حينما يطل الرئيس الأمريكي بوش بطلعته البهية على شعبه ترقص منا القلوب ألماً وحزَناً على ما

كان نظام البعث يشكل تهديداً حقيقياً لدول الخليج العربي وهي من أهم مصادر الطاقة في العالم وبالتالي كانت أطماع النظام البائد ليس فقط إحتلال دولة الكويت أو ضمها كمحافظة ولكن كان يرغب في تشكيل تهديد وسيطرة على مصادر الطاقة العالمية ولهذا هبت الدول الشقيقة والصديقة لإيقاف هذا الخطر، وإستطاعت قوات التحالف من دحر هذا الغازي وتخفيف حدة التوتر وإنهاء التهديد لدول الخليج
سيقوله عن المنطقة ومايدبره لها من مصائب، الغريب في الأمر أنه يرسل الغراب الى المنطقة لينعق بالخراب فيستقبل أحسن إستقبال وتقدم له كل حفاوة وإكرام، هذا الكرم العربي السخي إمتداد لكرم حاتم الطائي.


وبعد كل فشل تمتد اليد الآثمة الى قادة المنطقة لعلها تجد في جعبتها مايعين هذا الغازي على إستكمال مهمته التدميرية في المنطقة، بالأمس القريب روّج لنا بوش كذبته الشهيرة لتدمير أسلحة الدمار الشامل وتحقيق الديموقراطية والرفاهية لشعب العراق ولشعوب المنطقة فإذا به يضرب بأسلحته الشاملة ويدخل من أراضٍ عربية ليحتل بلد عربي، فهل يلدغ المؤمن من جحر مرتين؟.


أدين الإحتلال العراقي لدولة الكويت فإذا بالدولة العظمى تحتل بلد لتفرض الديموقراطية بالقوة على شعوب المنطقة وليتها فرضتها، ولكن فرضت منطق الحرب والإرهاب الذي زادت وتيرته ولو كانت هناك عدالة دولية لحوكم الإبن بوش وأبوه بتهمة القيام بجرائم ضد الإنسانية ولكن يبدوا أن العدالة في هذا العالم ليس لها وجود ولهذا ننتظر عدالة السماء لتقتص من كل طاغية وندعوا الله لتطبيق عدالته على كل من دمر وقتل وهجّر الأبرياء.


نعود الى ما إبتدأنا به وهو الطلعة البهية للرئيس بوش الذي يؤكد في كل حديث عن العراق أنه لايمكن أن ينسحب من هذا البلد قبل تحقيق الأهداف التي من أجلها حشد الجيوش الجرارة الى المنطقة وخسر كل ماخسر من جنود وعتاد وأموال لجلب الديموقراطية للشعوب العربية.
ونود هنا أن نضع تصور لهذه الأهداف ولاندري لعلنا نصيب أونخطيء ولكن سنجتهد لتوضيحها من خلال الإستراتيجية الجديدة التي على مايبدوا أخذت مباركة عربية واسعة، ولاندري هل هي موافقة على تحقيق الأهداف الأمريكية؟ أم من باب مكره أخاك لابطل.


بدأت الحرب الأمريكية على العراق لإسقاط النظام البعثي هناك وإنهاءه وإجتثاث جذوره الضاربة في عمق التراب العراقي وفي ذاكرة التاريخ الحديث، فهذا النظام كان في الواقع يشكل عقبة في وجه الهيمنة الأمريكية على المنطقة، ولأن البعث ونظامه البائد كان يرغب في التوسع والهيمنة أيضاً على المنطقة وثرواتها كان لابد من إيقافه عند حده لأنه تجاوز الخطوط الحمراء التي وضعتها الهيمنة الأمريكية والغربية إبتداء من إتفاقية سايس بيكو الى واقعنا المعاصر.


وكان جزاء هذا النظام الذي إحتل الكويت وعاث فساداً في دولة عربية كان لابد له من عقاب إلهي بأيد أجنبية لتعود الكويت محررة ومستقلة ولكن حب الإنتقام من طبيعة البشر الأمر الذي جعل حكومة الكويت تدعم الغازي الأمريكي بتسهيل مرور جيوشه الجرارة عبر أراضيها لإحتلال العراق وكان هذا عقاب إلهي أيضاً لأنه حارب إيران ثمان سنوات بمساندة ودعم غير محدود من دول كثيرة للدفاع عن البوابة الشرقية للوطن العربي وضد القوة الفارسية المتصاعدة في المنطقة.


