صار من الوضوح أن المتمرّدين الحوثيين قد اتخذوا، منذ الثلاثاء الماضي، وجهة أخرى لمعركتهم التي يخوضونها في صعدة، شمال اليمن، مع الجيش اليمني، وهي وجهة بدت، في اتساع نطاقها إلى خارج حدود اليمن، مفاجئة لدى بعض الأوساط السياسية اليمنية، فيما لم يجدها البعض سوى مكملة لمطمح استراتيجي يستهدف إحداث تغيير ما في المنطقة يصبح فيه الوجود الشيعي هو المحدد لمسار السياسة العامة في هذه الدول، إذا لم يكن هو المهيمن.

وإذا كان البعض، إلى وقت قريب، قد استبعد أن يتجه الحوثيون في معركتهم نحو السعودية إلاّ أن تصريحات قادة التمرد التي زعموا فيها أن الجيش اليمني يتلقى تسهيلات من أراض سعودية لمحاربتهم كانت بمثابة الحجة على ما قاموا به من تسلل، مع أن السعودية ظلت تنفي أي مشاركة عسكرية لها ضد الحوثيين، معتبرة أن المسألة يمنية داخلية.

المتتبع لمجريات المواجهة بين الجيش اليمني والحوثيين، لن يخرج بتأكيد يبتعد عن احتمالين، الأول هو أن الحوثيين قد يسعون في وجهة معركتهم الجديدة، التي يمكن وصفها بـ (التحرش العسكري) ضد السعودية، لإيجاد طرف ثالث يخلّصهم من تداعيات الحرب التي طال أمدها ولم يستطيعوا أن يعلنوا وقفها من طرف واحد، رغم كل الترحيب الغير مباشر من قبل السلطة اليمنية للحوار مع المتمردين لإنهاء الحرب الدائرة، وهم بذلك، يرغبون بوجود ضمانات لما بعد إيقاف الحرب، وربّما وجدوا أن السعودية، هي الطرف الأكثر تأثيراً على السلطة اليمنية. من هذا المنطلق، قد تُفهم تصريحات عبدالملك الحوثي الذي أراد فيها أن يطمأن السعوديين انه ليس له أي مطامح في أراضيهم أو أي قصد سياسي يستهدف المملكة.

مع هذا، فإن ما يمكن تسميته بالتحرّش العسكري بهدف لإنقاذ، قد يثير الكثير من اهتمام الأطراف الشيعية في المنطقة العربية وفي إيران، وهي الأطراف التي تتهمها الحكومة اليمنية بدعم الحوثيين، فلا يستبعد أن تقوم هذه الأطراف بدعم التمرد في معركته الجديدة، والتي قد تبدو لهم في خطوتها الجريئة الأولى قادرة على بعث الأحلام التوسعية الماضوية، والتي وإن خمدت في هوامش التمدد الشيعي، فقد ظلت متوهجة ومعلنة لدى المركز في إيران.

وهذا ما يمكن اعتباره بالاحتمال الثاني، فإيران لا تخفي أهدافها التوسعية في منطقة الخليج، وإن أظهرت ذلك من خلال البوابة الثقافية، أحياناً، كما هو حال التوجهات الدينية للمرجعية الشيعية التي تسبق موسم الحج سنوياً. وبالتالي سيكون من الواضح أن الحوثيين إذا ما لبوا رغبة المطمح الإستراتيجي الإيراني فإنهم في وجهتهم الجديدة الحالية سيسعون إلى الحصول على منفذ بحري على السواحل السعودية اليمنية لتسهيل الدعم العسكري واللوجستي المباشر، أو عبر تجّار الأسلحة، الذين ووجهوا بحصار وتضييق شديدين في الآونة الأخيرة من قبل الحكومة اليمنية.


مع كل ذلك، يبدو أن الحوثيين في خطوتهم الجديدة، بتسللهم إلى الأراضي السعودية، قد وقعوا في مأزق لم يعد من السهولة تحديد نهايته، فمعه صاروا مطالبين أكثر بتحديد هوية وجهة معركتهم، هل هي تستهدف الحياة بكرامة، حسب تعبيرهم، في بلدهم اليمن، أم أنها تنفذ إستراتيجية إيرانية تستهدف المنطقة كلّها.