نظرة دونية وتحرشات جنسية
الخادمات في السعودية.. حالات مأساوية

سعيد الحسنية : ما يزال صدى كلمات أم ابراهيم quot; أريد حبوبا لمنع الحمل quot;.. يطن في أذني سناء ، الممرضة التي صعقت من طلب تلك العجوز الشمطاء لهذا الدواء ، وما زاد من دهشتها هو التبرير الذي تشدقت به أم إبراهيم عن حاجتها له قائلة quot; لا ليس لي إنما للشغالة ...العيال quot; ينكزون quot; على الخادمة .. فهم كبروا وصاروا رجال الله يحرسهم...quot; وتابعت بابتسامتها الصفراوية : quot; ..خليهم ينبسطوا ...quot; .


تعد مشكلة سوء معاملة الخادمات من المشاكل المستفحلة في عالمنا العربي بشكل عام وفي الخليج بشكل خاص . فأي شخص مقيم في الدول الخليجية فحتما يكون قد سمع أو شاهد بأم عينه الكثير من هذه الحالات والمشاكل التي تنشب بين العديد من المستخدمين ومخدوماتهم ، إذا تشكل قضايا سوء معاملة العديد من الكفلاء لخادماتهم ، إشكاليات قضائية وإنسانية ، وهي بمثابة حديث الساعة بعد دأبت منظمات حقوق الإنسان على التذكير بها بين الحين والآخر، والحض على ضرورة معالجتها .

ما يدور خلف الجدران .. لا يصدقه إنسان

تعتبر مشاكل الخادمات في السعودية من أكثر القضايا الإنسانية الشائكة تداولا، وبالرغم من الإضاءة الإعلامية عليها بين الفينة والأخرى من قبل عدد من وسائل الإعلام ، إلا أن ذلك لم يعطي هذه القضية حقها في البحث والتقصي وذلك لكثرة المحظورات والقيود . ولعل لغة الإحصائيات خير دليل على ذلك حيث تشير الأرقام غير الرسمية إلى انتحار حوالي 137 خادمة من الجنسية الإندونيسية من بين أكثر من 595 ألفا من العمالة الإندونيسية الموجودة في مدينة جدة فقط. كما تشير إلى دخول حوالي 37 خادمة المستشفيات بسبب تعرضهن للعنف، وذلك ما بين عام 2004 و 2005 . كما يعج عدد من القنصليات الأسيوية بالخادمات اللواتي هربن من كفلائهن بسبب الإساءة لهن. وإن كانت تلك الأرقام متفاوتة ومتخبطة إلا أنها دليل واضح على وجود تلك المشاكل وإن حاول الكثيرين تجاهلها وسترها تبعا للعادة السائدة هنا ، ولكن زيارة أي شخص إلى مكتب العمل التابع لوزارة العمل ، سيدحض كل تلك الأكاذيب وسيكتشف بنفسه مدى فداحة هذه القضية.. فازدياد أعداد الشكاوى المقدمة من خادمات أو أعداد المقدمات على الانتحار أو الهرب يعد دليلا دامغا على أن علاقة الكفيل بالخادمة ليست على ما يرام ، وقد تشكل دليلا دامغا على إساءة معاملة الكفيل للخادمة ، طبعا لا ننكر وجود عدد من الخادمات يعانين من انحلال أخلاقي ويفضلن الهروب من كفلائهم للعمل في مهن أكثر إنتاجية وفائدة مادية لهن ، فينتظمن في شبكات محترفة لممارسة البغاء ، ولا سيما أن هذا النشاط أكثر رواجا وازدهارا هنا ، حيث يجد تربته الخصة في مجتمع ، يظهر للعلن بشكله المحافظ والملتزم، ويخبئ خلف أسوار بيوته العالية أشياء وأمور لا يصح مجرد ذكر اسمها.

قُطعت أطرافها نتيجة تعذيبها

وطالما نتحدث عن الإساءة للخادمات، تعود بنا عقارب الزمن إلى الوراء ، يوم بترت فيه أطراف الخادمة الإندونيسية نور مياوتي بعد تعرضها للتعذيب على يد كفيلها ، ولم يكن الرجل وحده هو الذي يضربها ولكن شاركته زوجته أيضا بالمهمة ، مما أدى إلى إصابتها بالغرغرينا في يديها وقدميها وذلك بسبب جروح أو كدمات ملوثة. وأشار مقربون من نور إلى أنه عندما بدأت الغرغرينا تسبب رائحة غير طيبة أجبرتها الأسرة التي كانت تعمل لديها على النوم في حمام خارج المنزل الرئيسي. ولمدة شهر كانت تحبس كلما خرجوا من المنزل . وحتما ليست نور هي المعذبة الوحيدة ، بل هناك المئات اللواتي يعانين ما تعانيه تلك المرأة الأندونيسية .. نعم يوجد ظلم للخادمات هنا من بعض الناس الفاسدين أخلاقيا وإنسانيا ، حيث لا يتوانون عن عدم إعطاء الخادمة راتبها بحجة ، quot;حتى لا تهرب quot;، وعدم تحديد ساعات العمل لها ، هذا إضافة إلى تعرضها إلى التحرش الجنسي والضرب ، وقد تفشت مؤخرا ظاهرة تثبيت كاميرات خفية في المنزل ووضع الخادمة تحت مراقبة دائمة ، هذا فضلا عن إقفال أصحاب العمل باب المنزل عليها عند مغادرتهم وبالتالي سجنها في داخله حتى عودتهم ، حتى أن الكثيرين يمنعون خادماتهم من الخروج لضوء الشمس إلا عندما يحين موعد سفرهن أو تركهن العمل . كل ذلك نتيجة عدم وجود أنظمة فاعلة لحماية الخدم ويدفع بالخادمة إلى الهرب من كفيلها و قد تقع في عصابات الدعارة المنظمة و تأجير العمالة غير النظامية وتدخل في دروب الإجرام والرذيلة.

