الملك عبد الله قد يضيف ألمانيا والنمسا إلى زيارته اللندنية
كيف ستتعامل الرياض مع أوروبا الجديدة... ورؤوسها؟

لقاء مع الملكة إليزابيث الثانية
سلطان القحطاني من الرياض: رجحت مصادر سعودية مطلعة أن يضيف الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى أجندة رحلته اللندنية، المقرر إجراؤها أواخر شهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل، دولاً أخرى في القارة ذاتها هي كل من ألمانيا والنمسا، وتعقبها زيارة خاصة إلى جنيف تستمر أسبوعًا كاملاً حسب ما ذكرته هذه المصادر في تصريح لها مع quot;إيلافquot; مساء السبت.

ومن المقرر أن تستمر الزيارة الملكية إلى بريطانيا عدة أيام يقضي خلالها الملك يومين في إطار زيارته الرسمية التي ستشهد لقاء هو الأول من نوعه بينه كملك لبلاده وبين الملكة إليزابيث الثانية، تليها اجتماعات متتالية مع أقطاب الحكومة البريطانية الجديدة التي على رأسها رئيس الوزراء الجديد جوردون براون.

وحسب ما قاله مصدر دبلوماسي رفيع في العاصمة الرياض، فإن الملك السعودي سيقضي بعد اليومين الرسميين عدة أيام أخرى في إطار إجازة خاصة لم يكشف بعد في أي مدينة على التراب الانكليزي تحديدًا سوف تكون.

ويجيب الدبلوماسي البريطاني المطلع في حديثه مع quot;إيلافquot; حول الزيارة المقبلة إن كانت ستشهد توقيع اتفاقيات جديدة بين البلدين، بقوله إن quot;الحدث المهم قد جرى قبل أسابيع وتم إنهاء صفقة التايفون المعقدةquot;. وأشار إلى أن ما يمكن توقيعه خلال الزيارة لا يتعدى quot;بضعة اتفاقيات تتعلق بالتجارة والتعاون الثقافي والتعليميquot;، مستبعدًا حصول أحداث كبرى.

ومنذ أن أعلن السعوديون من جانبهم رسميًا عن الزيارة قبل شهرين من القيام بها، فإن الصحف البريطانية باشرت فور ذلك في تناول الشأن السعودي وإصدار ملاحق موسعة عن المملكة الغنية بالنفط، وخطوات ملكها الجديد في العملية الإصلاحية، مثل ما فعلته صحيفة الإندبندنت قائدة شعلة اليسار في بريطانيا.

وكان البلدان قد أنهيا صفقة تسلح ضخمة مرت بالعديد من التعقيدات حسب ما صرح به السفير البريطاني في الرياض، في حديث مع quot;إيلافquot;، وذلك بعد أن قاد جهودًا مضنية طوال أسابيع كي تعبر هذه الصفقة إلى بر الأمان دون أن تتعثر، خصوصًا في ظل تبوؤ بروان زمام رئاسة الوزراء، وهو رفيقه من جهة شرايين الدم الاسكتلندية.

وتعتبر زيارة عاصمة آل التاج، الذين يملكون ولا يحكمون، quot;بيضة القبانquot; في جولة الملك المقبلة إلى أوروبا لأنها أولاً زيارة لدولة كبرى في العالم تربطها مع الرياض علاقة ذات تاريخ مشترك، وثانيًا لما لهذه القوة من دور مهم تضطلع به على المسرح العالمي، وليس أخيرًا إنها عملة اقتصادية صعبة في هذه القارة العجوز.

رئيس الوزراء البريطاني
وتعوّل الرياض على الزيارة المقبلة كي تدعم تحركًا لافتًا على صعيد القضية الفلسطينية، خصوصًا وأن مؤتمر السلام الذي تدعمه واشنطن في طريقه إلى الانعقاد الخريف المقبل، ومن جهة أخرى فإنها تأمل أن تجد لدى لندن أذنًا صاغية بغية تجنيب المنطقة الخليجية أي عمل عسكري في إطار أزمة المجتمع الدولي مع إيران.

وكان لافتًا لكثير من المراقبين الدوليين كيف تم الإعلان عن هذه الزيارة الملكية إلى بريطانيا قبل أشهر من القيام بها، وهذا الأمر الذي لم يدرج عليه السعوديون منذ عقود طويلة، وهم من القلة القليلة في المنطقة الذين كانوا لا يعلنون عن الزيارات الرسمية إلا قبل تنفيذها بأربع وعشرين ساعة لا أكثر.

ومرت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعدة شوائب منذ الستينات بسبب ما أفضت إليه تركة الاستعمار البريطاني في الخليج، وخصوصًا quot;واحة البريميquot;، التي كانت الرياض تطالب بها كونها أحد الأراضي السعودية بينما لندن كانت ترى العكس نتيجة عدد من الحسابات مع أمارات الخليج المجاورة التي كانت تحت الاستعمار.

وفي عام 1967 حدث تحسن محسوس في العلاقات بين البلدين حين زار الملك فيصل بن عبد العزيز، الخليفة الثاني لمؤسس المملكة، بريطانيا العظمى، وذلك بعد عدة سنوات من تحركات دبلوماسية حثيثة تحت الستار قامت بعدها لندن بتصدير طائرات quot;لايتنينغquot;.

وابتداء من عام 1963 بدأ البريطانيون في تدريب الحرس الوطني وعدد من قطاعات الدولة العسكرية.

أما في ألمانيا التي من المرجح أن يزورها الملك عبد الله بن عبد العزيز أوائل شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل فسيجد الملك حليفة جديدة لبلاده لم يتعرف إليها من قبل. وهي امرأة قد يغضب الأصوليون في مملكته المحافظة حين يصافحها، أو يلتقط الصور التذكارية معها، لكنها تقود ألمانيا الخارجة من ركام التاريخ بفعالية لا حدود لها.

