رغم إستياء العراقيون من أحزان أخوتهم الليبيون على الدكتاتور الدموي الذي أغتيل طائفيا، فليس لأحد الحق في أن يعترض على حرية الأخرين في الفرح أو الحزن، خصوصا حين تكون هناك مشتركات قوية بين النظامين، العنيد المشاغب المتهور الدموي بإفراط والمقبور بالمعول الأمريكي، والآخر المرن الذكي الذي بادر إلى تجميل وجهه أمام الغرب فقيضوا له أن يستمر زمنا أطول، وأظنه سيتمر طويلا وطويلا جدا، إذ لا بديل عنه إلا الطوفان السلفي التكفيري الذي هو آخر إبداعات هذه الأمة المريضة الكسيحة.
من مبادرات هذا النظام الأخيرة ذات القيمة الإنسانية الكبيرة، ما ورد في الصحف أخيرا على لسان السيد سيف الإسلام، نجل الرئيس القذافي، إثناء زيارته لقطر، من إستعداد حكومته لتعويض يهود ليبيا عن اموالهم التي نُهبت عقب إخراجهم من بلدهم.
حقيقة لم استطع كتمان سعادتي لهذه البادرة الإنسانية السلمية الحضارية العادلة وإن جاءت ممن عودّنا على ظلم كثير.
العدل ايها العرب قوة لمن يتنكب طريقه، وخير العدل وأشرفه ما كان مع الأعداء ( المفترضين ).
والإرتداد عن الخطأ شجاعةٌ والشجاع الحق هو من ينتصر على نوازع الكراهية والعدوان والقسوة في ذاته.
لا اشك في أن النظام الليبي الذي عوّدنا على المبادرات السريعة المرتجلة ( التي لا يخلو الكثير منها من التهور)، لا اشك في أنه سينجح في ترميم هوة كبيرة بين إثنيات شعبه بمثل هذه المبادرة الذكية العادلة الشريفة، وسيعزز فرص العيش المشترك بين العرب كأغلبية وأخوتهم من الأعراق الأخرى كاليهود والأمازيغيين والطوارق وقبائل التيو، مضافا إلى أنه سينال رضا الغرب والعالم كله ودعمهم له بشكل منقطع النضير فيما لو إنه تابع مشوار الإصلاح السياسي الداخلي بالتزامن مع الجهد الفكري والعملي في الخارج لتكسير وثن الكراهية للآخر ( المسيحي واليهودي ).
هو حاجز نفسي وتاريخي وديني ينبغي علينا اليوم قبل الغد أن نتحرر منه، إذا اردنا الإستمرار في العيش مع الآخر في هذا العالم وهذا الشرق القديم العنيد المتوتر.
هي عنصريتنا القومية والدينية التي افضت بنا إلى هذا الخانق الحضاري المرعب.
أخوتنا في المغرب العربي، تونس وليبيا والجزائر وموريتانيا، كانوا منذ سنين عديدة اقرب العرب إلى الصلح مع الإسرائيليين، وأسرعهم إلى تنكب طريق السلام وهذا ما يُحمد لهم ويحسدون عليه، إذ هو يدل على واقعية وبراجماتية وإنسانية وشجاعة لحكامهم كما وشعوبهم ومثقفيهم في المقام الأول.
لقد ظُلم اليهود عبر تاريخ وجودهم في هذا الشرق الذي ولدوا فيه واقصيوا منه عنوة عبر العصور على يد البابليين والعرب والأتراك ووو، لقد ظُلموا كما ظُلم الكورد والأرمن والكلدان والآشوريين والأقباط والبربر والزنج والشيعة العرب وغيرهم، وأمام العرب والمسلمين أستحقاقات ظلم عديدة كثيرة ينبغي المبادرة لتصفيتها إذا أردنا الإستمرار بالعيش الآمن المسالم المتطور في اوطاننا.
لقد اورثنا الإسلام وللأسف تاريخٌ من الظلم الفادح الموجع الذي اصاب أخوتنا سكان الشرق القدامى الذين غزوناهم وورثنا ارضهم ثم ضيقنا الخناق عليهم قروناً وقرونا عديدة، وها نحن اليوم ندفع الثمن في العراق ولبنان وفلسطين والصومال واريتيريا والسودان وسندفعه غدا ولا شك في بلدان أخرى وبأثمان ربما أكبر وأخطر من تلك التي دفعناها لحد الآن.
لا نشك في أن هناك ما هو اكبر بالنسبة للنظام من الهمّ اليهودي، هناك همّ المعارضة والقطاع الواسع من الشعب المُغيب عن المشاركة في السلطة والثروة، ومثل هؤلاء يجب على النظام ( وهو المجتهد منذ بضع سنين على إصلاح حاله وسياسته )، يجب عليه الإلتفات لهم وإشراكهم في حمل المسؤولية السياسية، وإن بحذرٍ وبطء يتناسب مع طول مدة الغياب عن المشاركة.
يجب على النظام الليبي الذي نجح في إنتزاع القبول الغربي والإقليمي، أن يتابع مشوار الإصلاح الوطني الداخلي وتصفية المظلوميات الكبيرة التي اصابت الشعب الليبي الشقيق بمختلف اعراقه.
بادرة الأخوة الليبيون رائعة للغاية وتثير الأحترام والإعتبار الكبير وتعكس واقعية وعقلانية وإنسانية كبيرة نأمل أن يفعلها الآخرون قبل أن تضطرهم صفعات الآخرين لفعلها.
مبروك للليبين شجاعتهم.
مبروك لهم هذه الجرأة التي نتمنى أن تتصاعد وتتعزز اكثر واكثر لتصل إلى مستوى إقامة علاقات دبلوماسية وتبادل للسفراء مع إسرائيل الديموقراطية المتحضرة الواعدة.
وليت الآخرين يتعظون.
ولا يصح في النهاية إلا الصحيح.
كامل السعدون
النرويج -9ك2-2007
التعليقات