نظرة دونية وعنصرية متفشية

إن الخادمة في السعودية خصوصا ودول الخليج عموما تعيش في ظروف غير طبيعية وتعامل معاملة سيئة وغير إنسانية لدرجة كبيرة، هذا إضافة إلى النظرة الدونية لطبيعة العمل ذاته وللعاملين بهذا المجال التي تصدر عن الجميع تقريباً ، مما يجعل من قضية الخدم والغوص فيه أمرا شائكا . وعن تلك النظرة الدونية لهذا النوع من العمل يشير علماء الاجتماع إلى أن الإشكالية المحورية في هذا الجانب هي الرؤية المجتمعية أو الفردية والتي تعزز ثقافة سائدة في تقييم إنسانية الإنسان أو امتهانه ومن ثم قيمة العمل أو تقديسه, وموضوع الخادمة والنظرة الدونية لها واستغلال حاجتها إلى العمل للكسب بإذلالها أو احتقارها أو الاعتداء على كرامتها نتيجة عدم تمكنها من التصدي كونها في الموقف الأضعف, إن هذه الحالة هي مرضية ثقافية اجتماعية في كثير من ثقافات الشعوب التاريخية, التي صنعت الإنسان سيداً وعبداً فكان العبد في موضع استلاب الإرادة والقرصنة على الحقوق, وموضوع الاستعباد هو حلقة ضمن السلسلة العالمية بعدم إعطاء الإنسان حقوقه أو استلابها . كما تسهم الغربة الحقيقية في تلك المجتمعات بين الخادمة ومخدوميها في تعذر انسجامها, فإن سوء التفاهم يتجلى في كثير من الاضطراب في علاقات الطرفين, ويعبر عن نفسه في الشكاوى المتبادلة الصحيحة والكيدية على السواء, وما يغذي القلق السائد في هذه العلاقة نظرة كثير من المجتمعات العربية إلى العمل اليدوي عامة نظرة ازدراء مجحفة ناهيك عن ممارسات عنصرية غير إنسانية، وما زاد الأمر سوءا, أن المخدوم ، هنا ، يتمتع بسلطة ترحيل الخادمة إلى بلادها مهما كانت رغبتها أو ظروفها, الأمر الذي يضطرها إلى الرضوخ لكل ظروف العمل مهما بلغت من المشقة وغض النظر عن المعاملة السيئة مهما وصلت إليه من قسوة وخصوصا أن الغالبية الساحقة من الخادمات جئن من مجتمعات شديدة الفقر (الهند- سيريلانكا- بنغلادش- اندونيسيا -الفلبين) وهذه الدائرة المغلقة تؤدي بدورها إلى شيوع سلوكيات غير سوية لدى كثير من الخادمات كالسرقة والدعارة والانتحار وقتل المخدوم أو أحد أفراد عائلته.

هم quot;ينبسطونquot; وهن يمتن

مما لا شك فيه أن معاملة الخادمة بشكل إنساني ينطلق من مبدأ أساسي من مبادئ حقوق الإنسان وهو احترام الإنسان بشكل عام دون النظر إلى عمله أو شكله أو عرقه أو لونه ، وضرورة احترام عمل الآخرين ما دام عملاً منتجاً, فالخادمة ليست عبدة لأنها تتقاضى أجراً مادياً لقاء عملها . rlm;ولكن يبدو أن الكثيرين لا يكترثون لهذا الحق كونهم قد فقدوا صفة الإنسانية وعادوا مجموعة قبائل بشرية جاهلة.ويبقى أن فعلا هناك إساءة في المعاملة للكثير من الخادمات هنا ، ولكن هذا لا يمنع أن بعضهن يعشن في نعيم ، تماما كما تعيش ياسمين عند كفيلها حيث تمضي نصف يومها نائمة وربعه ترسل مسجات من موبايلها والباقي في ترتيب البيت . ويا ليت كل الخادمات هن ياسمين ، أقله لا يوجد عند كفيلها شباب quot; ينكزون quot; عليها ويبغون أن يتسلوا وينبسطوا .