نشرت (إيلاف) بتايخ (26) نوفمبر، مقالاَ للسيد مهدي مجيد عبد الله بعنوان quot;مناشدة لـ (نجوى كرم) أن لا تزور كردستان العراقquot;، يهاجم فيها الكاتب حكومة اقليم كردستان ويتوسل إلى الفنانة نجوى كرم أن تلغي زيارتها المقررة للإقليم، ولمّا كان النقد نقداً، بعيداً عن الأذناب التي تلحق به، فإن على السيد مهدي عبد الله أن يكون ذو صدر رحب ويتقبّل الإنتقاد أيضاً، فمثلما تدين، تدان.


أستغرب من السيد مهدي هذا التهجّم غير المنطقي وغير الموضوعي ضد حكومة الإقليم، وهذه التهم التي يلقيها جزافاً دون أي دليل أو إثبات، لاسيما وأنه لا يدرك بأن العالم الآن قرية صغيرة، بات كل شيء فيه مكشوفاً، ولا تستطيع أي حكومة إخفاء شيء عن العالم ونحن نعيش في عصر المعلومات والتكنولوجيا.


يتحدث السيد مهدي عدة نقاط، قام بترقيمها، فارتأيت الوقوف عندها، واحدة تلو اخرى.
كتب السيد مهدي: quot;لا يجوز إنتقاد سلبيات السلطات الحاكمة في الإقليم و المتمثلة بالحزبيين الكرديين (الأتحاد الوطني الكردستاني، الديمقراطي الكردستاني) لأنها بإختصار تحولت إلى آلهة يجب ان لا يعصي اي احد أوامر قادتها و يتعدى خطوطهم الحمراء، و المخالف المعارض يكون ماوراء الشمس مكانا له، و هكذا حال لا يوجد إلا في الأنظمة الديكتاتوريةquot;. لن أخوض في تفاصيل وتحليلات حول هذا الموضوع، لكني أقول للقارىء الكريم، عن أي آلهة يتحدث السيد مهدي وهو يعيش في هذه البقعة التي تشهد تحولات قلّ نظيرها في المنطقة بأسرها، عن أي إستبداد يتحدث وهو لم يتعرض للمساءلة يوماً من الايام من قبل أي جهة أمنية في الإقليم حول كتاباته التي ماهي سوى تشهير وسب وقذف، بحسب المعايير التي وضعت للكتابة.


الآلهة تعني الإنفرادية والرهبة، لكن في إقليم كردستان، ليست هناك إنفرادية والدليل على ذلك الإنتخابات الأخيرة، التحول الجذري الذي حصل في نظام الحكم الذي كان نتاج إنتخابات حرة ونزيهة، وكان حصول المعارضة على أكثر من (25) مقعداً في البرلمان دليلاً على نزاهتها، في وقت نجد فيها نتائج الإنتخابات في بعض دول المنطقة (99.99) وإلخ، إستلام الدكتور برهم صالح لرئاسة الحكومة وتنحي السيد نيجيرفان بارزاني عنها وتغيّر معظم الوجوه الوزارية ومشاركة بعض اقطاب المعارضة في الحكومة الجديدة، كلها دليل حالة صحية في الإقليم وخطوة أخرى في مسيرة دمقرطة اقليم كردستان. ثم نأتي للرهبة التي نجدها في بعض الدول الأخرى بالمنطقة كابوساَ يجثم على صدور الشعوب، بينما في الإقليم، ليست هناك رهبة للأشخاص والأحزاب، بل للقانون رهبة، وليس لسواه، والدليل على ذلك إقبال السيد مهدي مجيد على كتابة ما يطيب له من كلمات توبيخية وحادة، لا تدل سوى على رد فعل عنيف ناتج عن مواقف شخصية لسنا بصددها الآن.


أليست كتابته (مهدي مجيد) لهذه المقالات ونشرها عبر (إيلاف) الرائدة، دون أن يتعرض للمساءلة أو الإستدعاء أو إلى أي تهديد ضمني أو..أو.. من هذه الوسائل التي تنتهجها الأنظمة الشمولية والديكتاتورية، دليل على أنه يُلبِس الألوهية للأشخاص والأحزاب! ويتهمها جزافاَ، دون أي وجه حق.


يكمل السيد مهدي إتهامه الأول بما يلي: quot;المخالف المعارض يكون ماوراء الشمس مكانا لهquot;. حبَذا لو حدد لنا الكاتب حدود الشمس وخارطتها، لنعرف ماذا يقصد؟ أو حبّذا لو تطرق إلى إسم واحد يقبع وراء الشمس حسب قوله! أليس من حق القارىء أن يتسآءل عن هؤلاء المعارضين الذين أُخِذوا إلى ماوراء الشمس. وللعلم: قبل فترة من الآن، وبينما كنا في دورة تدريبية أقامتها معهد صحافة الحرب والسلم (IWPR) لمجموعة من الصحفيين والإعلاميين حول الحماية القانونية للصحفيين، تم دعوة السيد (حاكم حمه جان قادر) رئيس جهاز الأمن بالسليمانية (الأسايش) للدورة، وتعرض لاسئلة إستفزاية من بعض الصحفيين الموجودين حول إعتقال عناصره للناس بشكل عشوائي وبدون مذكرة إعتقال من القضاء، فوضع السيد رئيس جهاز الأمن رهاناً أمام الصحفيين الموجودين بأن يأتي أحدهم بإسم شخص واحد تم إعتقاله دون مذكرة إعتقال من القضاء، فسكت الجميع، ليس خوفاً، بل لأنهم عجزوا عن إيجاد إسم أو حالة واحدة من التي يسمعونها أو يقرأونها في كتابات السيد (مهدي مجيد) وغيره، وبإمكان السيد (مهدي مجيد) مراجعة المعهد المذكور والحصول على نص الحوار الذي دار هناك (بالصوت والصورة).


