يبدو أن كرة الثلج التي بدأت تتدحرج من الدانمارك أخذت تكبر لدرجة أنها ستمر على كل دول العالم أو على الأقل ستقسم العالم الى فسطاطين وهما إما أن تكون مع حرية الرأي أو تكون ضد حرية الرأي ولكن هذه العبارة هي كلمة حق أريد بها باطل وهنا تعود الضبابية لتطغى على العقول لتنذر بشبح حرب كلامية ستأخذ مسار الحرب الباردة ولكن هذه المرة بين العالم الإسلامي وباقي دول العالم ولو عبر الشبكة العنكبوتية والتصريحات الصحفية والإعلامية والتصريحات المضادة.
وبداية القصة تعود للخاتم من سبتمبر هذا الشهر الذي يبدوا أن مصائب العالم تبدأ عنده فما أن إنتهينا من أحداث الحادي عشر من سبتمبر وفواجعه وويلاته ولم ننته من آثاره والفاتح من سبتمبر وقيوده وأيلول الأسود وذيوله، والخاتم من سبتمبر وأثره على الإقتصاد وركوده، والنهج الإسلامي ومن يعترض على أهم بنوده ليفيق العالم من سباته وكأنها صحوة إسلامية جديدة بعدما تعرض مقام خاتم النبيين محمد صلى الله عليه في الرسم الكاريكاتوري الذي نشر في صحيفة دانماركية إسمها quot;يولاند بوسطنquot; التي تبعتها العديد من الصحف التي تريد الشهرة ولو على حساب مقام الأنبياء والرسل.
فأي حرية للرأي هذه الذي يتحدثون عنها ومن السخرية القول أن العالم أشبه بقطيع غنم يتأثر بعواطفه ولايتدبر بعقله في كثير من مجريات الأحداث التي تمر بالشعوب ولهذا عندما ترغب الشخصية الكاريزمية أن تؤثر في الناس فما عليها إلا أن تلعب بعواطفهم وتحيد العقل فتختار من القول شعارات تدغدغ المشاعر، وبدأت تتفاعل القضية بشكل شعبي يحرك مشاعرها حبها لدينها وعقيدتها ورسولها ولكن هذا الحب هو من باب دغدغة العواطف التي أشبه ماتكون كالنار في الهشيم عندما تذروه الرياح.
ومنذ اللحظة الأولى التي تم نشر هذه الصور، طالب العديد من العلماء المسلمين بمعاقبة الصحيفة الدانماركية بالإعتذار وفرض عقوبات رادعة على كل من شارك في هذا العمل المشين، وبدأت الجهود الدبلوماسية لحث الحكومة الدانماركية لإتخاذ موقف واضح مراعاة لشعور المسلمين ولكن قوبل ذلك بالرفض بداية وعلى لسان رئيس الوزراء بإعتبار أن ذلك الذي نشر في الصحيفة المذكورة أعلاه يعتبر من حرية الرأي وإن إتسمت بالحقد والسوداوية والنظرة الخاطئة عن نبي الإسلام والمرسل للناس كافة.
وبدأت بيانات الشجب والإستنكار من المنظمات والجمعيات الإسلامية والعربية في الدانمارك، تعبر فيه عن غضبها الشديد مما نشرته الصحيفة لرسومات متخيلة ومشوهة تُزعم أنها للرسول الأعز الأكرم صلوات الله وسلامه عليه والتي تظهر شخصا على رأسه عمامة على شكل قنبلة وبيده خنجر وخلفه امرأتان منقبتان وهي بداية الحرب الكاريكاتورية التي حتماً تؤذي المشاعر وتزيد من الإحتقان وربما ستؤدي الى بداية حملة عنصرية للتطهير العرقي لتشمل مائتا ألف مسلم يشكلون 3% من إجمالي عدد السكان في الدانمارك.
ويُعد الإسلام ثاني أكبر ديانة بعد المذهب الإنجيلي اللوثري ومع ذلك فإنهم يعانون من التجاهل ونقصان الحقوق لدرجة منعهم من امتلاك مسجد كبير، وينظر كثير من الناس لهم بعنصرية بغيضة تعمل على تهميشهم وعدم الاستعانة بهم في الأعمال وهو ما يزيد من غربتهم وشعور بعضهم - أو قل أكثرهم - بالاضطهاد وعدم الانتماء للمجتمع ويرزحون تحت وطأة البطالة في الدانمارك.
