في تقرير لوكالة رويتر للأنباء نشر في إيلاف في عدد سابق، جاء ان الكتاب العربي سجل معدلا للنشر بنسبة 0.7 بالمئة، وأن نصيب كل مليون عربي من الكتب المنشورة لا يتجاوز 30 كتابا، وان نصيب كل مليون عربي من عناوين الكتب المؤلفة او المترجمة 30 عنوان كتاب، بينما في أوربا 584 عنوانا وفي أمريكا 212 عنوانا. وبالنسبة لحساب النسبة المئوية لحركة نشر الكتاب في العالم لم يتجاوز نصيب العالم العربي 0.7 بالمئة، في حين تصل النسبة في أوربا الى 54% وفي آسيا الى 23% حسب آخر تقرير لليونسكو، والمعدل العام لعدد النسخ المطبوعة هو 3000 نسخة لكل عنوان كتاب. وبخصوص عدد القراء لكل مليون، هو 90000 تسعون الف لكل مليون عربي، اعتمادا على معدل عدد النسخ المطبوعة 3000 ثلاثة آلاف نسخة لكل عنوان، و نصيب الـ 30 عنوان كتاب لكل مليون عربي.
لو أخذنا نفس الحسابات لتقدير النتائج بخصوص عالم الكتاب على ساحة الثقافة الكردية في اقليم كردستان، سنجد أرقاما تكشف عن واقع الكتاب في العالم الكردي في اقليم كردستان. ولغرض عرض عالم الحقيقة بالأرقام والشواهد، سنعرض تلك الأرقام استنادا الى معلومات مستخرجة من الواقع الثقافي الكردستاني لسنة 2004. حيث يشير خبير متخصص في بيبلوغرفيا الكتاب الكردي، انه طبع اكثر من الف عنوان كتاب في كردستان في العام الماضي، وبمعدل طبع 300-10000 نسخة لكل عنوان وبمعدل عام 500 نسخة لكل عنوان كتاب، وشارك أكثر من 25 دار نشر حكومي وأهلي، في محافظات الاقليم السليمانية وأربيل ودهوك، في إصدار تلك الكتب.
اعتمدا على تلك المعلومات، وطبقا لعدد نفوس الكرد البالغ 4 أربعة ملايين في الاقليم، فأن المعدلات الرقمية المتعلقة بالكتاب، يصبح نصيب كل مليون كردي 250 عنوان كتاب وهو رقم يتجاوز النصيب العربي تقريبا بتسعة أضعاف. ومعدل عدد القراء لكل مليون كردي هو 125000 فاريء، اعتمادا على معدل عدد النسخ المطبوعة 500 نسخة لكل عنوان، ونصيب الـ 250 عنوان كتاب لكل مليون كردي. من هذه المعدلات، تتبين أن الكتاب في كردستان شهد ازدهارا واهتماما كثيرا.
ومن المؤشرات القوية الأخرى لازدهار عالم الكتب في الاقليم، أن قاموسا بعنوان قاموس جاف كردي-إنكليزي سجل وحده أكبر عدد طبع من النسخ وهو خمسين الف نسخة، ودواوين شعرية كردية سجلت أرقاما عالية في الطبع حيث وصل طبع احد الدواوين وهو ديوان ره نج الى عشرة الاف نسخة، وهذا الرقم يعتبر رقم كبير على صعيد النشر والطبع في منطقة الشرق الأوسط.
