کعادة الزيارات التي تتسم بطابع خاص و تحکمها ظروف و ملابسات متباينة خارج سيطرة الاطراف المعنية، قام السيد نوري المالکي رئيس الوزارء العراقي بزيارة لإقليم کوردستان العراق وهي زيارة وصفتها بعض المنابر الاعلامية العربية بأنها(کزيارة الى دولى أخرى).


وبرغم الحفاوة التي أحيطت بالزيارة، فإنه کان يبدو ومنذ اللحظة الاولى لبدئها و ما رافقتها من التصريحاتquot;الفضفاضةquot;وquot;النمطيةquot;التي تحمل أکثر من تأويل في طياتها، کانت تبدو وکأنها مجرد عرض مسرحي نمطي ليس هنالك أي خروج غير مألوف فيه على النص المتزمت الذي دفع النظارة للتثاؤب منذ اللحظات الاولى للعرض.


صحيح أن الزيارة قد أوحت للجميع بأن الطرفين قد أبديا تمسکهما بمبدأ الحوار و الرجوع للدستور کمرجع نهائي لحل الاشکالات و المسائل المعلقة بينهما، لکن الاصح هو أن الطرفان قد هربا بجلديهما مرة أخرى من واقع الخلافات العميقة جدا بينهما ولم يتصديا لها کما يجب وکما يتطلبه أي نظام ديمقراطي وکعادة قادة النظم الشمولية(ويبدو للأسف أن تأثيراتها مازالت ماثلة فيهما) أعطوا المزيد من الحبوب المهدئة للشعب العراقي الذي ماباتت تخدره أقوى المواد المخدرة في العالم!


المزحة التي أطلقها السيد نوري المالکي بالعودة للدستور لمعالجة قضايا نظير المادة 140 الخاصة بکرکوك، لم تکن قوية بحيث تدفع الجميع لإطلاق ضحکة من الاعماق، وانما حفرت قسرا على وجوه الجميع إبتسامة صفراء تکاد تموت شحوبا من شدة إصفرارها، ولاسيما وانه من المتحفظين على الدستور و المطالبين بإجراء تعديلات عليه، فهل هنالك دستور مهدد بمبضع التغيير أن يرکن إليه في واحدة من أهم القضايا حساسية و تعقيدا کقضية کرکوک؟


الرئيس جلال الطالباني الذي إعتاد و يسعى الى تعويد الشعب الکوردي الى بلع المواقف الصعبة بتصريحات شکلية سلسة منمقة من دون أي مضمون، لم يملك قبالة التصريحات البروتوکولية للمالکي سوى أن يلجأ الى اسلوبه المألوف الذي المعنا إليه، أما رئيس الاقليم، فقد کان کما عهدناه دائما عندما تکون سلته خالية من أية تفاحة، لايملك سوى إطلاق تصريحات متجهمة و مقتضبة توحي للجميع ولاسيما لشعبه بأنه ليس هنالك إطلاقا أي عصفور في اليد!


المالکي الذي إلتقى المسؤولين الامريکان في واشنطن قبل أن يطير الى کوردستان، وتباحث معهم عن کثب بخصوص المواضيع المهمة و الحساسة على الساحة العراقية، يبدو أنه قد وجد الرأي الامريکي مازال يرى انه من الافضل للجميع إبقاء القضايا التي يغلب عليها الاختلاف العميق بين الجانبين(معلقة) کما ان البارزاني الذي التقى أخيرا بوزير الدفاع الامريکي خلال زيارته للاقليم، يبدو انه فهم(الطلب)الامريکي بعدم النفخ في رماد لايعوزه النفاخون و التريث لفترة أخرى حتى تحين الفرصة المواتية، والتي هي دوما في صالح المالکي کلما کان هنالك تأجيلا أو تعليقا أو تصريحات للضحك على الذقون کما کان الحال في زيارته الميمونة الى کوردستان!

نزار جاف