كان نظام البعث يشكل تهديداً حقيقياً لدول الخليج العربي وهي من أهم مصادر الطاقة في العالم وبالتالي كانت أطماع النظام البائد ليس فقط إحتلال دولة الكويت أو ضمها كمحافظة ولكن كان يرغب في تشكيل تهديد وسيطرة على مصادر الطاقة العالمية ولهذا هبت الدول الشقيقة والصديقة لإيقاف هذا الخطر، وإستطاعت قوات التحالف من دحر هذا الغازي وتخفيف حدة التوتر وإنهاء التهديد لدول الخليج.


ولكن عقاباً لهذا النظام حتى لاتقوم له قائمة فرض عليه الحصار لعقد من الزمان حتى يضعف ويصبح فريسة سهلة لمن يريد أن ينقض على العراق وخصوصاً الأسد الجريح بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، والقوة العظمى الوحيدة في هذا العالم والتي كانت تخطط لإحتلال العراق وحل البعث وإقامة قاعدة دائمة لها هناك لحماية مصالحها.

وبدأت تروج لإمتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل ومنظومة صواريخ بعيدة المدى فكانت الكذبة الممجوجة التي لم يصدقها أحد، وبدأت تظهر للكثير من المحللين والمتابعين لأحوال المنطقة أن هدف القوة العظمى أن تمارس نفس الأدوار الإستعمارية التي كانت تمارسها بريطانيا العظمى في المنطقة وفي باقي دول العالم.


إن أهمية إبقاء الصراع في المنطقة لتأكيد السيطرة الأمريكية ولمنع أي من الدول في المنطقة لإمتلاك أسلحة دمار شامل دفاعاً عن مصالحها ومصالح إسرائيل حتى وإن أدت هذه الحرب إلى إمتداد للحروب الصليبية التي إنتهت منذ زمن بعيد.


ولكن الأحفاد يريدون أن يعيدوا سيرة الأجداد ولقد نطق بها بوش ولكنه تراجع، المهم أنه أوصل رسالة لكل من إستمع إليه، وبهذا التصريح قد أرضى رغبات وطموحات اليمين المتطرف والمسيحي المتدين وقال إنه يقود حرباً بأمر من الله لتحقيق العدالة في هذا الكون.


وجاء الغزو لتنصيب حكومات موالية له ولأهدافه ولن يرغب في الإنسحاب قبل أن يطمئن الى أنه حقق أهدافه لفرض الديموقراطية التي إعترضت عليها جميع دول المنطقة بأن تأتي الديموقراطية بالقوة أو تفرض عليها فرضاً ولهذا بدأت فكرة الحوار والإصلاح تنطلق كنغمات تتلهى بها جوقة العازفين لسيمفونية السلام والأحلام، ووجدت المعارضة أن هذا الغازي الأمريكي قد يحقق لها ماتصبوا إليه فأوغلت وتمادت لتحقيق أهدافه ظناً منها أنها تقاطع في المصالح.


ولزيادة التأكيد للتبعية لهذا الغازي مارست أبشع أنواع التعذيب ضد أبناء الشعب العراقي كما كان يحدث في عهد البعث البائد بل وأكثر وحشية منه وبرزت الطائفية تعلوا فوق كل الأصوات وحققت أمريكا في بداية غزوها للعراق تأييد حشد كبير من الغوغائيين الذين يرغبوا في التغيير على أنه إصلاح وإن كان قمة الإفساد في الأرض وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لايشعرون.


فكان الغزو لتأكيد إعادة تقسيم المنطقة على أسس جديدة وإقامة أنظمة لدويلات متناحرة منها دويلة كردية ودويلة طائفية شيعية ودويلة طائفية سنية لتحقيق توازن ثلاثي الأبعاد في العراق العظيم.
ومن أهم الأهداف التي يريد أن يحققها بوش من خلال الغزو هو السيطرة على المنطقة إقتصادياً والسيطرة على منابع النفط سواء كان العراقي أو الخليجي أو الفارسي أوغيره من أجل أن يحقق الرفاهية للشعب الأمريكي جراء تقديم بعض القرابين من القتلى والجنود المرتزقة والمأجورين أو حتى من أبناءه المغلوبين على أمرهم، المهم هو الحصول على الرفاهية على أنقاض الدول وجثث القتلى وجماجم الضحايا الأبرياء ولتستمر المصانع الأمريكية في تدفق صادراتها لتعويض خسائر هجمات 11 سبتمبر 2001م، بل وزيادة.


