بقلم كليمونس بولوك

إذا كان من اللازم تصديق الاطروحات، التي ظهرت في سنوات الثمانينيات بقلم الأكاديمي الراحلادوار سعيد، والتي بقدر ما هي شهيرة بقدر ما هي موضوع جدال: فالشرق هو اختراع للغرب. وألف ليلة وليلة، واحدة من معالم هذا الشرق، ظهرت منذ ثلاثة قرون، في سنة 1704 تحديدا، على يد البحاثة الفرنسي أنطوان غالون Antoine Galland. هذا الكلام، اللاذع، هو صحيح وخاطئ في نفس الآن: حكايات أو رواية، مترجمة أو من إبداع غالون، فحكايات ألف ليلة وليلة تتحدث عن الخداع، الحيل وتبدد الأحكام النهائية،القطعية.فمن اجل إنقاذ حياتها، تحكي شهرزاد عن مصائر أخرى وتمنح الكلمة لجمهرة من الساردين( السندباد البحري، علي بابا، ووجوه اقل شهرة) تملأ ،بنكهة الشرق، الشوارع والقصور ومخيالا جماعيا بأكمله. فازدحام الشخصيات، و تعدد الأصوات والقراءات في ألف ليلة وليلة، يفسحان المجال بالتأكيد، لتأويلات متعددة. إن المتن المتمخض عن أشغال الندوة التي نظمت في ماي المنصرم باليونسكو مكن من تسليط الضوء على عوالم ألف ليلة وليلة.فمن خلال 35 عمل لأساتذة جامعيين من كل مناطق العالم ، تم التطرق لنشأة وصدى هذه الليالي في التراث الأدبي والفكري العالمي.وهذه الجولة عبر الآفاق هي بلا شك الرد الأمثل على كل من يدعي ملكية النص من المشرق أو المغرب.بالفعل، فالتأثيرات أو الاستشهادات بكل أو جزء من نص ألف ليلة وليلة، لا يمكنها أن تحصى أو تحدد أو تنتهي على مدى القرون وحول العالم، من الغزل الفاحش العبري لأسبانيا الاندلسية إلى كتابات سيرفانتيس، جيد، بروست، ميشيما أو بازوليني...
أنطوان غالون، العابر والمفتون بهذا المتن الشهير، يتلقى بالتأكيد اهتماما جد خاص ، سواء في متن الدراسات السالفة الذكر، أو في الطبعة الجديدة للنص، مع مقدمة وملفات جد دسمة، مكتوبة من طرف المتخصصين: أبو بكر الشرايبي وجون بول سيرمان.
ولد أنطوان غالون في بيكاردي Picardieسنة 1646، في عائلة متواضعة. كان الشاب مميزا في دراساته الثانوية، التي أنهاها في الكوليج الملكي، حيث تعلم اللاتينية، الإغريقية إضافة إلى العبرية والعربية.أصبح كتبيا(أمين مكتبة) وناشرا،و جعل نفسه في خدمة الأغنياء الهواة أو الرحلات الاستكشافية الإدارية. وقضى خمس سنوات في تركيا ما بين 1670 و1675، وعاد إليها فيما بعد (سنة 1679) ليمكث تسع سنوات.وبعودته لباريس حافظ على علاقات فكرية وثيقة مع الشرق، ومع كتبييه.وهكذا حدث أن حمل معه من لبنان سنة 1701، كتابا يضم مجموعة من الحكايات، أغلبها من اصل فارسي، وترجمت إلى العربية في نهاية القرن 8، مشبعة باسترجاع ذكريات وأحداث من الماضي، كما هو الحال بالنسبة لملحمة جلجامش، أقدم نص بشري معروف حتى الآن.وقد أضاف لهذه الألف ليلة وليلة التي ترجم، حكايات أخرى، مثل حكاية السندباد، وحرر النص الكامل لبعض الحكايات، خصوصا حكاية علي بابا،التي تجسد اليوم رمز الكتاب.
