تعاني عملية التغيير الديمقراطي في سورية منذ زمن بعيد، استنفارا دوليا وإقليميا ومحليا، لمنع حدوثها، أو لمنع حدوث أي تعديل جوهري على ميزان القوى بين النظام والمجتمع. لازالت هنالك تيمة راسخة لدى أهل الحكم في سورية، تتلخص هي أيضا في أن أي طرح للتغيير الديمقراطي، سواء كان عبر تفكك السلطة السياسية الديكتاتورية، أو عبر مشاركتها بالتغيير أمرا مرفوضا وكل من ينادي به، هو عدوها رقم واحد، وبالتالي يمكننا وفقا لهذه التيمة المعمول بها، أن نستنتج بأن النظام في دمشق، يبذل أقصى جهده لعدم اختراق معادلته الداخلية من قبل المعارضة السورية. من الواضح أن النظام لازالت معادلته هذه تفرض عليه قناعة يعمل وفقها، أنه لا يغير موقفه داخليا أو إقليميا إلا تبعا لموازين القوى الحقيقية. وليس تبعا لتمنيات أو مناشدات أو وساطات عربية إسلامية أو غير إسلامية، وهذا يقودنا إلى معرفة القوى المحلية والإقليمية والدولية التي يمكن أن تكون مع عملية التغيير الديمقراطي هذه. القوى الديمقراطية السورية، يجب أن تتسق مع نفسها وفق معادلات واضحة، أن تبتعد عن طرح المشاريع الشمولية بواجهة ديمقراطية، سواء كانت قومية أو إسلامية أو ماركسية. الديمقراطية هي كنه الليبرالية وروحها. الليبرالية كنسق تغييري أيديولوجي يتناسب مع كونه فضاء للفكر الديمقراطي. الحريات العامة والفردية تشكل أساس الدعوة الديمقراطية. وهذه آخر ما تفكر فيه أيديولوجيات الفكر الشمولي، وإن كانت تتزين به أحيانا. لهذا يبدو أحيانا أن قوميا في السلطة يتصارع معارض قومي أنه صراع ينضح من نفس الإناء. وبالتالي تصبح الزخرفات الديمقراطية للمعارض شكلانية، ولا تحوز على أولوية الاستقطاب المفترض ان تحوزه، الديمقراطية يجب أن تكون الفكرة الاستقطابية بامتياز وعدم السماح بتسلل من يريدها زخرفة لمشاريع شمولية. الليبرالية العربية يقع على عاتقها همينquot; الأول صياغة الفكرة الديمقراطية كحافز للتغيير وهدف له، والهم الآخر صياغة العلاقة مع العالم، وفق وقائعه العنيدة سواء رضينا بها أم لم نرض ومهما كانت اعتبارات عدم الرضا يجب التخلي عن العمل على تحقيق هذا الهدف أو ذاك من وضع أنفسنا خارج دائرة النظام العالمي، اقله خطابيا أمام الرأي العام.


لايمكن لأي مشروع ديمقراطي مهما بلغت شعبيته الداخلية أن يتجاهل جملة العوامل الدولية والإقليمية. هذه بداهة لم تعد قابلة للشك، كما كانت في زمن ما. كما لايمكن أيضا لأي مشروع ديمقراطي مهما كان حضوره الخارجي أن يتجاهل شعبيته الداخلية. هذه المعادلة أيضا يجب ألا تجعلنا نتغاضى عن خصوصيات الحالة السورية، والتحالفات السياسية يجب أن تتمحص جيدا وتدقق في هذه الخصوصبة السورية.وليس من باب التكهنات والتحليل إن حاولنا تسليط الأضواء على بعضا من اللوحة السورية انطلاقا من رؤيتنا هذه لعملية التغيير الديمقراطي:


- ما يسمى بفصائل المقاومة العربية في فلسطين ولبنان والعراق، حريصة على استمرار النظام السوري ربما أكثر من النظام نفسه في أحيان كثيرة، المقاومة ومثقفيها، ومن استمع البارحة لحديث المفكر الفلسطيني عزمي بشارة عن خطاب الرئيس السوري في القمة العربية، يعرف بالضبط أين تتجه بوصلة هذا الفكر وتنظيماته، من حماس إلى حزب الله والبقية معروفة.
- النظام العربي الرسمي غير معني بتغيير ديمقراطي بدولة من دوله.
- إيران وتركيا أيضا حلفاء أقوياء للاستبداد السوري المزمن، ويدافعون عنه ويقدمون له كافة التسهيلات.
- إسرائيل حدث ولا حرج في هذا الموضوع، لم تصل مصالح النخب السياسية الإسرائيلية لأي حالة تبدو فيها أن من مصلحتها قيام دولة ديمقراطية سورية.
- تيار الإسلام السياسي العربي كذلك الحال.
- النظام الدولي بتوضعاته الحالية لا نستطيع المراهنة عليه كثيرا، والرأي العام العالمي، لدينا عقبات كثيرة للوصول إليه، لشرح معاناة شعبنا.
تبدو وكأن اللوحة مغلقة أمام المعارضة الديمقراطية السورية، إذا أضفنا إليها دور القمع في عزلة المعارضة عن محيطها الشعبي، ودور أحزابها المترهلة أيديولوجيا وقياديا، في عدم البحث عن سبل لإيجاد موضع قدم في الحالة الشعبية، ولا حتى تلعب دورا في الحالة المعارضة، لفت نظري في الحقيقة أمر مخيب للآمال ولكنه جيد لكي يوضح صورتنا، مواقع المعارضة السورية بغالبيتها مثلا لم تأتي على ذكر ما حدث لقناة زنوبيا وكأنها قناة تعيش في كوكب آخر، ألا يمكن تسمية هذا الأمر تواطأ من نوع خاص مع الأطراف التي عرقلت ولازالت تحاول عرقلة صوتا يحاول أن يكون ديمقراطيا، لا نحتاج كثيرا من أشارات التعجب هنا. نحن ندرك بعض أمراض الشخصانية حتى في قناة زنوبيا، ولكنها في المعارضة عموما لازال لها دورا ليس قليلا أبدا في بعثرة المطلب الديمقراطي السوري. بات للقيادة الليبية من يتواطأ معها في هجومها الإكتروني على القناة والذي أدى إلى انقطاع البث عدة مرات، أصبح لدى هذه القيادة الليبية من يتواطأ معها داخل المعارضة السورية! نحن بالتأكيد لن يكون لنا نفس الموقف في حال تم التشويش على أي صوت ديمقراطي. وقد باركنا للأصدقاء في قناة الكرامة التي ننتظر بداية بثها، لتكون صوتا أضافيا يحتاجه شعبنا.وإيرادي لهذا المثال هو لتوضيح صورتنا.
رغم كل هذا فالتغيير الديمقراطي هو عملية تراكم ومثابرة من أجل تعديل حقيقي لموازين القوى وبشكل سلمي من أجل الوصول إلى سورية ديمقراطية. أصحاب المصالح في التغيير هم من يقع على عاتقهم أولوية الفعل، وليس من هم لازالوا يختلفون حول الوجهة النظرية للسلطة السياسية. وحول ضرورة وحدة خطاب الإسلام السياسي أو القومي، وليس على تأليه قيادات كوردستان العراق، وليس على تخليد حزب البعث، وليس على اختبار الفكر المنتج في الغرب سوريا بعد أن يكون زمانه قد ولى ويكون قد دخل سن اليأس، و أصبح فقط في أروقة تاريخ الفكر العالمي.


المطلب الديمقراطي السوري أكبر من النظام وأكبر من إعلان دمشق وأكبر من جبهة الخلاص، وأكبر من المطالب الضيقة لبعض الأحزاب، وأكبر من أصواتنا أيضا.


غسان المفلح