ولم تكن الرغبة في الهيمنة الإقتصادية فقط وإنما هيمنة ثقافية أيضاً لتغيير ثقافة أبناء المنطقة من الأجيال القادمة ولإستمرار هجرة العلماء الى خارج المنطقة العربية لتلجأ الى دول أكثر إستقراراً، ولم تكن الهيمنة الإقتصادية والثقافية هي نهاية المطاف وإنما لتحقيق الهيمنة العسكرية والتفوق التقني وفي نفس الوقت هو إنتقام لضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001م ورد فعل لما جرى، فرّد الفعل هو طبيعة بشرية وكل يوم يطلع علينا من يقول بأن هذا الغزو هو لتحقيق الأمن الأمريكي ونقل أرض المعركة بعيداً عن أمريكا ولتكن في المنطقة التي جاء منها المعتدون على برجي التجارة العالمي والبنتاجون في كل من نيويورك وواشنطن.


ومن الطبيعي أن ينشط منظروا العولمة وأن يعتبروا الغزو الأمريكي لفرض العولمة بالقوة وتغيير المناهج بحجة أنها بداية بذرة الإرهاب المتحوصلة في العقول العربية والإسلامية ولهذا لابد من تغيير الثقافة وتغيير الأنظمة الإدارية والتعليمية لتحقيق الإستراتيجية الأمريكية وتأكيد زعامتها العالمية.


ولكن أرباب الصناعات العسكرية الحربية لابد أن يكون لهم نصيب من هذه الحرب وهذا الغزو على حضارة الشعوب فإعتقدوا أن من أهداف الغزو هو لإستمرار تطوير الأسلحة والتفوق الأمريكي لذا لابد من إجراء تجارب على الأسلحة المتطورة ولتكن المنطقة العربية حقل تجارب حية للجديد من الأسلحة والجميع يشهد على قصف ملجأ العامرية قرب بغداد والمحصن بقنبلة غير مسبوقة الحجم والوزن والقوة التدميرية، وطالما أن بوش وزمرته من الحزب الجمهوري فهو يدعم أصحاب رؤوس الأموال والطبقة البرجوازية على عكس الحزب الديموقراطي الذي يدعم الطبقة الفقيرة وطبقة العمال، ولهذا عكف المخططين الأمريكان على تنفيذ سياسات لتدعم مصانع الأسلحة والذخائر وزيادة مبيعاتها لتحقيق ودعم التفوق العسكري بإستحداث أسلحة جديدة ومتطورة.


أما من كان يخطط لمنع المنطقة من النهوض والتقدم فهو أيضاً إستفاد من الغزو وشدد على ضرب المصانع ومنع قيام مصانع إنتاجية منافسة لتبقى جميع دول المنطقة تابعة لأمريكا وحلفاءها من خلال بقاء التخلف الإقتصادي والإداري والسياسي وغيرها.


أما الصهيونية العالمية ومنظماتها العديدة في الولايات المتحدة الأمريكية فقد حرصت أن تستفيد من هذا الغزو لتحقيق الأهداف الصهيونية في المنطقة ولتسهيل قيام مملكة إسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات ولدعم إسرائيل لتبقى شرطي أمريكا في المنطقة وهذا يتقاطع مع المصالح الأمريكية لذا لابأس من تحقيق أهداف دعم وتطبيق بنود التحالف الإستراتيجي الأمريكي والإسرائيلي لتحويل الأنظار عما يجري في فلسطين ولإفشال إتفاقيات أوسلو وكذلك لإستمرار ضم الأراضي وبناء المستوطنات ولترسيخ الإحتلال وتهجير السكان.


من كل ماسبق يتضح مدى تعدد الأهداف التي يرغب بوش الإبن في تحقيقها من خلال الإستمرار في دعم الإحتلال وإرسال المزيد من الجنود الى المنطقة تحت مسمى الإستراتيجية الجديدة في العراق التي يرغب أن تدعمها الأنظمة العربية ولهذا أرسل الغُراب ليستمر الخراب.


ونخلص الى أن للحرب على العراق أهداف متعددة الجوانب والأبعاد ولن تقتصر نتائجها وآثارها على العراق ودول الجوار فحسب وإنما تمتد لتشمل المنطقة العربية والإسلامية والتي ترغب من خلالها الولايات المتحدة أن تؤكد زعامتها الكونية وتحكمها بميزان الحرب والسلم ومفاتيح التقدم والبناء وضبط إيقاع المنافسة الإقتصادية والسياسية والعسكرية على المستوى العالمي ليبقى العالم أجمع يرزح تحت وطأة القطب الأمريكي الأوحد ولكن هيهات أن يتحقق لها ماتريد والله يفعل مايريد.

مصطفى الغريب