وهذه المرأة ليست سوى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل القادمة من الفيزياء إلى السياسة، والتي أصبحت بحق واحدة من قادة ماكينة القارة العجوز على المسرح الدولي.

وهناك تعاون اقتصادي وثيق بين البلدين.

أنجيلا ميركل
ونجحت شركة quot;سيمنسquot; العملاقة في تأمين عقود بناء مهمة حيث ستوظف خبرتها في مجال توليد الطاقة وتركيب محطات شبكة الكهرباء في مدينة الملك عبد الله بن عبد العزيز الاقتصادية في quot;رابغquot; على ساحل البحر الأحمر التي ستكون مكاناً أكثر تحرراً مما عداه من مدن المملكة المحافظة الأخرى.

وتسعى شركة القطارات quot;دويتشه بانquot; أن تفوز بإحدى مشاريع السكك الحديدية في المملكة التي تريد الرياض أن تربط بها بين صحاراها الشاسعة عبر أربعة مشاريع كبرى.

وبفضل أفكار ملكها المصلح الجديد، فإن المملكة العربية السعودية تفكر في أن تفسح مجالاً أكبر للاستثمار الأجنبي وخصوصًا الأوروبي وذلك بغية خلق ملايين الوظائف التي تستطيع أن تتواءم مع نسب النمو السكاني المتصاعد الذي ينشط عاما إثر آخر و يمكن أن يوصف بأنه quot;سباق الأرانبquot;.

وتبدو الحكومة السعودية طوال الأشهر الماضية في حالة جس نبض متواصل فيما يتعلق بسياستها الخارجية إزاء أوروبا الجديدة بعد أن شهدت مغادرة أبرز حلفائها نتيجة انتهاء مدرة اعتلائهم كراسي رئاسة الوزراء في بلدانهم، مما يفتح باب الأسئلة حول آلية تعامل الرياض مع الساكنين الجدد في قصور الحكم.

إن جاك شيراك وهيلموت كول وتوني بلير تحولوا كلهم إلى أطلال من الماضي البعيد ولن يسمع الملك عبد الله عنهم سوى النزر اليسير خلال لقاءاته مع السياسيين الأوروبيين وكأنهم ينتمون إلى حقبة أخرى انتهت بكل ما لها وما عليها.

إذا هناك أوروبا جديدة فكيف ستتعامل معها الرياض ؟ أوروبا الجديدة تبني علاقات أكثر وثوقًا مع أميركا بعد أن ناكفتها في حرب العراق عام 2003، وذلك بعد انتهت السنوات التي شهدت سقوط الحكومات التي لا جرمًا اقترفته سوى الارتباط بالولايات المتحدة ورئيسها المكروه جورج بوش، بينما لا تزال شريحة من شعبها تعارض أميركا.

العاهل السعودي في زيارة لفرنسا
في أوروبا، لن تجد إدارة بوش من يدافع عنها أفضل من ميركل وساركوزي في وقت كان فيه رفيق الإدارة الأميركية المقرب توني بلير يدفع دفعًا إلى التقاعد، ويجيء خلفه براون الذي يمر بعدة تقلبات لم يعرف بعد إلى أين يمكن أن تصل في ما يتعلق بعلاقاته مع أميركا. وبدأ براون يرسل إشارات متضاربة إلى واشنطن جاهدًا إلى أن يثبت بصورة قاطعة أنه لا يشبه سلفه من ناحية الولاء المطلق إلى واشنطن.

وفي هذا الإطار، فإن ميركل وساركوزي يقودان الانجراف القاري الأوروبي إلى أميركا بشكل أكثر من براون الذي قرر هذا الصيف على غير عادته أن يقضي عطلته على الشاطئ الانكليزي للتشديد على هويته البريطانية، على الرغم من أنه كان يقضيها فيما قبل في كيب كود الواقعة في ولاية مساشوسيتس.

وفي ظل رغبة روسيا العارمة العودة إلى ذاكرتها السوفيتية القديمة، بعد أن كانت قطبًا ثانيًا له صوت صاخب في عالم متعدد الأقطاب، فإن أطرافًا أوروبية كبيرة ترى أن أميركا هي الضمانة الوحيدة في وجه هذا التنمر السوفياتي المتصاعد.

وكل هذه التطورات الأوروبية تأتي في وقت تحاول الرياض فيه منذ سنوات النأي بنفسها عن التحالف الوثيق مع الولايات المتحدة بسبب فشلها الذريع في العراق. وهو شبه انفصال بعد تولي الملك الجديد زمام الحكم الذي أنهى بعده الوجود الأميركي في بلاده بشكل كامل.

وإزاء ذلك، فإن الرياض لديها مجال أكثر خصوبة في التعامل بنمط جديد مع قارة جديدة. وإدراك أن الأمور تغيرت بشكل يكاد أن يكون جذريًا، خصوصًا وأن المملكة الراسخة في عمق الصحراء تسبح في محيط من المتغيرات، إذا شهد الجوار تغيرًا كبيرًا في الرؤساء، على الرغم من أن بعض السياسات ظلت ثابتة، وقد تغير من حولها. إنها مملكة تعوم على النفط والمتغيرات المجاورة.

لقد مضى جاك شيراك وهيلموت كول و جيرهارد شرودر وتوني بلير وبرلسكوني إلى الرماد وجاءت أوروبا جديدة .. أوروبا عجوز برؤوس شابة، وما على الرياض سوى أن تتحرك مع الشباب بلياقة بدنية أكثر.