مجموعة من الكتـّاب والفنانين والمبدعين المسرحيين وغيرهم من المنتسبين إلى عالم الجماليات لم تمنعهم الضربات المتتالية على أصابعهم من محاولة غمسها في ما تبقى من طبق الحضارة الذي لوثته أيدي الساسة، يسعى الكثير من هؤلاء الخارجين على عرف الدولار والدرهم إلى الارتفاع عكس الجاذبية في محاولات يائسة للتواصل ولمس الإنسان المتحضر فينا من خلال الإبداع وترجمته بكل إشارة ممكنة ليصل إلى فضاء الآخر الذي لا يختلف عنا في شيء لأنه هو أيضاً يرتدي تحت جلده نفس شبكة القلق التي نرتديها.
لكن السياسة التي يمسك بخيوطها بعض الجشعين دفعت بالبعض إلى عدم الاكتفاء بالاعتداء على الأرض، والحدود والثروات الطبيعية، بل تمادوا في غيهم بالاعتداء على وجه الفن والآداب، بل والاعتداء على نافذة الفرح الوحيدة التي يطل منها الموصومون بالقهر، وذلك بفرض الوصاية علينا وتحديد ما يجوز وما لا يجوز لنا الاطلاع عليه.
هناك تواصل بيني وبين زملاء مبدعين من أدباء ومترجمين من دول مختلفة، نعمل على تهريب الأدب ونتعاطى تذوق الفنون، ونعمل على إفشاءها مثل السلام، لكن الساسة يتعاملون مع لغة الأدب مثل الجرب الذي يجب التطهر منه والابتعاد عنه لأن الكلمة قد تؤثر على سلاسة تنفيذ قراراتهم الجشعة في التوسع على حساب الآخرين خشية أن تحل الكلمة مكان الرصاصة فيختل ميزان الجيوب المنتفخة على حساب آلام البسطاء القانعين بالمجاني من المسرّات.
كنت قد تبادلت المواد الأدبية مع زميل ايراني يتعاطى الشعر والأدب مثلي ويعمل على نشرها، وفي رد على جهد إحدى المواد التي أرسلتها له.. أرسل يقول لي: أشعر بالأسف الشديد لأنني لا أستطيع أن أنشر أي شيء يتعلق بأدب الكاتب العالمي الإيرلندي الشهير جيمس جويس لأن نشر أعماله محظور من قبل وزارة الفن والثقافة الإيرانية وأن أديباً ايرانياً اسمه باسم بديعي كان قد حاول نشر مادة له من قبل لكن المادة حظرت من قبل الجهات الرسمية. فأرسلت مادة أخرى لأديبة ايرانية مشهورة جداً في المهجر، فأرسل يقول أن لا أحد في إيران يعرف عن عطاءها لأن أعمالها ممنوعة أيضاً من التداول في البلاد.
هذه الحادثة ليست غريبة علينا إذ أن الوطن العربي يزخر بعدد هائل من المواد الممنوعة من التداول، وفي كل معرض كتاب ترتفع أصوات المثقفين بالاعتراض على منع تداول بعض المواد حتى أصبحت ظاهرة الحظر هي أحد أهم مظاهر الفعاليات. يظن هؤلاء الأذكياء أن حجب المادة عن التداول في الأسواق سيمنع من تسرب روائحها، ولا يعلمون ان الموصومين بارتكاب الثقافة لا يحد من ولعهم شيء. إذ يتسلق بعضهم أسوار الممنوع، ويجمع المواد في خزانة ذاكرته ليعيد توزيعها على المدمنين أمثاله، وآخرين دخلوا عالم الاقتراض الميسّر وغير الميسّر ليحصل على ثمن مادة، وتمادى البعض إذ هجر الحياة الاجتماعية وانكفأ في صومعته ليمارس شم الأوراق الصفراء.. ما يميز هؤلاء.. جيوب مخرومة.. وحالات يصعب الاستشفاء منها. نطالب من الجهات المختصة الرحيمة أن يدعونا وشأننا، إذ لا ليس من العدل أن نعاني الفقر وقلة الكيف. غضوا الطرف عن حماقة تعاطينا للثقافة، واغفروا لنا معصية نظم القصيدة وارتكاب إثم الكتابة.

إقبال التميمي

[email protected]