*منذ سنين كان في أحد جبال مكة المكرمة صخرة تحولت بفعل الرياح وعوامل التعرية إلى ما يشبه شكل امرأة مما جعل الاسم الدارج لتلك الصخرة هو (المسخوطة)، وهو الأمر الذي دعا هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى إزالة تلك الصخرة قبل أعوام تقارب العشر.. بعدما لا حظتْ انتشار الاسم واستباقاً منها لأي قصة سيحيكها هواة السرد حول تلك الصخرة...
وقتها كنت أرى قرار الإزالة غريباً ولا داعي له.. فهو قد أزال معلماً يملك جمالاً طبيعياً ما.. من على جبل..!!
*منذ سنين أيضاً وحين كتب (فرانز كافكا) قصته الشهيرة "المسخ"... كانت أطول أجزاء القصة وأكثرها مللاً وتفصيلاً هي الصفحات العشرون الأولى منها.. (أي قبل أن يتحول غريغوري إلى كائن يشبه الصرصار).. بعد ذلك وعندما وقع الأهل والكاتب في مأزق وجود كائن غريب وسط أسرة عادية.. تعامل الاثنان مع هذا الكائن بما تقتضيه الحياة وشروطها عموماً.. تقبلوه لأيام، لأسابيع ربما.. ثم.. تخلصت الأم ببساطة من ذلك الكائن المفترض.. وكنسته خارجاً...
* ما العلاقة بين ما جرى في جبل بمكة المكرمة وكافكا.. لا توجد علاقة سوى في كيفية التعامل المتوقع مع ظاهرة كـ"الانمساخ".. حين يتفق الجميع.. سواء من يملك مخيلة الروائي أو من يملك سلطة الرقيب والوصي على ضرورة التخلص من كل ما يشير لحدوث أمر كهذا...
•وهل هناك علاقة بين القصتين اللتين وردتا أعلاه والقصة التي تدور حالياً في فضاء الإنترنت، ومجموعات الرسائل ورسائل (الاس ام اس) في قنوات الأغاني والتي علقت في لوحات إعلانات بعض المساجد (هنا) وتناولها بعض خطباء الجمعة وتداول الناس ورقة مصورة تحوي الخبر والصورة كموضوع للنقاش؟
•لنحلل القصة معاً كما يسردها خبرها الشهير:
-فتاة وأمها.. الأم تقرأ قرآناً والفتاة تشاهد قناة أغانٍ... (الفتاة والأم مجهولتان وبلا ماضٍ سوى أن الفتاة تستمع للأغاني بكثرة، والأم كما يشير فعلها متدينة، البيت لا تفاصيل واضحة عنه سوى أنه مكان للحدث: هل كان البيت مكوناً من غرفة واحدة؟ لو كان كذلك فكيف ستستمع الفتاة طيلة الوقت بمشاهدة قنوات فضائية يلزمها تلفزيون جيد وصحن لا قط وجهاز استقبال؟)
-الفتاة تبدي انزعاجها من قراءة أمها (هل كانت الأم تقرأ بصوت مرتفع للغاية؟ أم أن صوت التلفزيون كان هو المنخفض؟ ولماذا لم تكتف الفتاة برفع صوت التلفزيون مثلاً؟)
-الفتاة تأخذ المصحف من أمها وتلقي به على الأرض (طيلة الوقت القصير للقصة كان دور الأم شرفياً فقط.. فهي لا تفعل شيئاً حتى عندما تود الابنة انتزاع مصحفها من يدها!.. )
-الفتاة تُمسخ إلى حيوان يمكن مشاهدة صورته عبر كل موقع.. كما يمكن التأكد من ذلك بزيارة للغرفة رقم.. بمستشفى... الخ (من كان يسرد القصة منذ البداية هو صوت الأم على ما يبدو.. إذ لا وجود لشخص ثالث في القصة.. لكن ارتباكاً بسيطاً يطرأ على آخر القصة حين يقرر ساردها التأكيد على صدقه بوضع رقم الغرفة والمستشفى والمدينة... لا بأس لنقل إن السارد هو شخص ثالث استقى المعلومات من الأم..... ولنتوقف عند تلك الأم السلبية للغاية لنتساءل: ما الذي فعلته بعد انمساخ ابنتها أمامها... هل ذهبت بها للمستشفى بعدما كانت هي الوحيدة التي تعرف سبب ذلك؟ كيف يمكن لأطباء أن يقاوموا ما حدث؟.. ما يحدث وفي أمور كثيرة أبسط هو أن الأسرة تحاول التكتم على ما جرى.. كما فعلت أسرة (غريغوري مثلاً) وكما تفعل كل أسرة بأحداث تعتقد أنها تصنف عاراً..)
•من ناحية المضمون تقوم القصة على التضاد بين فعل وآخر (بين قراءة القرآن والاستماع للأغاني).. وهي تضع نتيجة الفعل الأخير في وعي قارئها أو مستمعها (دون أن نلمس نتيجة للفعل السابق الذي كانت الأم تقوم به).. والغرض من القصة تحذيري واضح...
•عند استقبال القصة لن يقف المستقبِل على القصة وحدها بل إن مقدمتها ونتيجتها هي ما سيجعلانه يتوقف.. فالمتشكك يواجهه سؤال مثل: هل تشكك بقدرة الله عز وجل؟ والمصدق لهذه القصة سيصدقها لذات السبب أيضاً...
•من حيث السرد القصة ضعيفة للغاية والثغرات الكثيرة لا تقيم لها أي حياة... لكنها على العموم ليست القصة الوحيدة التي يضمن لها ضعفها الفني هذا الانتشار..!!
•.. هاهي مزحة (الفوتو شوب) لم تحتج أكثر من سطور قليلة للوصول إلى أذهان لا تقرأ القصة كقصة بل تذهب مباشرة إلى مضمونها (وهل يتفق هذا المضمون مع ما غرس فيها؟)..
القصة التي لا تحمل قلقاً بل تقدم نتيجة، ليس لها وجوه متعددة بل وجه واحد هي ما يسود بيننا (لعوامل كثيرة ليس هذا مكانها)..
القصة التي تقدم نموذجاً للتبسيط الساذج هي ما يريده قارئ لم يتعرف على نماذج قص أخرى.. ولا عزاء لكافكا.