتبط تفسير الحب بالتوجهات الفلسفية والآراء التي كانت سائدة حوله في مختلف الحضارات. فكان لدى اليونانيين القدماء نمط من الحب يعرفونه بإسم (إيروس)، وهو الحب الجسدي الخليع.ويفسر أفلاطون هذه العاطفة من وجهة نظر فلسفية وينقلها إلى الجانب الروحي. أما سقراط فإنه يرى الحب على أنه جني عظيم أو روح كبير يحتل منزلة وسطى بين الآلهة والبشر، فهو ليس خالدا ولا فانيا، وهو ليس حكيما ولا جاهلا.
والنمط الآخر هو الرومانطيقي الخالص المقترح بالآلام والحزن واليأس. وكان القدماء يعرفون نمطا آخر من الحب وهو (الأجابيه) الذي يقوم على علاقة عاطفية متبادلة. ومن هذا النمط برزت تلك العاطفة التي تحلى بها القديسون والصوفيون الذين وجهوا مشاعر حبهم للخالق وحده لكونه الهدف الأعلى في نظرهم.
وعرف اليونانيون القدماء نوعا آخر أطلقوا عليه (فيليا) أو عاطفة الصداقة. وقد خصص العشرات من المؤلفين العرب في القرون الوسطى رسائل وكتبا كاملة لموضوع الحب والعشق فعالجوه من وجهات نظر مختلفة، انطلاقا من تكوينهم الثقافي واعتقاداتهم. وكان الجاحظ واحدا من أهم الكتاب الذين تناولوا هذا الموضوع قد حلل مفهوم الحب والعشق من وجهة نظر عقلانية وعارض فكرة المتعة واللذة..اما الغزالي فدرس في مؤلفه آداب النكاح وكسر الشهوتين عاطفة الحب والعشق، منتقدا إياها ومعتبرا لها خروجا عن طريق الصواب.وقد قال في صدد إمكان تحول الشهوة إلى عشق فذل فعبودية.
في المقابل لا توجد أنواع مختلفة من الحروب ، فالروب واحدة ومقوماتها وعتادها وطرق تنفيذها معروفة .لكن المعضلة التي قد تبرز هي الدوافع المسيرة للعناصر البشرية التي تخوض هذه الحروب ..فالعناصر التي تقتل تحب أيضا ، تناقض يشبه الى حد ما مقولة مارس الحب لا الحرب ..


دوافع الحب .. وغنائم الحرب

لطالما تم إستعمال الحب "كمزين" للحروب ، فلا تخلو قصة ما أو فيلم يتناول موضوع الحرب إلا وتكون عماده قصة حب . وهو مزج منطقي إلى حد ما ، فهذا الذي خلق الحرب قادر على خلق حالة الحب ..فلنقم بمقارنة بسيطة بين خطوات إفتراضية " لشن حرب أو الوقوع في الحب .

. يقرر رئيس دولة غزو دولة أخرى لأنه يطمع في المياه او البترول ، من جهته يقرر شاب ما الفوز باعجاب فتاة ما لانه يطمع بعاطفتها او جسدها او مالها او صحبتها او لانه وببساطة يشعر بالملل .
تبدأ الدولة بدراسة قدرات الدولة الاخرى عسكريا مع ابحاث معمقة حول جغرافية المنطقة والطرق الافضل لمهاجمتها بأقل خسائر ممكنة .
..يقوم الشاب بالتحري عن الفتاة وسبل التقرب منها عبر صديقة او التواجد في اماكن تواجدها والاهم معرفة ان كانت "عزباء " كي لا تضيع جهوده سدى .

تشرع الدولة بمناوراتها ووضع اللمسات الاخيرة على خططها التي باتت شبه كاملة . ومع الوعي الكامل لاحتمال برزو اي مفاجأة، تقرر الدولة الهجوم .