إن وضع غالون كبحاثة، واتصالاته السابقة بالكتبيين الأوربيين هي التي أتاحت لألف ليلة وليلة نيل الاهتمام اللائق بها ، لتصبح بالتالي موضوع للدراسة والبحث، وهو ما جعل اسم علاء الدين يتصدر واحد من أهم عناوين مجموعة هاشيت، ومكتبة (المحطة).هل يعني هذا انه بدون غالون، كان مصير حكايات ألف ليلة وليلة هو الضياع في ليل النسيان ؟
بدون شك، إذا كان من اللازم أن نصدق مقال عبد الفتاح كيليطو، الذي بين كيف أن ألف ليلة وليلة لا تتضمن المواصفات المميزة لأمهات كتب الأدب العربي: الأسلوب الراقي، المؤلف المعروف، الشكل الثابت. فهذا التجميع لمنتخبات من الحكايات المجهولة، وذات النبرة الشعبية أحيانا، والمسجلة في خصوصيات ولهجات محلية، يتشكل داخل أفق بعيد عن أفق انتظار المثقف.وغالون نفسه ليس بعيدا عن تبني مثل هذه النظرة، فهو يتأسف لذوق الجمهور وميله للفنتازيات وغير راض لكون مجهوداته في التنقيب لا تنال نفس القبول. وقراءة مذكراته، من طرف جويل ميكيل Joëlle Miquel، تسمح بالتعرف، بشكل حميمي تقريبا، على هذا المثقف النبيه الذي ألهم الكثير.
إن كتاب القرن 19 ، الذين المهووسين بالشرق، هم أيضا مغرمون بألف ليلة وليلة هذه، التي اشتهرت على يد دوري Doréأو بلاك Blake فيما وراء المانش...
ودون الإشارة إلى نسخ أخرى ، أكثر ايروتيكية، مثل نسخة ماندريس Mardrus سنة 1904، يبدو أن روح الهدم والخرق تسكن أيضا أربيسك نص غالون، فما العمل مع مقاطع العشق المحذوفة التي تتردد عبر مسارات الحكي؟أية قراءة إيديولوجية تغلف صورة السلطان، الذي تحاصر سلطته في الأخير امرأة؟
في العالم العربي، تعرض حكي شهرزاد لتصويبات و لإعادة الكتابة، بهدف إضافة سارد ذكر لإعادة ضبط التوازن بين الجنسين. وبلا شك فإننا مدينون لغالون ببصمات أنثوية في النص: انه أهدى هذا العمل للما ركيزة دو la marquise d'O، واحدة من سيدات قصر ديشيس دو بورغون duchesse de Bourgogne،وحضور السيدة دولوناي d'Aulnoy، الكونتيسة، يبدو أنه يتمظهر على مستوى الكتاب.فالفعل، ولادة ألف ليلة وليلة تتماشى أيضا مع عصر مولع بالعجيب، الذي يسحر العالم و يوسع حدود الإنساني فيه.لان الألف ليلة وليلة نشأت قبل كل شيء كاستجابة لرغبة مستعجلة، هي الرغبة في مواجهة الموت بالحكي . الحياة المنقذة بقوة الكلمة:إنها ربما الاستعارة الصامتة التي تخترق الألف ليلة وليلة.وتمهر حداثة النص التي لا تنتهي، والتي تحتفي بها أبيات سيبيرفيل Supervielle:
"أنصتوا إذن، إخواني الجدد
كيف تجري الأمور
وكيف ندنو من الحاضر
لحكايات ليل الزمن هذه".

- " ألف ليلة وليلة" ترجمة أنطوان غالون- تقديم جون بول سيرمان
وأبو بكرالشرايبي (3ج) منشورات غارنيي- فلاماريون.
-"ألف ليلة وليلة" تحت إشراف أبو بكر الشرايبي منشورات اكت- سود -528 صفحة (الثمن 30 اورو)

صدر المقال بالملحق الأدبي لجريدة الفيغارو الفرنسية بتاريخ 29 يوليوز 2004.