طالعت فى صحف اليوم ان ابن لادن قد دعى فى رسالة صوتية من أعماق كهوف باكستان/افغانستان على الأنترنيت، دعى السنة فى العراق الى عدم الانضمام الى مجالس الصحوة والعشائر العراقية التى تقاتل تنظيم القاعدة الارهابي او المشاركة فى حكومة وطنية، قائلا :( أكثر الشياطين من ضمن الخونة هم الذين يستبدلون دينهم بدنياهم). وأضاف: ( ان المسئولين الأمريكيين والعراقيين يسعون الى تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم السنة والشيعة والأكراد). وقال: (ان مهمتنا هي افشال هذه المخططات الخطيرة والتى من شأنها ان تمنع قيام دولة اسلامية فى العراق وهى التى ستكون جدار مقاومة ضد الخطط الأمريكية لتقسيم العراق).

لقد ابتلي العالم كله بسكان الكهوف هؤلاء، فهم يستنزفون موارد الشعوب التى تصرف من أجل القضاء على خطرهم الداهم على البشرية جمعاء. يلوحون براية الدين الاسلامي والاسلام منهم براء. تبعهم الجهلاء والنكرات الذين وعدهم ابن لادن بدخول الجنة فى العالم الآخر، حيث الحور العين، والغلمان المخلدين، وصدقوهم وتبعوهم لأنهم لا يملكون ما يخسرونه، سوى اجسامهم النتنة وعقولهم العفنة. قبله بقرون كثيرة رفع معاوية وصاحبه عمربن العاص وجنودهما المطالبون كذبا و زورا بالانتقام من قتلة عثمان ورفعوا المصاحف على رؤوس الرماح داعين الى تحكيم القرآن، وهم يقاتلون الخليفة علي بن ابى طالب الذى اختاره المسلمون خليفة لهم، ويصيحون ان لا حكم الا لله. فقال فيهم الامام قولته الشهيرة: (كلمة حق
اريد بها باطل).

نجح الأمويون فى خطتهم، وظن بن لادن انه سينجح مثلما نجح معاوية، ولكن فاته ان هذا الزمن ليس زمن معاوية، ولكنه زمن العلم والنور والثقافة والانترنيت، بينما كان اتباع معاوية مابين غبي جاهل و طماع عاطل، فاستغلهم معاوية لاعادة امجاد الأمويين قبل الاسلام، فوعد الجاهلين بالجنة واغدق بالأموال على الطامعين، فتم له ما أراد.

ان ما حدث قبل ايام قلائل فى باكستان، وفلتان الأمن فيها، يهدد العالم بكارثة عظمى. ان باكستان تمتلك مالايقل عن خمسين رأسا نوويا معرضة الآن للسرقة من قبل القاعدة التى لن تتورع عن استعمالها لتركيع العالم وفرض ارادتها عليه. لقد رأينا التدمير الشامل الذى فعلوه فى أفريقيا قبل سنوات، تبعه تفجير البرجين فى نيويورك، بعدها تفجيرات لندن ومدريد. ونحن العراقيون قد خبرنا اجرامهم وقسوتهم، حيث قاموا بالقتل الشامل فى كل مكان فى العراق، دون تمييز بين النساء والرجال، والشيوخ والأطفال، والعامل الصغير والتاجر الكبير، والسنة والشيعة، وأعتبروا الجميع مرتدين وكفرة.

أخطأ بن لادن باختيار العراق لتأسيس ما يسميه ب(الدولة الاسلامية)، وكان الأجدى له لو اختار الصومال أو موريتانيا أو اكتفى بأفغانستان. فالعراق ليس الصومال، والعراق ليس موريتانيا، والعراق ليس أفغانستان، العراق مهد الحضارات، وبلد العلوم والثقافات، وحضارته متأصلة فى ضميره وجدانه، لا يزيلها الزمان، ولا تمحيها الحدثان، وان تشكيلة شعبه من مختلف القوميات والطوائف والأديان ستكون عامل قوته وليس ضعفه. ما حدث انه، وفى غفلة من الزمن، حكمه اناس جهلة من شذاذ الآفاق، فأعاقوا مسيرته و شتتوا شعبه وخربوا عمرانه. ولما انتهى حكمهم البغيض جمعوا قواهم الظلامية ولجأوا الى اثارة النعرات الطائفية والقومية والدينية، وصدقهم البعض من الجهلة والمعتوهين فتبعوهم على غير هدى،
وكان الاقتتال والترويع والهجرة والتهجير. وما كانت هذه الحالة ستطول لولا تغلغل القاعدة الارهابية بين العراقيين المتذمرين، وتدخل الجماعات المتأسلمة، والمعممين السياسيين، يعاونهم البعثيون الذين زجوا بالعراق فى معارك قتلت العباد ودمرت البلاد. ولم يحفظ لنا الجيران حرمة الجوار، فمرروا الينا الانتحاريين المجرمين وزودوهم بالمال والسلاح، وجاءنا القتلة السفاكون من اقاصي المغرب واليمن والشيشان وأفغانستان، ليقتلون أبناءنا ويستحيون نساءنا، ويخربون مساكننا ودور عباداتنا، ولم تسلم منهم حتى اضرحة الائمة والأولياء الصالحين.

والآن، وبعد تلك الغفوة، آن أوان الصحوة وانتبه العراقيون الى ما يقوم به اعداء العراق، من بث الفرقة بين ابناء الشعب الواحد المتحد، فانتفضوا وأخذوا يعيدون النظر فيما جرى ويجرى، ووجدوا انهم يقتلون أعمامهم وأخوالهم، وبنى أعمامهم وبنى أخوالهم، وجيرانهم واصدقاءهم، وباقى شركاءهم فى الوطن. ستعم الصحوة، وتشرق شمس المحبة والوئام، لتطرد جيوش الظلام، ويعود السلام، لينعم هذا الشعب المعذب بخيرات بلاده العميمة، بعد جوع وعناء وضياع وشقاء.


اما بن لادن واتباعه، فانهم فى تقهقر الى كهوفهم التى ستصبح مقابر لهم، وستنطوى صفحتهم السوداء الى الأبد.


عاطف العزي

كندا