يجمع الشاب المعلومات كاملة ، ويقرر القيام بالخطوة الاولى . فهي متوفرة .. وتمكن من سرقة بضع نظرات منها والحصول على اعجابها في مناسبات عدة .
قد تقرر الدولة القيام بهجوم مباغت وقد تهاجم بعد جملة من التهديدات.فتوزع قواتها على جبهات مختلفة أو على جبهة واحدة . المهمة الاكثر صعوبة الان هي خرق الدفاعات ،وبعد ذلك يصبح الغزو اكثر سهولة .
يتقدم الشاب بكل ثقة وشجاعة مبديا إعجابه بالفتاة ، فيناور ويظهر بصورة الرجل الحلم من أجل "كسر" حاجز الخوف لديها .فتلين وتسعد بإعجابه ، وتبدأ اللقاءات .
تخترق الدولة الدفعات و تبدأ بالسير قدما بإتجاه العاصمة .. ومتى سقطت العاصمة سقطت الدولة برمتها .
تتسارع وتيرة الاحداث بين الحبيبين ، وتلتهب مشاعرهما . فمن تشابك الايادي الى قبلة ثم قبلتين فثلاثة .. ويبدأ الهجوم بإتجاه " عاصمة الفتاة " .. ومتى سقطت العاصمة تحقق الهدف . والعاصمة هنا قد تتخذ اشكال عدة ، اما الجنس او الزواج .
تصل الدولة الى العاصمة وتشتعل حرب ضروس ، قد تسقط العاصمة وقد لا تسقط . قد تربح الدولة الغازية وقد تتراجع قواتها بعد خسائر فادحة حلت بها .الامر نفسه ينطبق على الشاب ، فإما يظفر بما ناور من اجله واما تنبذه الفتاة وتتخلى عنه .
ونجاح الحرب او الحب يعتمد وبالدرجة الاولى على تخطيط دقيق لقدرات الطرف الاخر فإن لم تعرف عدوك او حبيبك جيدا يكون الفشل من نصيبك .

الحب و العنف

تعددت النظريات وإختلفت المقاربات التي حاول علماء الاجتماع تفسير الحب بشكله الطبيعي او المنحرف الامر الذي ينطبق على الحرب أيضا . فالحرب قد تكون نظيفة وتقتصر على "خسائر الحرب" المتعارف عليها وقد تتخذ اشكالا اخرى كالمجازر الابادة والتنكيل بالشعوب ، من جهته قد ينحرف الحب عن مساره الطبيعي ويتحول الى عنف أو حب محرم .
للوهلة الاولى يبدو الحب اسمى من ان يكون السبب وراء العنف او القتل او سوء المعاملة ، لكنه كذلك . فالدافع الاول للحرب هو الحب .. حب الجندي لبلده وشعوره بالولاء لها وبالتالي إستعداده الفكري والعاطفي لخوض اي حرب من اجلها .
اما في "العلاقات" ،قد لا يكون الحب المسبب الاساسي للعنف لكنه يلعب دورا اساسيا في تنميته ، فمنه تولد الغيرة وحب التملك والشك .وتبدأ اسوء العقد النفسية بالظهور تحت شعار الحب والنتيجة اذى نفسي وجسدي للطرف الاخر .وهنا يكمن الاختلاف بين الحب والحرب ، فالحب قد يولد العنف ، اما العنف اي الحرب فلا تؤدي باي شكل من الاشكال الى الحب .
وما يجمع بين الحب والحرب هو انهما يؤديان الى ظهور اسوء او افضل جوانب من شخصيات المشاركين فيها ،فقد يكتشف الجندي المسالم سابقا جانب عنيف من شخصيته ويبدأ بالتصرف وفقا للاحداثيات الجديدة التي طرأت على شخصيته والعكس صحيح ، فالمواطن العنيف قد يجد نفسه مسالما غير معني بكل القتل والدماء التي تهدر من حوله . كذلك الحب ، فهذا اللعوب او العنيف بطبعه قد "يروض" من خلال الحب كما قد يتحول الهادئ الى شخص عنيف مندفع في إنفعالته .
قد يشبه الحب الحرب من خلال نواح عديدة وقد لا يشبهها مطلقا ، فالحب كشعور مطلق خال من أي شوائب بشرية قد تدنسه ولكنه وللأسف لا وجود للحب من دون "التطبيق" البشري .وبالتالي فإن تدنيسه جزء من وجوده .
جرائم الحب كما جرائم الحرب عديدة .. الثانية يتم محاكمتها اما الاولى فتتخذ معان اوسع . جريمة الحب قد لا تقتصر على قتل الاخر او ضربه .. جريمة الحب قد تكون الخيانة او الغدر او الكذب . مرتكبها مجرم بلا ادنى شك لكن لا عقاب لمنفذها . وبين عقابات الحب والحرب.. تبدو الثانية اكثر عدلا .