نبيل جاسم: يعد شارع حيفا جزءا من مخلفات بغداد العتيقة التي هدم نصفها وأقيم بدلا عنها العمارات الفارهة فيما بقي الجزء الآخر من بغداد المختفي وراء روعة الشارع شاهدا على بؤس الحياة والفقر حيث شكلت عمارات الشارع جزءا من الستارة التي اخفت تلك المشاهد البائسة.
كانت تلك المشاهد بمجملها تشكل جزءا من بغداد القديمة التي كانت تسمى الكرخ أو سوق الجديد أو سوق حمادة وتضم مناطق اصغر ذات دلالة تسمى المشاهدة أو التكارتة، وكان سكان تلك المنطقة يشكلون غالبية مطلقة من العرب السنة من محافظات صلاح الدين وقضاء سامراء وقضاء عانة من محافظة الأنبار. وشاب ذلك التشكيل بعض التغيير بعد عام 1991 ولكن الغالبية بقيت في تلك المنطقة سنية من المناطق السابق ذكرها.
وتشكل تلك الخلفيات السنية القادمة من مناطق النزاع الحالية وبؤر التوتر في ما بات يطلق عليه المثلث السني، ولذلك يعد شارع حيفا جامعا لكل أطياف المثلث السني من الانبار وحتى صلاح الدين، وهو صورة مصغرة ولكنها جامعة لكل ذلك الطيف وبقيت الهوية الغالبة لذلك الشارع تتميز بطابعها الإسلامي الذي عبر عنه زخم المساجد المصطفة إلى جنب بعضها بكثافة في مساحة صغيرة من الأرض.
أما التواجد العربي في شارع حيفا فتعود إلى منتصف الثمانينيات من القرن المنصرم، وهو تاريخ بناء الشارع والمجمع السكني العملاق الذي بات يعرف بشارع حيفا، وتم توزيع المجمع على البعض من أساتذة الجامعات والمقربين من النظام السابق وغالبية المعارضين السوريين الفارين إلى العراق من سوريا، وشهد هؤلاء الكثير من الإزعاجات من العراقيين الذين ما زالوا يسكنون في الحواري الخلفية للشارع الذي لم يشمله التطوير والشاعرين بكثير من المرارة لتوزيع تلك المنشآت الفارهة على الغرباء فيما بقوا هم يعيشون في أماكن غير صالحة للعيش الآدمي.
وبقيت حكاية توزيع المنشآت السكنية في شارع حيفا على المعارضين السوريين قصة تدور على الالسن بما يشوبها من مرارة في كل انحاء بغداد. وبعد العام 1991 تسرب الكثير من هؤلاء السوريين الى مناطق اخرى وبقي القسم الآخر منهم او من ابنائهم الذين اندمجوا مع العراقيين وتوجهوا في اعمالهم صوب الاعمال الخاصة والتجارة، وقليل منهم تأثر بما يحمله آباؤهم من انتماءات سياسية والفئة الاخرى من العرب المتواجدين في شارع حيفا هم السودانيون العاملون في منشآت الصيانة في المجمعات السكنية في شارع حيفا ولكن سمعة العرب المتواجدين في الشارع اخذت اكبر من حجمها الطبيعي وتضخمت بشكل واسع ولا سيما بعد الاعمال العسكرية التي استهدفت قوات الاحتلال في هذا الشارع.
وتصر الحكومة على ان للعرب اليد الطولى في اعمال شارع حيفا جهلا منها او قصدية في التعمية لتضخيم دور العرب في ما يحدث من اعمال في العراق اولا ولنزع الشرعية او lt;lt;العراقيةgt;gt; عن تلك الاعمال ثانيا، وإذا كان هناك عمليات مثل تلك التي استهدفت مركزا للشرطة العراقية في مكان قريب من شارح حيفا فالأمر لا يخرج عن كون الشارع كأي جزء من العراق اليوم ساحة مفتوحة يمكن للجميع العمل فيها بمن فيهم العرب، كما ان هناك بعض الاعمال التي تختلف في اسلوب القيام بها بما يشير الى اكثر من جهة على مستوى الفعل، ولكن الاساس في العملية التي تدار في شارع حيفا عراقية بحتة تمارسها اطراف عراقية وحركات دينية في المقام الاول وبأيدي شباب عراقيين يدفعهم الوازع الديني بحكم الانتماء او العودة الى الاصول المذهبية لهؤلاء.
ولقد حاول بعض العرب الاستفادة من تلك المقولات التي تروج حول تواجد العرب في شارع حيفا فحاول البعض منهم نسف الجسر الذي يربط الكرخ بالرصافة من جهة شارع حيفا فقوبل هؤلاء بشدة وتم احباط نية التخريب تلك واخذ مسار العمليات التي تستهدف قوات الاحتلال في شارع حيفا مسارا آخر اقل حدة واكثر ذكاء في الضرب السريع والانسحاب الاسرع من دون الدخول في مواجهات طويلة كما كان يحصل قبل اسابيع لاسباب عديدة منها ان قوات الاحتلال او قوات الحرس الوطني التي تقدمها قوات الاحتلال امامها في تلك المعارك باتت تستهدف المناطق السكنية والحواري الضيقة التي يتحصن بها المقاتلون، وعندما تشتد وطأة المعارك يتم الاستعانة بالطيران الاميركي لكشف مواقع المقاتلين وضربها حتى لو استهدفت الاحياء السكنية، لذلك عمد هؤلاء الى القيام بعمليات نوعية منها الاستهداف السريع والانسحاب الاسرع من مواقع الاحداث دون الالحاح في المواجهة وتفريع تلك الاحياء من هؤلاء المقاتلين في حال عودة القوات الاميركية مرة اخرى لتطويق الاحياء السكنية واعتقال من لم يشارك في الاصل بتلك العمليات فيما يتوزع القناصة الاميركيون فوق العمارات السكنية لشارع حيفا لاغتيال السكان الخارجين من بيوتهم.
ان القول بوجود المقاتلين العرب في شارع حيفا قول يفتقد الى الكثير من المصداقية، وإذا ما تم إلقاء القبض على بعض العرب في ذلك الشارع فهو لا يخرج عن كون هؤلاء يستخدمون الشارع كأي منطقة اخرى في العراق ولكن الذين يقاتلون اميركا في تلك البؤرة الساخنة من بغداد عراقيون.