وبعد الإطلاع على معظم المقالات التي عبر كتابها عن وجهات نظرهم المختلفة ومنهم من إعتبر إن التهجم على شخص النبي يأتي في سياق الحرب على الإسلام وهي إسقاط لمايدور في خيال الحاقدين على الإسلام ويريدونها أن تكون حرب في سلسلة الصراع الطويل الذي يمارسونه منذ فجر الإسلام قال تعالى } ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا {[سورة البقرة: 217].
الرسومات التي وردت في الصحيفة الدانماركية قد مست كرامة ومشاعر المسلمين بالتجني على رسول الله وفي السياق نفسه نجد أن المسلمين تعرضوا للأذى والإهانة في كثير من الدول وفي بلادهم ولسنا هنا بصدد ذكرها أو تعدادها ولكن للتنويه فقط.
الصور التي نشرت صورت نبي الهدى وكأنه زعيم الإرهابيين في نظرهم، ويعتبر الإسلام في نظر العديد من وسائل الإعلام لديهم هو المعنى اللغوي الرديف لكلمة الإرهاب، والجماعات الإسلامية هي منظمات إرهابية كما يحلوا لهم وصفها، ولهذا فإنهم يخوضونها حرباً دينية ولكنها تحت شعارات إنسانية وبمسميات جديدة.
لقد إستفحلت المشكلة وأخذت جوانب متعددة ولكن المهم هو كيف نحتوي آثارها ونعالجها قبل أن تفلت من يد العقلاء ويتحكم فيها من يردد القول كالببغاء، فهل نحن بحاجة الى مؤتمر دولي ليناقش هذه القضية؟ أو تعرض على المحكمة الدولية وهيئة الأمم؟ لإيقاف مثل تلك الإهانات بحق الشعوب والدول الإسلامية ويترافع فيها نخبة من دعاة حقوق الإنسان ودعاة السلم العالمي.
هذه القضية ينبغي عدم التهاون فيها سواء نوقشت بشكل مستقل أم من خلال مؤتمرات الحوار والتقارب بين الأديان، ونتجنب العنف في الفعل ورد الفعل وليكون الجزاء من جنس العمل وأن لاتزر وازرة وزر أخرى لان الدين الإسلامي هو دين الرحمه والانسانيه، ويتسم بالعقل والعقلانية ويبتعد عن الغوغائية وطالما أن هناك شخصيات يهودية ومسيحية دينية وعلمانية في الدانمارك قد أدانت تلك quot;الإساءاتquot; فلابد من أن نستفيد من هذا التقارب، ومادام قد أكد القساوسة في الدانمارك مجتمعين رفضهم لكل إهانة أو مساس بالأديان السماوية أو بالأنبياء والرسل فينبغي أن تكون المدخل ليتم الضغط على الجماعات المستهينة من عقلائهم ورهبانهم وقساوستهم.
وإذا كانت الأمم المتحدة هي منظمة وهيئة يعترف بها وبقرارتها جميع الدول فلنأخذ بالحجة ونطالب بتفعيل قرار الأمم المتحدة بخصوص حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ( بتاريخ 3/3/1426 هـ - الموافق12/4/2005 م ) الداعي إلى محاربة تشويه الأديان، لاسيما الإسلام، الذي زادت وتيرة تشويهه في الأعوام الأخيرة وللأسف الشديد، ولنتلمس الطريق السليم في التعامل مع هذه القضية، ولندعم رئيس لجنة الدفاع عن النبي في الدنمارك الذي حذر من انفلات الحوار الحضاري.
ولندعم أيضاً اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء التي بادرت وكوّنت فريقاً من المحامين الأمريكيين والدنماركيين، لاستئناف قرار الرفع للمحكمة الفيدرالية، الذي يهدف إلى مقاضاة صحف دنماركية نشرت رسومات كاريكاتورية تسخر من النبي محمد صلى الله عليه والسلام، كما ندعوا الى مؤتمر دولي لنصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم، على غرار المؤتمر الدولي لمحاربة الإرهاب، ولندعم أي حملة ترعاها جهة رسمية إسلامية للمطالبة بحقوق المسلمين في جميع أنحاء العالم.
كما ندعوا الى دعم وتفعيل الدور الذي تقوم به منظمة المؤتمر الإسلامي طالما أن هناك تأييد إسلامي شعبي يمكن من خلاله أن نحول المحن الى منح والمصائب إلى عمل صائب، أعلم أنني قد أتيت متأخراً للكتابة في هذا الموضوع، ولكن: أن تأتي متأخرا، خير من ألا تأتي أبدا، فإنتصروا لنبيكم ولأمتكم فالأمة التي لاينتصر لها تبقى مهزومة.
مصطفى الغريب
شيكاغو
التعليقات