يقظان التقي: تذكرت وانا اقرأ عنوان كتّاب شكري عرّاف: الاسماء العربية والتسميّات العبرية للمواقع الفلسطينية" ما تقوله اغنية السيدة فيروز "اسامينا": "اسامينا شوعملوا اهالينا للاقوها
شو افتكروا فينا
الاسامي كلام
شو خصّ الكلام
عينينا هني اسامينا.."
هذه مقاربة للاسماء فيها شجن عميق وذاكرت تصويرية نوستالجية. لكن الامراكثر من باب الوصف والذكرى. فلقد اوشكت اسماء المواقع الفلسطينية كأعمار الناس ووجوههم ان تضيع تماماً بالتهويد المتواصل والاندثار عنواناً لأرض ووطن وانسان. فالخليل صارت "حبرون" وعسقلان صارت "أشكلون"، ومعلوا اضخت "نهلال" وتل الشرفة في القدس "غفعات همفتار" وباب المغاربة "رحوب بيت محسي"، وطريق الواد في القدس "رحوب هكاي" وخربة سلوان "شيلو" ونهر المقطع "ناحل كيشون" ونهر العوجا "ناحل يركون" وبحيرة طبرية "يم هجليل" والبحر الميت "يم همليخ"، ومرج عامر "عميق يزرعيل"، وسهل عكا "عميق زبلون" وجبل الحرمق "هار ميرون"،..وهكذا دواليك.
الحرب الاسرائيلية على فلسطين منذ العام 1948 لم تنته بعد وكل ما يجري من تطورات المشروع الصهيوني في ابعاده السياسية والعسكرية وما يجري من حركات استيطان وخطة تهويد الاراضي الفلسطينية ونزع اسماء المدن والبلدات الفلسطينية واستبدالها بأسماء عربية، إلى محاولة تجزئة الشعب الفلسطيني وتقسيم الاراضي ومحاولة اقلمة القضية ككل مع خطة الفصل الشارونية. كل ذلك يؤكد فعلياً ان الحرب لم تنته بعد وتقوم على مبدأ جوهري هو تفكيك الانتماء العربي ونزع هوّية الشعب الفلسطيني والفكرة الرئيسة هي التفكير الاستراتيجي بامحاء التراث العربي تمهيداً لنزع اي شراكة مع الجانب الفلسطيني وتصدير اسرائيل إلى الواجهة على انقاض الحقائق التاريخية والجغرافية والإطاحة بالامكنة كإحداثيات وطن مستقبلية امام صهيونية حقيقية تمارس غيتو الاسماء في فكرة الجدارالحديدي نفسه.
هذه الخطة الاستراتيجية ومنذ انشائها واكبتها اسرائيل في العمل على خلق كينونة كاملة جديدة اسمها "اسرائيل" بأسماء وتوصيفات وممارسات عرقية وعنصرية إلى امر الاحتلال اليومي والاعتقالات والقتل وتدمير المنازل وجرف الاراضي الزراعية ومنع زواج الفلسطينين من بعضهم على ضفتي الخط الاخضر وقتل مئات الاطفال وتقسيم الشوارع بين العرب والمستوطنين وغير ذلك في سياق خطة منهجية متعمدة للتهويد تقضي اولاً بنزع الاسماء العربية عن المواقع الجغرافية في فلسطين.
مؤسسة الدارسات الفلسطينية في بيروت ومن ضمن اهتماماتها بكل ما يتعلق بالمسألة الفلسطينية وفي جانب توثيقي كبير ومتمايز اصدرت حديثاً كتاباً استثنائياً بعنوان "المواقع الجغرافية في فلسطين: الاسماء العربية والتسميات العبرية". هذا الكتاب هو حصيلة سنوات متواصلة من البحث العلمي بذلها الدكتور شكري عرّاف. وهذا الاصدار هو شوط جديد يكمل سلسلة قديمة من الكتب الرديفة: "بلدانية فلسطين المحتلة" للدكتور انيس الصايغ (1968) و"موسوعة فلسطين الجغرافية" لقسطنطين خمّار (1969)، و"اسماء الاماكن والمواقع والمعالم الطبيعية والبشرية والجغرافية المعروفة في فلسطين حتى العام 1948" لقسطنطين خمّار ايضاً (1980) و"بلدنا فلسطين" لمصطفى مراد الدباغ (1966) و"الموسوعة الفلسطينية" (1984).
