إن قوم بلاد نجد والحجاز وإن كان فيه عنف في بعض تاريخه كوهابيين عند حربهم مع آل الرشيد إلا أن السعوديين وخاصة الحجازيين لهم ذكاء فكري خارق، ذكاء صافي صفاء سماء الصحراء، إلا أنهم يحملون شخصيات عكست عليها برودة الليالي القارية مع توهج الشمس المحرقة نهاراً. رجالهم يملكون صفات متميزة عن الغير ويكفي ان تكون مدينتهم مكة نقطة انطلاق نور الاسلام وأن تكون نقطة انطلاق للثورة العربية أيام الملك حسين في 9 شعبان في العشرينيات من القرن الماضي، السعودية حتى أعدائها ومن لا يؤمن بخط سيرها السياسي عاجزون عن نكران الوزن الثقيل الذي تملكه وثقل وعمق وعائها النفطي وأنها تطوف على بحيرة من النفط مما ساعد قادتهم على استعمال هذه القدرات النفطية والسياسية وغيرها لمصلحة الدول العربية وخاصة القضية المركزية قضية فلسطين.
لا يمكن أن يتجاهل أهل القدرة والغيرة العربية على ما سار عليه السعوديين من خطوات وكيف أنها تصب في صالح الحس العربي الوطني مع توسم السعوديين أن يحققوا مصلحة السعودية من خلال هذه القدرات التي تصب أخيراً في مصلحة السعودية من خلال مصلحة العرب، ومثال ذلك أن السعودية تحاول أن تركز جهودها في ترتيب الاستقرار في العراق حتى لا تسري الفوضى والطائفية الى ربوع بلادها، إن السعودية وإن تحوي في أراضيها محج المسلمين وقبلتهم إلا أنها تنظر الى الانفتاح الى الخارج العالمي وتحاول عدم التزمت في التمسك بالدين على الطريقة الطالبانية، وأنهم أخذوا فعلاً يدرسون تقليل عمل الفرق التي تحمل العصي لضرب كل من يمتنع عن أداء الصلاة في وقتها في المحال العامة، وفي السعودية أيضاً في الوقت الحاضر نوع من التململ ضد البذخ الذي عليه أولاد وأحفاد المؤسس الأول للسعودية، وهناك محاولات لابعاد هذا التململ وهذا الظن الواقعي.
وهذا اليوم كيف يريد العراقيون عامة والمدن المتاخمة للحدود السعودية وعلى وجه التخصيص البصرة أن تتعامل السعودية مع واقعهم المرير، نحن اذا رجعنا الى واقع أن العراق كل العراق وكل سكانه باستثناء غير العرب من السومريين والأكديين والبابليين وهم أهل الحضارات التي سبقت موجات الهجرة العربية من السعودية نجد أن الكثرة الكاثرة من العراقيين ينتمون بالأصل الى الوطن الأصل السعودية سواء أكانوا اسلاماً أو مسيحيين، والاسلام أيام هجرة هذه الموجات لم يكن فيهم من يغالي بتشيع أو تسنن بل إن هذه الموجات كانت حتى قبل نشوء المذهب الوهابي، لقد جاء العرب العاربة وانتشروا في الجزيرة العربية من باطن بؤرة هي نقطة الانطلاق التي انبثق منها الاسلام وولد فيها الرسول محمد ( ص ) فلا اسلام الا من مكة ولا مهاجرين عرب للعالم كله وللعراق خاصة الا من السعوديين، لذا نجد أن روابط وجذور العراقيين بالمملكة العربية السعودية روابط تاريخية وهي روابط دم ونسب، حتى لدرجة ان العشائر التي تعيش متاخمة للحدود هي عشائر مشتركة يحمل أفرادها الجنسيتين وبعضهم يحمل ثلاث جنسيات ( الكويتية، السعودية، العراقية ) وأن معظم الناس سواء في الكويت أو السعودية أو العراق لهم اعمام أو اخوال في الجانب الآخر، فكثير من العوائل العراقية إما خوالهم أو أعمامهم من السعودية وكذا السعوديون.
إن الحكومة السعودية وحكومة الملك سعود بالأساس، لم يقف يوماً ضد أي طلب تجنس جاءه من عرب البصرة وخاصة من مدينة الزبير أو أبو الخصيب، وأنا من عائلة قبورها في الزبير ومسكنها في الخصيب لأربعة قرون، والكثير منا يملك الجنسيتين العراقية والسعودية، لا أستطيع أن أجزم أنا وغيري أن هناك هجرة قوم من بني فارس من الجارة ايران قد قدمت الى العراق، هناك بعض العراقيين العرب تفرسوا وأخذوا الجنسية الايرانية لأسباب كثيرة منها الهروب من الخدمة العسكرية الالزامية أيام فيصل الأول أو انتمائهم الى مدارس دينية في الحوزة في النجف الأشرف أو في قم مما يتطلب امتلاك جنسيتين أو إن ظروفهم حتمت عليهم أن يعيشوا في ايران، وإن طغت أسمائهم الفارسية على عوائلهم العربية، ولو أجرى المنصفون احصاءً بعدد العوائل التي تدل أسمائهم أن لهم أصول فارسية لظهر أن معظمهم من أصل عربي.
