التجربة والمشاريع
عرفت قاعات المحاضرات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن امسيك الدار البيضاء لقاء نقديا حافلا بالبحوث والشهادات حول تجربة الناقد المغربي نور الدين صدوق وذلك يوم الخميس 22 دجنبر 2005 بإشراف وتنظيم مختبر السرديات.

في البداية افتتح اللقاء شعيب حليفي رئيس المختبر بكلمة أشار فيها إلى أن التوقف عند التجربة النقدية لدى صدوق يأتي في سياق التأمل في تجربة ملفتة لناقد عصامي راكم، عبر مؤلفاته، مفهوما للقراءة وآخرا للكتابة وحقق تلقيا واسعا على مدى ممارسته للكتابة، ويمكن القول ndash;كما يقول حليفي- إن صدوق في دور ممارسته المستندة إلى 16 مؤلفا، تتكامل في ما بينها، أصبح يمتلك وعيا نقديا واضحا أنضجته الممارسة النقدية الدؤوب، فتحقق في كتاباته خصوصية مزدوجة، وتتمثل في ملمحين بارزين في كل أعماله :
الأداة النقدية المتجدرة في نسغ النص الإبداعي والفكري
الرؤية كما تجسدها اختياراته وقناعاته الجمالية والفلسفية.
وفي كلمة كلية الآداب تدخل عبد المجيد القدوري عميد الكلية بكلمة مجملة تمحورت حول النقد باعتباره أساس المجتمعات وعنوان المستقبل، كما دافع عن المشاريع النقدية المنفتحة والمتحاورة والداعية إلى الحداثة مركزا على طبيعة التطور النقد في الانفتاح على العلوم الأخرى باعتبارها دعامات قوية، وأيضا المثاقفة واللغات بما يغني ويثري التجربة النقدية. وقد اختتمت هذه الجلسة الافتتاحية بكلمة للناقد نور الدين صدوق الذي ربط هذا اللقاء بالدعوة إلى تجديد الأدوات النقدية.

الرؤية النقدية
افتتح محمد معتصم (ناقد) جلسة المداخلات بدراسة تحت عنوان quot;في تحليل النص الأدبي، النقد الديداكتيكيquot; متناولا مسارات النقد وتعدد مدارسه والإشكاليات النقدية، وصولا إلى النقد الداداكتيكي في الثقافة المغربية ومتوقفا عند مؤلف (كيف تحلل نصا أدبيا؟) للناقد نور الدين صدوق، حيث يولي هذا الأخير أهمية لمسألة اختيار النصوص الأدبية.
بعد ذلك توقف محمد معتصم عند المقترحات الموجودة في الكتاب، ومنهجيته في، وتحليل النص الأدبي : وصف النص، بناء النص، دلالات النص ثم التعليق، وهو في هذا يكشف عن صعوبة تحليل النص الأدبي في المؤسسات التعليمية، لأن الشروط المحيطة بتدريس النصوص لا تساعد على إتمام تلك الغاية.

مداخلة لحسن احمامة (ناقد ومترجم) اهتمت بمؤلف (سير المفكرين الذاتية) من منظور المنهجية والمرجعية في سياق ممارسة تتخذ من المساءلة والتمحيص والتدقيق إحدى خصوصياتها، وهي تجربة واعية بمسارها وسيرورتها ضمن استراتيجية في اختيار النص.
ويعرض لحسن احمامة لفصول الكتاب ورؤية الناقد في المقاربة وأيضا إبراز قدرته على الاستكناه الدقيق لطبيعة السيرة الذاتية وللسياقات السوسيوثقافية (حصاد السنين لزكي نجيب محمود. أوراق العمر للويس عوض. غربة الراعي لإحسان عباس. حفريات في الذاكرة لمحمد عابد الجابري).
وحول (المنهج في كتاب عبد الله العروي وحداثة الرواية) تحدث مصطفى النحال (مترجم وناقد) عن عدد من ملامح المنهج والنقد عند صدوق من خلال هذا الكتاب، مستخلصا أنه ناقد موضوعاتي لا ينشغل بالتنظير أو المفاهيم وإنما يبحث في هوية التيمات منصتا لإيقاع الرواية الباطني من منظور شمولي متفتح وبانتهاج أسلوب الإضاءة والمحايثة المتمثلة في القراءة غير الإسقاطية، وخلص مصطفى النحال إلى استنباط ثلاثة مستويات أساسية عند صدوق في مقاربته للروايات : التعدد اللغوي ثم البعد السيري، وأخيرا رمزية الكتابة.

