توزعت إهتمامات العالميين العربي والإسلامي هذا الإسبوع منquot; كوبنهاجنquot;الى الأراضي الفلسطينية، ففي العاصمة الدينماركية التى بدات تعصف بها أجواء معاداة الإسلام ndash; كما وصفها الرئيس الامريكي بيل كلينتون- بدا إعلاميوا الصحيفة ndash; سيئة الصيت- تلك في الدفاع عن انفسهمبطريقة أقل ما يقال عنها quot; انها مكابرة بخسةquot;، او كما وصفها أحد الإعلاميين العرب بـ quot; العذر الاقبح من الذنب ذاتهquot;..،

اما في غزة ورام الله والقدس وسائرالمدن والقرى الفلسطينيةفالحديثلا يتوقف عن تداعيات الإنتخابات التشريعية الاخيرة التى افرزت فوز حركة quot;حماسquot; بمعظم المقاعد النيابية.. وبالتوازي مع ذلك يعبر العالم باسره عن قلقه لهذه النتيجة غير المتوقعة، لكن الادهي من كل ذلك هي الاقاويل التى إنتشرت مع إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس تكليفه لحماس بتشكيل الحكومة..

حيث تم تجاوز كل التحديات الحقيقية التى ستشكله حكومة حماس في مسار التسوية ومستقبل السلام بالمنطقة بأسرها للحديث عن قضايا إنصرافية مثل نية حماسquot; فصل الصبيان عن الشابات في المدارس الفلسطينية، وعن فرض الحجاب، الخ quot; وكأن تلك الشكليات والكليشهات هي عصب المشكلة في الشرق الأوسط، أو كأن إختلاط الجنسين في المدارس سيحل كل قضايا المنطقة وأنه التحدي الاكثر اهمية الذي يواجه الشعب الفلسطيني؟

في حديثه لقناة quot;السي ان انquot; ألإخبارية الامريكية- والذي وصف بانه حديث غير معهود ndash; من القيادي الفلسطيني من حركة حماس quot;محمود الزهار quot; الذي عبر عن قناعته بإمكانية إقامة هدنة طويلة ألامد مع إسرائيل وفق شروط معينةوالتى اجملها معظمها في الإنسحاب الفوري من الأراضي المحتلة في عام1976-وهو موقف مستحدث من حماسالتى ظلت تطالب بفلسطين التاريخية من البحر الى البحر-، قال الزهار في رده على سؤال يتعلق بما إذا كانت حركته تنوي تركيز نظام ثيوقراطي يفصل البنين عن البنات في المدارس بدلا من نظام مدني بالقول quot;هل تعتقدون أنّ النظام المدني.... يخدم أي أمة؟، مؤكدا في ذات الوقت ان النظام المدني وفق الشروط المشار اليها quot;ينشر الشذوذ ويسمح بالفساد وينشر أمراضا مثل الإيدز..quot;

وهنا ليس بوسعي سوا ان اضع مزيدا من علامات الإستفهام لإدراك ما معني هذا الكلام ولماذا الإمعان في مثل هذه المسائل في الوقت الذي توجد فيه قضايا أكثر تعقيدا وأهمية لم تحظي بهذا المستوى من الإهتمام والتركيز، فحتى دراسة إتجاهات الرأي لدى الاغلبية العظمي من الشعب الفلسطيني التى تبدلت بشكل راديكالي في هذا الإستحقاق التشريعي الاخير لم تحظي بالدراسة الكافية والإهتمام المطلوب، بل تم الإنصراف نحو تحميل المسئولية لدوائر معينة داخل فتح او السلطة..وشاهدنا تقاذفا غير شريفا وإصطياداماكرا في المياه الفتحاوية العكرة..

الحديث ألاهم هو لماذا هذا الإتجاه الراديكالي الذي ظل يتبلور لدي الشعوب العربية؟، لماذا يحقق المحافظون الجدد في الخارطة الممتدة من المحيط الى الخليج مزيدا من التقدم بينما تتراجع التيارات الديمقراطية والليبرالية، والامر ينطبق ايضا على التيارات اليسارية والقومية؟، لماذا هذا الإقبال العارم على الاحزاب الثيوقراطية على حساب الاحزاب العلمانية المدنية؟ وهل هناك ثمة دراسات أكاديمية نزيهة تجيد حل طلاسم الاسئلة التى تشغل النخبةحولتنامي التيارات الدينية التى اضحت في موقع متقدم من اجهزة صناعة القرار، في مصر حيث حصل الاخوان على نسبة مقدرة جدا من مقاعد مجلس الشعب (85 مقعدا)، والعراق الذي حقق فيه التيار الديني (الشيعي ) اغلبية المقاعد، وصولا الى فلسطين،و حماس التى انتقلت من رأس المعارضة والمقاومة الى رئاسة الوزارة وتسيير السلطة..

