تعيش الكويت نهضة حضارية كبيرة على كافة المستويات، ويعد مجال العمارة والعمران واحداً من أبرز مظاهر تلك النهضة. وتشكل مدينة الكويت وتطورها العمراني والمعماري حالة استثنائية، فقد حققت طفرة كبيرة من قرية طينية تقبع على شاطئ الخليج إلى حاضرة كبرى تضم بنايات وأنماطا متباينة من المنشآت السكنية والتجارية.هذا التطور الذي عرفته مناطق الكويت تغير من كونه خيارا ليصبح ضرورة له فوائد كثيرة اجتماعية واقتصادية وأمنية، هذه النقلة النوعية التي عرفتها العمارة الكويتية، تمت عبر مراحل ومسيرة طويلة من التطور إلى أن وصلت الى ما هي عليه الان..
مراحل رئيسية
أرجع المهندس وليد خليفة الجاسم نائب المدير العام لشؤون التخطيط والتطوير في بلدية الكويت مراحل التطور العمراني الذي شهدته مدينة الكويت الحديثة خلال الخمسين سنة الماضية إلى مراحل رئيسية تصنف وفقا لنوعية وطبيعة تصاميم المباني والفترات الزمنية التي أقيمت فيها والعوامل والتأثيرت عليها.
واعتبر الجاسم أن مدينة الكويت حالها كحال أي مدينة خليجية انتقلت من حياة بسيطة إلى مدينة متطورة ومعقدة، هذا الانتقال الذي تم بصورة سريعة ومكثفة خلف مشاكل تخطيطية وعمرانية وبيئية عدة عانت ومازالت تعاني منها هذه المدينة الخليجية التي كانت توصف في السابق بعروس الخليج. لافتا إلى أن لكل مرحلة من هذه المراحل ظروفها الخاصة التي أدت إلى تميزها عن الأخرى ابتداء من مدينة الكويت القديمة بتخطيطها البدائي العشوائي ومبانيها البسيطة حتى مدينة الكويت الحديثة بمناطقها المخططة وبشوارعها الفسيحة ومبانيها العالية.
وذكرالجاسم أن المرحلة الأولى كما هو معروف هي مرحلة النفط المبكرة التي بدأت في منتصف الخمسينات وانتهت عند منتصف هذه المرحلة، تميزت تصاميم المباني فيها بارتفاعاتها المنخفضة، وذات الطابع الذي يعتبر امتدادا شكليا للعمارة التقليدية القديمة أو إحدى مراحلها، في هذه المرحلة بدأ الاستغناء عن الحوش الداخلي في المباني السكنية.
تنوع جديد
عن التشطيبات والتكسيات في هذه الفترة الزمنية، قال الجاسم إن مادة المساح الاسمنتي والصبغ والطرطشة الاسمنتية ذات الألوان الترابية الفاتحة التي تنسجم مع البيئة الكويتية هي المادة الرئيسية المستخدمة في نسبة كبيرة من واجهات المباني، إضافة إلى الطابوق الجيري.
أما المرحلة الثانية فبدأت في منتصف الستينات وانتهت عند منتصف السبعينات حيث التطور السريع والنمو الذي شهدته الكويت خلال تلك الفترة والذي تأثرت أشكال المباني فيه بصورة كبيرة بالعمارة المنتشرة في الوطن العربي والتي جاءت تطورا وامتدادا لعمارة الغرب الحديثة. موضحا أن الابنية في هذه المرحلة تميزت بخطوطها المستقيمة وأشكالها ذات الأضلاع المتوازية والزوايا القائمة والفراغات في واجهاتها، كما تميزت باستخدام الأحجار الطبيعية في التشطيبات والتكسيات الخارجية فضلا عن المساح الاسمنتي والطابوق الجيري الذي يصنع محليا باستخدام مواد أولوية.
واعتبر أن المرحلة الثالثة بدأت في منتصف السبعينات وانتهت عند منتصف الثمانينات، وفي هذه الفترة ظهرت المباني العالية ذات التوجه الرأسي والتي استخدمت فيها مواد تكسيات مختلفة ومتنوعة من الرخام والجرانيت المستورد من أوروبا والدول الاخرى، اضافة إلى الحجر الطبيعي وانواع تكسيات صناعية مثل السيراميك وغيره، تلت هذه المرحلة المرحلة المعاصرة التي بدأت في منتصف الثمانينات حتى العام 1990 وتمثل بداية الطريق الصحيح في العمارة. وأشار الجاسم إلى أن هذه المرحلة تميزت بإعادة النظر في الوضع المعماري العام الكويتي، وأصبح التوجه العام فيها هو اعادة اكتشاف جذور العمارة التقليدية، وهذا التوجه لوحظ في أشكال فتحة النوافذ والأبواب إضافة إلى دراوي الأسطح والأقواس المستخدمة في الدواوين وبين الأعمدة فضلا عن إعادة استخدام الأحواش الداخلية وتطويرها بطريقة عملية معاصرة في نسبة كبيرة من المباني.
تطور مهم
بدوره يشير المهندس محمد الخولي في معرض حديثه عن تطور العمارة الكويتية إلى أن العمارة القديمة بالكويت تأثرت بالعمارتين العراقية والنجدية فهي تتم عن حذاقة وأنجزت على يد ما يدعى اليوم laquo;بالعمارة من دون معماريraquo; والمتمثل في حرفية laquo;الاسطىraquo; الذي يسخر الطين والصخر البحري والجص لصناعة الحيطان والحصر والبواري والرماد والقار وأخشاب laquo;الجندلraquo; للتسقيف.
ويرى الخولي أن أهل الكويت الأوائل حاولوا تطويع عمارتهم لتتلاءم مع البيئة المحلية، لذا نجدهم يحاولون الاستفادة من حركة الهواء الطبيعية من خلال عنصري (البقدش) الذي يستفيد من حركة الهواء من خلال فتحة مستورة في السياج او عنصر (الليوان) أو (الطارمة) وهي مظلة مسقوفة ومحمولة على أعمدة وتطل على حوش الديوانية من جهة أو جهتين، وكان استعمال الحجرات يتم بحسب الحاجة لها ولم يكن لها خصوصية مطلقة وأثاثها كان من النوع البسيط القابل للتأقلم مع الحاجة له في الجلوس أو المنام وعادة ما تفرش الأرضية بالحصر والبارية المصنوعة من القصب وهي ذات ملمس مبرد وعازلة للرطوبة وفي البيوت الميسورة يستعمل السجاد ولا سيما في الديوانية.
وينوه الخولي إلى المرحلة الحالية من مراحل تطور العمارة الكويتية فقد شهدت الكويت خلالها عملية إعادة إعمار وبناء شامل صحبها ازدهار وانتعاش اقتصادي نتيجة ضخ الأموال لإعادة الإعمار وإصلاح الأضرار، هذه المرحلة حسب رأي الخولي تعد من المراحل المهمة في تاريخ العمارة في الكويت، فقد ظهرت أنماط معمارية جديدة تعتبر امتدادا طبيعيا لعمارة ما بعد المعاصرة التي تنتشر عالميا في وقتنا الراهن.