يقول السيد مهدي: quot;مستوى دخل الفرد لا يتعدى 200 دولار في حين ان الغلاء الفاحش يجتاح اسواق الإقليم و يثقل كاهل مواطنيه، و هذا المقدار من المال لا يوفر قوتهم اليومي من رغيف الخبز و شربة االماء مما يدفعهم أن يلجؤا لإعمال غير انسانية كي يزودوا من دخلهم، ما يعني انهم لا يستطيعون أن يعيشوا بكرامة و شرفquot;.


مع أني أتفق مع الكاتب في بعضٍ مما ورد من حيث المبدأ، لكن أرى بأنه يبالغ كثيراً في وصف الحالة الإقتصادية، لاسيما وإننا نجد الأيدي العاملة من كافة دول المنطقة تتجه نحو كردستان، وربما يصادفهم السيد مهدي في شوارع السليمانية يومياً، الوضع العام يدل على أن الناس في الإقليم يحصلون على قوتهم اليومي بكرامة وشرف، عكس ما يقوله السيد مهدي حول معيشة الناس دون كرامة وشرف! (مع إحترامي للناس)، فالعامل العادي يحص يومياً على 20 دولاراً على الأقل وبهذا يكون دخله (400) دولار
، وطبعاً إقليم كردستان ليس جنة عدن، وهناك فقراء بالطبع، لكن الوضع العام والحالة المعيشية جيدة أو لنقل لابأس بها، وليست بهذه الحالة السوداوية التي يذكرها كاتبنا.


quot;الشريحة الكبرى من جمهورك يتكون من الشباب و هم يقبعون في غياهب السجون و المعتقلات ليس لذنب أو جريمة أقترفوها سوى أنهم وقفوا بوجه الطغيان و الإستبداد و طالبوا بحقوقهم (الأنسانية) البسيطة من ماء و كهرباء و غذاء و دواء، و (السياسية) من حرية التعبير و الإدلاء بالرأي و الإنتخاب الحر، و البقية اللذين لم يستطيعوا الكلام و الإعتراض هاجروا الى خارج البلاد، و قد تجاوز عددهم المليون و الحبل على الجرارquot;. بهذه الفقرة يصف كاتبنا وضع الشباب في الإقليم. لن أتحدث عن السجون، وما يقوله السيد مهدي حول زج الشباب بها بسبب quot; حرية التعبير و الإدلاء بالرأي و الإنتخاب الحر، لأن السيد مهدي أكثر شاب تمرداً في الإقليم ويعبر عن رأيه بكل حرية بل ويتجاوز الحرية، وأدلى بصوته بمنتهى الحرية وينتقد ويزمجر ويعترض ويحرق الأخضر واليابس، وهو خارج السجن، بل لم يرَ السجن البتّة! اليس هذا دليلاًَ ينفي ما يذكره.


أدعو الكاتب عبر منبر إيلاف، إلى وضع يده على ضميره والتحدث عن الإعمار والنهضة في الإقليم في كل المجالات. فإذا كان رئيس الحكومة السابق السيد نيجيرفان بارزاني وبعده السيد رئيس الحكومة الجديدة برهم صالح قد أقرّا واعترفا بوجود الأخطاء والنواقص والعيوب واستشراء الفساد في بعض المفاصل والمؤسسات الحكومية وتعهّدا بمكافحة الفساد والعمل من أجل إزالة النواقص العيوب، وتشكيل هيئة النزاهة وإنقاص نسبة من رواتب الوزراء ومسائلة المسؤولين وإجبارهم على الكشف عن ممتلكاتهم من مبدأ quot;من أين لك هذاquot;... أليس كل هذا دليلاً بأن حكومة الإقليم تتجه نحو إصلاح الأخطاء والسير بهذا الكيان نحو بر الأمان.


الخلاصة، ألا يرى السيد مهدي مجيد أن مجيء فنانة من هذا الطراز إلى الإقليم تعتبر ميّزة للكردستانيين، ودليل على وجود الإستقرار والأمن وشبه حالة من الرفاهية في هذه البقعة التي تتحول يوما بعد يوم إلى واحة جميلة في صحراء تعبث فيها يد الإرهابيين من القاعدة والمجموعات المسلحة التي لا تؤمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان.
أدعو السيد مهدي مجيد أن يضع يده في يدنا، نحن الغيورون على وطننا، لنستقبل نجوى كرم بباقة ورد، نقطفها من مروج كردستان، ونغني معها للمحبة والسلام
.


* إعلامي في كردستان العراق