صورة الناقد في كتاباته
في المحور الخاص بالشهادات، جاءت المداخلات مزدوجة النفس بين شهادات وتأملات نقدية وقد افتتح هذا المحور الحبيب الدايم ربي (قاص وباحث) بنص (التناس أو جدل الذات و الأسلوب) معتبرا أن التناس هو خلاصة العلاقة القائمة والممكنة بين الإنسان والذات والآخر والكتابة ثم انتقل إلى البحث في خصوصيات صدوق الكاتب والإنسان، وصورة الناقد كما حققها من خلال حياته وكتاباته.
القاص والمترجم محمد صوف يقول في نصه الشهادة حول صدوق : إن النقد راوده عن نفسه. هم به فألقى سلاحه وانصاع للاختيار الصعب وهو يعي تماما صعوبة اختياره، يعي وهو يكتب أنه من المحال إرضاء الجميع، يعني أن الطبائع البشرية تختلف، واختلافها يؤدي حتما إلى اختلاف في الرؤى والأحكام.
واستكملت كلمة عمر والقاضي (قاص وروائي) الصورة بالحديث عن النقد والنقاد ثم إن الناقد صدوق أسس لتجربته النقدية بعصامية فريدة عبر إصراره على التحصيل والمسايرة والموظبة، فهو متواضع معتز بنفسه واثق من خطواته، صارم في مواقفه واضح في رؤاه وكتاباته.
القاص عبد النبي دشين يستعيد صورة المثقف في نص حميمي (شلة فرح) صورة الذات والذوات وسط فضاء ثقافي وداخل نمو حق ثقافي متبادل.
وفي شهادة علي أفيلال (قاص وروائي) التي بعث بها : (كلمات من صبح ضاحك الضياء) تذكر كيف تعرف على صدوق في باريس من خلال أحاديث عدد من الكتاب العرب الذين كان يلتقي بهم أفيلال، وكيف أنه ساهم في التعريف بالأدب المغربي في المهجر.
المصطفى اجماهري (قاص) أشار إلى ميزتين أساسيتين في الكتابة النقدية عند صدوق وهما الصدق والتنظيم.
وقسم سعيد بوكرامي (قاص) شهادته (اللامنتمي) إلى محورين عالجا صفاء الرؤية وتجدد الأداة من جهة ثم حلقة الكتاب البيانيين من جهة ثانية ليخلص إلى أن صدوق لم ينشغل بالشجون الأكاديمية بل واصل مشاريعه النقدية الثقافية المنفتحة على كل المناهج والدراسات والمتون المغربية والعربية، بل إن انشغاله على بيداغوجيا القراءة جعله اسما مقروءا ومتداولا في الفضاء التعليمي.
(الناقد الصدوق) هو عنوان آخر شهادة للشاعر ادريس الملياني في فقرة من فقراتها الثمانية : quot;ولا يزال يجمل في طلب الأدب الميسر له منذ مطلع الشباب، حتى اكتسب تجربة إبداعية خصيبة ينتسب فيها قبل كل شيء إلى نفسه المنتمية إلى تلك العصامية... ولا ينكر فضل أبائه الروحيين عليه ولا يضمر لهم قتلا ولا قطيعة. وقد نيفت أعماله الأدبية، النقدية والتربوية، المطبوعة إلى الآن على العشرين بما فيها الكتب المشتركة. كانت كلها ثمرة جهد نقدي دؤوب خلال عقدينquot;.
وقد اختتم هذا اللقاء النقدي بكلمة نور الدين صدوق والتي اختار فيها الحديث خيال المبدع وخيال الناقد، هذا الأخير الذي هو مبدع ثان يشارك الأول بتوظيف خياله في إضاءة البياضات ورتق الثقوب التي يتركها المبدع.
كما تحدث صدوق عن تجربته النقدية التي رصدها في ثلاثة مكونات أساسية : المقارنة والربط والذوق، مثلما تحدث بنوع من البوح عن رغبته في العودة إلى حضن الإبداع القصصي الذي كان قد بدأ به حياته.
إن اللقاء حول تجربة صدوق النقدية ndash;يقول شعيب حليفي في الاختتام- هو بداية للالتفات إلى تجارب نقدية أخرى مهدت لاستمرارية وتجدد النقد المغربي كما ساهمت في تطور الإبداع والقراءة وضخ روح دينامية في الرؤية.
ولم يفت القاص محمد القطيب التناني، كما تعود دائما، أن يلقي قصيدة جميلة أضفت على هذا اللقاء العلمي والحميمي طابعا شعريا رائقا.