يأتي هذا الكتاب في سياق المواجهة بين الفلسطينيين والدولة الاسرائيلية ليقدم أداة معرفية تنشط ذاكرة عربية يصيبها الكثير من التشويش ستسهم في الحفاظ على الذائقة التاريخية وعلى الذاكرة الفلسطينية معاً.
كتاب لزوم كل مكتبة عربية، لا بل لزوم كل بيت عربي، وكل وسيلة اعلامية عربية بعدما دأبت اسرائيل على اصدار خرائط واطالس عبرانية لفلسطين التاريخية وبعدما اخذت وسائل اعلام ووكالات انباء غربية تعمم في سياق نشاطاتها الإخبارية اسماء عبرية لمواقع جغرافية عربية يجري تداولها على مستوى واسع بصيغتها الجديدة المركبة والمفككة لميراثها العربي، لا بل قيمها العربية. اسرائيل اصدرت على سبيل المثال خريطة معدلة للخريطة التي وضعتها حكومة الانتداب البريطاني في العام 1944. وجعلت التسميات العبرية للاماكن الفلسطينية محل التسميات القديمة المعروفة، وكذلك نشرت في هذا السياق وعلى فترات متعاقبة "اطلس الطرق" و"كل البلاد" و"المعجم الجغرافي لأرض اسرائيل" و"الدليل السياحي" وغير ذلك من الموسوعات والخرائط والبلدانيات. اخطر من ذلك غيرت اسرائيل في اسماء الشوارع ونشرت الآرمات واشارات المرور في تصدير واجهة اعلانية لم تعّد للاسف تشكل حتى للمواطن الفلسطيني حالة صدامية في وقت تشحن التلفزة العربية والعالمية تقاريها الاخبارية المصورة بواقعية صهيونية مزعومة تحتلها التسميات العبرية. هذه التفاصيل تجد فيها اسرائيل فرصة لا تفوت في رفع مستوى المواجهة عمودياً مع الكيان الفلسطيني وكينوته الحقيقية في مستوى كبير من الخطورة لجهة إمكانية تكسير رؤوس العرب وذاكراتهم على حائط التطبيع الصهيوني المتقدم.
الكتاب يشير في التقديم إلى انه مضى نحو 120 عاماً على بداية تغيير الاسماء العربية في فلسطين إلى تسميات اخرى عبرية تخدم الاهداف التي وضعتها الحركة الصهيونية ودولة اسرائيل من بعدها، والتي نجحت في "عبرنة" اكثر من 7000 اسم لمواقع فلسطينية، منها اكثر من 5000 موقع جغرافي، وعدة مئات من الاسماء التاريخية، واكثر من الف اسم للمستعمرات. لا يهدف الكتاب إلى دراسة العوامل التي ادت إلى اطلاق التسميات العبرية التي ذكرت ولا معاني هذه التسميات، اذ اكتفي بسردها في مقابل الاسماء العربية. اسرائيل اعتمدت آليات مختلفة في كيفية لفظ المسميات العربية بالانكليزية لفظاً يتناسب ومخارج الحروف العربية وفق خطة مبرمة يستعرضها المؤلف ويشرحها في احداثياتها الألسنية ومعالجاتها من مثل الحروف العبرية التي لا مقابل لها بالعربية يعرفها جيداً الناطقون باللغة العبرية.
مسلسل التهويد
بدأت الحركة الصهيونية اطلاق التسميات العبرية التوراتية على المستعمرات التي اقامتها منذ سنة 1878، وفي سنة 1922 ألفت الوكالة اليهودية لجنة أسماء تساعد المهاجرين على اختيار اسماء المستعمرات التي يؤسسونها وفي الفترة 1922ـ 1948، اي خلال 26 عاماً غيرت اسرائيل اسماء 216 موقعاً. ومنذ سنة 1948 حتى 11/5/1951 قررت لجنة الاسماء الحكومية 198 اسماً آخر. ومنذ ذلك التاريخ قرر دافيد بن غوريون ضم اللجنة إلى ديوانه / ديوان رئيس الحكومة مباشرة.
