لايزال البعض ينظر الى الصراع العربي ـ الإسرائيلي، رغم كل تقلبات النصف الأخير من القرن الماضي، من زاوية قبلية ضيقة وكأن هذا الصراع المتداخل والمعقد والكوني «طوشة» بين قبيلة وأخرى وبحيث لا يجوز لمنتسب الى إحدى هاتين القبيلتين التحدث مع منتسب الى القبيلة الأخرى مادام ان الصلح لم يتم ولم تقم الأفراح والليالي الملاح.
ولهذا فإننا نجد ان هناك من أعلن حالة الإستنفار القصوى فور سماع ان بعض الإسرائيليين من أصول عراقية، تعود ربما الى ما قبل السبي البابلي، شاركوا في الإنتخابات الأخيرة وان واحداً من هؤلاء جاءت مشاركته هنا في عمان وأنه إقترع في أحد الصناديق التي لم يشارك الأردن في الإشراف عليها ولا بأي صورة من الصور أو أي شكل من الأشكال.
إن مالم يدركه، الذين يعيشون بطالة سياسية والذين يقضون أوقاتهم «الجهادية» و "النضالية»!! في إفتعال المناسبات الوطنية والقومية ليعلنوا عن وجودهم، ان مشكلتنا الأساسية مع إسرائيل هي مشكلة «ديموغرافية» وأن العرب كانوا قد وافقوا، بعد ان عاد إليهم بعض وعيهم، على عودة اليهود «العرب» الى الدول العربية التي رُحِّلوا منها تحت وطأة المؤامرات والضغط بالقنابل والمتفجرات، ومن بين هذه الدول العراق واليمن والمغرب وسوريا ولقد جاءت هذه الموافقة في عقد سبعينات القرن الماضي بطلب من منظمة التحرير الفلسطينية.
عندما يشارك إسرائيلي من أصل عراقي في الإنتخابات العراقية فهو إعلان بأن هويته عراقية أكثر مما هي إسرائيلية وإن لديه رغبة في العودة الى وطنه الأول الذي هو العراق وهذا معناه الإستعداد للتخلي عن مسألة «الأرض الموعودة» التي قامت على أساسها دولة إسرائيل والتي حاولت الحركة الصهيونية بموجبها إجبار وإلزام كل يهود العالم بالهجرة الى فلسطين.
كان على العرب والفلسطينيين ان يقوموا بحملات إعلانية ترويجية لحمل الإسرائيليين، الذين جاءوا الى فلسطين من عدد من الدول العربية، على المشاركة في إنتخابات الدول التي جاءوا منها وذلك لأن هذه هي البداية الصحيحة لإقناعهم بأن مستقبلهم الحقيقي هو في أوطانهم الأصلية التي أجبروا على النـزوج منها في ظروف إستثنائية ولإقناع إسرائيل أيضاً بأن ليس في مصلحتها ان تبقى خندقاً للغرب في الشرق الأوسط بل ان تصبح دولة شرق أوسطية وتعيش بسلام مع دول هذه المنطقة.
لقد أُقتلع اليهود العراقيون إقتلاعاً وبالقوة من وطنهم العراق، الذي عاشوا فيه منذ ألوف السنين، وأجبروا على الهجرة الى فلسطين وفقاً للمعادلة الصهيونية : «نفي النفي ونفي الأغيار» والمعروف وبخاصة بالنسبة للفلسطينيين ان هؤلاء ورغم مرور أكثر من نصف قرن على قيام دولة إسرائيل لازالوا يتمسكون بعراقيتهم ولازالوا يَحِنُّونَ الى وطنهم الأول وأنهم الأكثر من بين يهود أسرائيل كلهم، بما في ذلك القادمون من دول عربية، إنفتاحاً على أبناء الشعب الفلسطيني وأقلهم إيذاء لهذا الشعب.
وهنا فإن ما يجدر ذكره هو ان يهود العراق الذين جرى ترحيلهم الى فلسطين تحت ضغط حملات الإرهاب والتخويف والتهديد والوعيد، وبمشاركة غبية من قبل الكثير من القوى العراقية الدينية والسياسية، قد بقوا يعيشون كجزيرة إجتماعية عراقية داخل المجتمع الإسرائيلي كل هذه الإعوام وأنهم بقوا يحافظون على التراث العراقي العريق، الفن والموسيقى والغناء والشعر، وان بعضهم لا يتردد في الإعلان عن رفضه للحرب الأخيرة وعن وقوفه ضد الإحتلال الأميركي لوطنه الأساسي والأصيل.