من هذا يتبين ان حجم الثقافة في العالم الكردي من ناحية التأليف والنشر والطباعة والقراءة، قد زاد حجمه الى درجة كبيرة مقارنة بعدد نفوس سكان الاقليم، ومقارنة بواقع الثقافة في العالم العربي. ولا شك أن أجواء الحرية التي نزحت الى المنطقة الكردية بفعل الانتفاضة الكردستانية التي أخرجت نظام البعث البائد من الاقليم تعتبر العامل الحاسم في هذا الانتشار الواسع للثقافة، إضافة الى اهتمام الحكومات الكردية المتوالية للادارة الكردستانية والأحزاب والحركات السياسية الكردية التي حملت كل حركة ثقافتها الخاصة بها بجانب الثقافة والكتاب والصحافة والإعلام. كل هذا الاهتمام أدى الى أن تجد كل ألوان الفكر والثقافة في أسواق الكتب الكردستانية، من أقصى اليسار الى أقصى اليمين في الفكر العلماني، ومن أقصى الشمال الى أقصى الجنوب في الفكر الديني، اضافة الى توفر ألوان منوعة من الكتب العلمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية واللغوية والكمبيوترية التي غزت الأسواق الكردية بعد الأعوام التي تلت عام الانتفاضة المباركة، خاصة بعد عام 2000. ومن المفارقات الغريبة التي دلت على الاهتمام الشديد للمواطن والقاريء الكردي في كردستان بالكتاب في سنوات الحصار على الاقليم، أنها بمجرد الحصول على نسخة واحدة من أي كتاب من خارج كردستان، كان يعاد استنساخه بأعداد لا يقل عن 500 نسخة لتخفيض سعر النسخة بسبب غلاء سعر الكتاب الأصلي، نتيجة الحصار الاقتصادي والتجاري والثقافي الذي كان مفروضا على الاقليم من قبل نظام صدام الجائر في حينه، وبسب تردي الأوضاع المعيشية والمادية للمواطن الكردستاني في تلك السنوات العصيبة التي سبقت عملية تحرير العراق من براثن الظلم وجور النظام السابق.
ومن عجائب الواقع الثقافي الذي شهده الاقليم خلال سنوات العقد الماضي، ان عالم الكتاب شهد تناقضات شديدة بين المضامين الفكرية والتوجهات السياسية التي حملتها متون الكتب المؤلفة والمترجمة لاتجاهات فكرية جدا متنافرة مع بعضها، ومتباعدة مع الاتجاهات التقليدية للثقافة السائدة في المجتمع الكردستاني. لكن بالرغم من هذا لم يتأثر بها القاريء الكردي بجاذبية قريبة أو نفرة بعيدة، بل تعامل معها بهدوء وروية، وهذا ما ساعد على ان يحتفظ المجتمع الكردي بتوازنه واعتداله أمام التيارات الفكرية المتناقضة التي تعرض لها المجتمع بغعل الحرية وحرية الرأي التي اجتاحت الساحة الكردية.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن السنوات التي تلت عملية تحرير العراق، شهدت استقرار سياسيا وأمنيا واجتماعيا في الاقليم، وهذا ما ساعد على أن تشهد الساحة الثقافية حركة واسعة من التأليف والإعداد للكتب الكردية في مجالات عديدة، أغلبها في مجالات سياسية وتاريخية ولغوية وتقنية متعلقة بالكومبيوتر والانترنيت وتعليم لغات أجنبية، وفي الآونة الأخيرة بدأت تحتل الكتب اللغوية لتعليم اللغات العالمية وبالأخص منها اللغة الإنكليزية تأخذ حصة الأسد من اهتمام القاريء الكردي بغعل معايشته لعالم متزن من الحرية والمسؤولية بغعل وعيه السياسي والثقافي والاجتماعي، وتماسه مع مصادر المعلوماتية المتمثلة بعالم شبكة الانترنيت وعالم الفضائيات، الذين أصبحا العماد الرئيسي للثقافة والحياة المعاصرة في عالم اليوم.
وأخيرا، وبعد طرح هذا المشهد الثقافي، لا بد لنا من القول، أن الثقافة في العالم الكردي أصبحت تعبر عن خصوصيتها بكل فعالية، وأصبحت تحتل مكانة خاصة لدى المواطن الكردستاني، وأصبح الاهتمام بها مشهدا بارزا من مشاهد الحياة البارزة في الاقليم، وهذا ما حدى بهذه الثقافة المميزة أن تنافس ثقافات الشعوب والدول المجاورة له، وأن تكون سمة ثقافية قومية بارزة منوعة مميزة للكرد مع السمات القومية المنوعة الاخرى للثقافة العربية والتركية والفارسية التي تتسم بها الثقافة الشرق الأوسطية.
- آخر تحديث :




التعليقات