والأمر هنا لا يتعلق بالجانب السياسي فحسب بل بكافة جوانب الحياة، حيث ستنعكس كل السياسات والتشريعات علىمختلف ميادين الحياة المدنية إقتصادا، وإجتماع، وثقافة، وسياسة، وتعليم..الخ

ولعل من ابرز تلك الواجهات ما إشترطه أديب نوبل الكبيرquot;نجيب محفوظquot; قبل إعادة نشر روايته المثيرة للجدل quot; اولاد حارتنا quot; بعد ما يقارب على عقدين من الزمن من حصولها على الجائزة العالمية، وهو شكل جديد من التعاطي مع إفرازات الصندوق الإنتخابي الذي اضحى أكثر نجاعة من ذلك السكين المسلول الذي وجه لرقبة الإبداع قبل ان يلامس رقبة محفوظ في ذات ليلة ظلماء وهو يتجول في عاصمة الإبداع العربي التى كتب فيها وعنها أهم روائع الادب الروائي العربي واكثرها شهرة وصيتا.

أما في quot;كوبهاجنquot; التى وصل اليها المد الراديكالي المتطرف مداه لم يجد إعلاميوا دولة تدعي المدنية المطلقة طريقة يقيسون ( يختبرون)بها الاقليات في مجتمعهم المتعدد ومدى تجاوبه مع الحرية سوا الإساءة لاكثر من مليار مؤمن عبر المعمورة من خلال رسوم quot;كاريكاتيرية quot;، تصوروا ان رئيس القسم الثقافي لتلك الصحيفة الدنماركية يتحدث بكل بجاحة وصفاقة ان ما قمت به صحيفته كان quot; مجرد إختبار لقياس مدى تجاوب الرأي العام..quot;، وبعيدا عن الإحراج الذي تعرض اليه الضيف من قبل المستضيف في احدى الفضائيات العربية، حيثلم يترك لضيفه اي سانحة للهروب إلى الامام،.. فإنه من الواضح ان الصحيفةلا تزال تتخبط في وحل أخطائها حيث أنها ولجت للمعركة دون أن تضع أية حسابات دقيقة لردة الفعل المحتملة من قبل الشعوب العربية والإسلامية.

ولا ادري ما الذي يدفع صحيفة تدعي الحرية ( والحرية حسب تعريفهم تتوقف عندما تصل الى حدود الآخريين)ان تتبع هذا النهج المسيئ أخلاقيا و مهنيا اليها والمضر بمصالح وطنها الذي عاش مسالما بعيدا عن الإهتمامات الدولية منكفئا على ذاته، منتجا لبعض منتجات الألبان ومشتقاته، مريحا مستريحاوممارسا حق الحياد في القضايا السياسية الساخنة في الساحة الدولية، الى ان خرجت علينا ملكته في العام الماضي في اول حملة( عنصرية) منظمة ضد احدى اقليات شعبها، محذرة من مستقبل تواجد quot;المسلمين في مملكتها quot; الديمقراطية جدا (..).

إذا نحن في شكل آخر من الراديكالية المحافظة التى تقصي الآخر منطلقة من أسس عقدية تتناقض تماما مع ما تدعيه الدولة من مدنية وإنفتاح سياسيوحرية فكرية وعقائدية..

فهل نحن مقبلون على عالم جديد يسير بسرعة إضطراديةنحو الخلف، بكل ما تعنيه المفردة من معاني التقهقرالفكريوالسياسي مبدئا وتطبيقا ميدانيا؟ وهل نحن بحاجة الى ثورات وحروب جديدة لإعادة إنتاج المفهوم المدني للدولة كجهاز بيروقراطي، وللحرية كقيمة عليا ومكسب لا يمكن تجزئته، والذي تحقق عبر قرون من النضال الإنساني المتراكم؟؟

محمود ابو بكر