جائزة نوبل للأدب...هل طغت عليها السياسة أم القضايا الإنسانية؟
كانت جائزة نوبل للأدب تعطى في السابق للقارة الأوروبية فقط ولم تتوسع لتشمل العالم كله إلا في منتصف الثمانينات من القرن العشرين بعد أن لاقت الأكاديمية السويدية التي تمنح هذه الجائزة انتقادات حادة لجعلها من جائزة نوبل شأنا أوروبيا. والمتتبع لجائزة نوبل للأدب يلاحظ أن عدد الذين حصلوا عليها هم 75 من أوروبا و 27 من خارج أوروبا بينهم 10 من الولايات المتحدة الأميركية. إي أن عدد الذين حصلوا على هذه الجائزة من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية 85 أديب بينما حصل عليها 17 أديباً فقط من بقية دول وقارات العالم، بينهم نجيب محفوظ من الدول العربية عام 1988. وكان حظ النساء من هذه الجائزة قليلاً جداً مقارنة بالرجال إذ حصلت 10 نساء فقط على هذه الجائزة منذ تأسيسها عام 1901.
ويتبادر إلى الذهن العديد من الأسئلة المشروعة: أين هو موقع الأدب العربي الذي لم يحظى بالجائزة سوى مرة واحدة؟ هل يمر الأدب العربي بفترة احتضار أم أن هناك سياسة إقصاء وتمييز جغرافي وثقافي؟ أين هم أدباء العرب كمحمود درويش، وأدونيس وآسيا جبار ؟ أين هم أدباء قارتي أفريقيا وآسيا؟ لماذا لم تحصل الهند في تاريخها على هذه الجائزة؟ هل يتمركز معظم أدباء العالم في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ويندرون في بقية أنحاء العالم؟ أغلب الجوائز التي سلمت كانت من نصيب أدباء يكتبون باللغة الإنجليزية والفرنسية، وأين نصيب اللغة العربية من هذه الجائزة؟ اتجهت أنظار الأوساط الأدبية في الأيام القليلة الأخيرة نحو أدباء كثيرين من بينهم أدباء عرب كالأديب العربي السوري أدونيس والأديب الفلسطيني محمود درويش والأديبة الجزائرية فاطمة الزهراء ايماليون المعروفة باسم آسيا جبار التي تكتب باللغة الفرنسية، كان يتوقع أن ينال أحدهم الجائزة لهذا العام لكن خابت تلك التوقعات وذهبت الجائزة لتحط رحالها في تركيا المتمرجحة بين الشرق والغرب.
كانت جائزة نوبل لهذا العام من نصيب الأديب التركي من أصل أرميني أورخان باموك. بالطبع لم يخفي الشارع التركي فرحته بخبر تسلم أول تركي لجائزة نوبل للأدب، لكنه يتساءل عما إذا كان استحقاق أورخان باموك هذه الجائزة العالمية نتيجة لمواهبه الأدبية أم لمواقفه السياسية. أورخان باموك أحد أكبر الروائيين الأتراك ينحدر من أصول أرمينية ومعروف بمواقفه المعارضة للحكومة التركية كونه يعترف بمجاز بلده، تركيا، ضد الأرمن في الحرب العالمية الأولى. وكان قد صرح مؤخراً في أحد مقابلاته قائلاً: quot; قُتِل مليون أرميني و30 ألف كردي على هذه الأرض، ولا يجرؤ أحد غيري الحديث عن هذا الأمرquot;. وقد نال باموك جائزة نوبل عن أعماله الأدبية منها quot;الثلجquot; وquot;اسمي الأحمرquot; وهي رواية غلب عليها الطابع السياسي في قضية الهوية المفقودة لتركيا ذات الثقافة الممزقة بين الشرق والغرب. ومما أثار الشكوك حول أسباب حصوله على جائزة نوبل هو تزامن إعلان الجائزة في يوم الخميس الموافق 12 اكتوبر 2006 مع تبني البرلمان الفرنسي لمشروع قانون يقضي بإدانة كل من يُنكِر مجازر الأرمن من قِبل الأتراك خلال الحرب العالمية الأولى. فهل هي الصدفة التي جمعت بين تزامن هذين الحدثين أم أن هناك شيء ما قد يحدث من وراء الكواليس؟ لقد أثار مشروع القرار الفرنسي مشاعر الغضب لدى الحكومة والشعب التركي كون أن فرنسا اتخذت هذا الإجراء في الوقت الذي لم تعترف فرنسا نفسها بالمجاز التي ارتكبتها في الجزائر خلال فترة احتلالها التي امتدت 132 عام. وإذا أصبح المقترح الذي صوت عليه البرلمان الفرنسي قانوناً ساري المفعول فإنه سوف يحد من حرية التعبير في هذا البلد المعروف ببلد الحريات وحقوق الإنسان، وهو ما تتخوف منه الأوساط الثقافية والأدبية ونشطاء حقوق الإنسان والإتحاد الأوروبي لأن هذا القانون في حال المصادقة عليه سيخول للسلطات الفرنسية معاقبة كل من يُنكر حدوث مجازر للأرمن. كما أن هذا القانون سوف يثير التوتر والكراهية بين الأتراك والأرمن حتى في تركيا نفسها التي تحتوي على أقليات عرقية كثيرة منها الأرمن والأكراد. وإذا كان ما يردده البعض صحيحاً من أن باموك قد نال جائزة نوبل لمواقفه السياسية التي يعبر عنها في رواياته فإن هذه الجائزة قد اتخذت منحاً آخراً غير الذي خصصت له وهي بذلك تشجع الأقليات والمعارضين للحكومات في بلدانهم. لكن الأدباء يرون ذلك من منظور آخر، فهم ينحازون إلى قضايا الإنسان بمختلف ثقافاته وأعراقه وألوانه ولغاته، وبطبيعة الحال يكون انطلاقهم أولاً من واقع بيئتهم المحلية والإقليمية مهما صاحب ذلك من مواقف ينظر لها من منظور سياسي.
وبعيداً عن الأسباب التي أدت إلى حصول باموك على هذه الجائزة، لا بد لنا أن نرسي الرحال ونوافق الآراء حول مكانته في الأوساط الأدبية العالمية. وبالطبع فإن الجائزة قد ولَّدت قدراً ضخماً من الدعاية ليست لأورخان باموك فحسب بل أكثر منه لؤلئك الذين لم يحالفهم الحظ في الجائزة أو تجاهلتهم الأكاديمية.
عبدالغني الحاجبي
باريس
التعليقات