وللتاريخ حقد الرئيس السابق صدام حسين على شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري وكلف مدير عام المخابرات أن يتحرى عن أصله ويتأكد من أنه يعود الى أصل عربي، ولما كانت السياسة العراقية في ذلك الوقت تحمل لواء العداء للذين هم من اصل فارسي والذين كان يطلق عليهم اسم quot; التبعية quot; وقد نالوا القسوة كل القسوة من النظام البعثي يوم رموهم وعوائلهم وأطفالهم كأكداس من أكياس الرمل على الحدود الايرانية وهم بمئات الآلاف وخاصة الأكراد الفيليين الشيعة، شكلت لجنة كانت تتكون من ثلاثة فيها ابن خال لي يعتبر حجة في الانساب في التاريخ المعاصر واسمع الدكتور عماد عبد السلام رؤوف العطار، وكان صدام حسين شخصياً يتولى نتائج أعمال اللجنة، وكانت دوائر الأمن والمخابرات مصرين على أن الجواهرى وعائلته هي عائلة ايرانية ولا فيها خيط واحد من العروبة، إلا أن التاريخ لا يمكن الكذب عليه، فذهب الدكتور عماد الى اللجنة ورفض التوقيع على اسقاط الجنسية وأصر على أن الجواهري هو حفيد لأحد الشعراء الجواهريين الذي افتخر بأصله وعروبته قائلاً إني ابن نسب وهو فخر لكل الذين يعرفون قدر العرب، وهكذا مثل الدكتور عماد أمام الرئيس صدام وكان مصراً على أن هذا الشعر ينسب لآل الجواهري ومن قال هذا الشعر فهو عربي، أيجوز أن يتغزل فارسي بأصالته العربية، فاقتنع صدام وامتنع عن اصدار قانون تجريد محمد مهدي الجواهري من جنسيته العراقية بل وأكرمه جزيل الكرم.
إن التناقض التاريخي بين العرب والفرس أساسه ليس طائفياً وانما عنصري، فالفرس آريين والعرب ساميين، لذا نجد أن بلاد ايران كانت بالكامل سنية المذهب الى أن جاء اسماعيل الصفوي وعمل على ابدال المذهب بالقوة بحد السيف ومن لا يسب عمر بن الخطاب علناً وجهرا في السوق سيقطع لسانه، اليوم والبصرة صامدة أمام مد طائفي يقال عنه صفوياً أكثر من كونه علوياً، والبصرة مدينة العطاء مدينة الخصوبة والاخصاب.. مدينة التمور، ويعتبر كل بصراوي مخلوقاً يبيض ذهباً للعراق سواء أكان بثروته النفطية أو بتموره أو بأراضيه الخصبة ناهيك عن التاريخ الأدبي العميق والمتميز عن بقية المدن، هذه البصرة يحتضنها شرفاً قومها وأهلها من العرب والبصراويين وكلنا نعرف قليل منهم من حضر شط العرب من مدينة عبادان ليأتي ويسكن البصرة، ولكن مئات الآلاف هاجروا من جنوب جنوب البصرة وهي العمارة والسماوة والمشخاب، هؤلاء أتوا الى البصرة وسكنوها لظروف اقتصادية أو سياسية، ها هي حالة البصرة الاجتماعية، أيجوز لأهل العروبة أن يتركوا العرب في هذه الحالة، وما أقرب العرب من السعوديين وما أحن من السعوديين على العرب، إني كزبيري بصراوي أطلق صيحتي الى أمراء السعودية والسلطة السعودية أن لا يتركونا نغرق في دمائنا وأن لا يتركوا عرب البصرة سنة وشيعة أن يضطهدوا من الغير.
على السعودية أن تبدأ أولاً بتخصيص خمسة مليار دولار لاعمار البصرة التي كانت ضحية توسطها بين نظام صدام والنظام الايراني، وإذا كان وزير الخارجية الايراني قدم مليار دولار لأجل معاونة الشعب العراقي، فليس في قلب هذا الوزير حنان أكثر من أمراء السعودية.
السعودية يجب أن تتبنى كافة الطبابة من مستشفيات ومستلزمات طبية وعلاجية لعلاج أهالي البصرة كما فعلت في كوسوفو وفعلت في مناطق أخرى أصابتها الكوارث الطبيعية وأي كارثة أقصى من الكارثة التي يمر بها البصراويين في البصرة.
يجب على الحكومة السعودية أن تبني جسراً جوياً وأرضياً لتجهيز أهل البصرة بكل طلبات العيش في البصرة وأن ترسل الخضرة الطازجة ما يكفي لأهل البصرة وضواحيها، ما الضير لو ساهم السعوديين والكويتيين في ارسال مئة لوري من الخضر والفواكه الطازجة الى البصرة بأسعار مقبولة، عند هذه الحالة سيجد العرب البصراويين أن هناك حضناً حنيناً ودافئاً يمكن أن يحتضنهم وأن هناك تياراً يستطيع انقاذهم من التغلغل الصفوي الايراني وأن هناك من يستطيع أن يعادل بين النفوذين سيما وأنا الشوط الذي قطعه النفوذ الايراني خلال ثلاث سنوات شوطاً عميقاً ومؤثراً وواسع.
إن الأخذ بهذه الاقتراحات وتبني الخطوات المطروحة لا تأتي فقط لانقاذ الشعب العربي البصراوي بمذاهبه ليشك خط دفاع حاسم ومتميز ضد هذا النفوذ الزاحف، ولعلنا ولعل الغير يستطيع أن يوصل مصلحة العراق والسعودية الى المسؤولية.
المستشار خالد عيسى طه
رئيس جمعية محامين بلا حدود
ونائب رئيس نقابة المحامين العراقيين البريطانيين
التعليقات