هذه اللجنة تضم 24 عضواً من خيرة العلماء اليهود في مجالات الجغرافيا والتاريخ والتوراة والآثار وغير ذلك من الموضوعات، كاللغة والادب. كما تشمل ممثلين عن مختلف الوزارات، كالداخلية، والعمل والوكالة اليهودية، والصندوق القومي اليهودي، والجيش ولجنة المستوطنات.. استطاعت اللجنة تغيير 560 اسماً خلال 1951ـ 1953 اثراً متمماً لتهجير القرى والمدن الفلسطينية وتفريغها خلال حرب 1947/1948. وقد اقيم الكثير من المستعمرات على اراضٍ عربية كمعليا وابو ديس وغيرهما، وذلك اثر مصادرة مساحات واسعة لمصلحة هذه المستعمرات. يحاول الكتاب ايضاً رصد المتغيرات التي حدثت على الارض بدقة بهدف تعزيز مؤسسة "الذاكرة العربية"، اي بهدف إبقاء الاسماء العربية لهذا الوطن في ذاكرة الاهل والدارسين وشهادة على متغيرات 60 عاماً هودّت اسماء المدن والازقة والحارات والشوارع والانهر والابار والجبال والخرب والوديان والسهول والمروج، والاغوارو والابواب والابراج والآبار والعيون والقرى والقلاع والكروم والمغاور والغابات والقيعان والارصفة والاشارات وتكاد تطيح بكل الميراث العربي الاصيل في فلسطين.
الكتاب يستعرض بدقة لائحة وقائمة كبيرة من التسميات اليهودية في حروب التهويد الاسرائيلية لأسماء فلسطين في منهجية تعتمد بالتسلسل: الاسم العربي ولفظه بالانكليزية والتسمية العبرية ولفظها بالعربية والإحداثيات وملاحظات وشروحات دقيقة.
اليكم لائحة بأسماء قد تبدو مثيرة وصدامية لمن يعاين تاريخ كأنه في طور الاندثار:
الاسم العربي: "ابراهيم"، لفظها بالعربية بعد تهويدها "افرهام"، ابو غليون (يموئيل)، ابو جابر (شكما)، البحيرة (عتسيون جيفر)، البيض (لفنا)، حلوان (ميتك)، الحمام (نفطيم)، سالم (بتسحاك)، الشجرة (ايلا)، شمس (شلومي)، صيدون (تسيدون)، الطويلة (راهط 9، عسلوج (مشأفي سدية)، الليمون ( يعكوف)، المطاجن (ريسك)، أم زغل (جوزال)، البرج (خربة تتورا)، داود (مجدال دفيد)، مصر (متساد أبريم)، حارة المغاربة (شاعر تسيون)، الخليل (شاعر يافو)، الساهرة (شاعر هيراحيم)، الاردن (بكعات هيردين)، الصافي (بكعات تسوعر)، العقبة (معليّة إيلات)، النقب (هنيجف)، اليهود (معليّة بلماح)، ابو حديد (سنونيم)، اسنكدرونة (ألكسندر)، بانياس (حرمون)، البرج (شخيم)، البيرة (تفور)، شقيف الحمام (بازيت)، الكرنتينا (كرياس)، رشميا (جبوريم)، الناقورة (روش هنكرا)، عمر المختار (أمبار نفتلي)، اليازجي (شفرا)، جامع الزيتونة (همعييلم)، النصارى (شفيق عدس)، ياف (هيرتسل)، بيروت (ديرخ هأربعا)، الانبياء (هنفئيم)، الخليل (حفرون)، صلاح الدين (هيرتسل)، طارق بن زياد (همجيد مدوفنا)، غازي الملك (شفطي يسرائيل)، فيصل الملك (يهودا هيمت)، طبريه (جينوسار)، غزة (عازا)، كابول (سيجف)، رشيد بك (متساد ألوف)، البيك (طاحن)...
كتاب مرجع موثق بعناية لكل مهتم وباحث في طبيعة فلسطين الجغرافية والتاريخية، محاولة علمية رصينة خضعت لمراجعة الياس شوفاني بهدف اعادة الاعتبارإلى الحقائق الجغرافية والتاريخية ونزع الاحتلالات الجديدة عنها.
- آخر تحديث :














التعليقات