اكثر ما يلفت القاريء في الرواية هو عدد اوراقها (ثماني وثلاثون صفحة فقط)، كانت كافية لخلق عالم روائي خاص، يضج بلغة سردية مميزة مشبعة بمناخات مناطق البقارة -كردفان- بغرب السودان، كون احداثياتها تشتعل هناك بين بطل الرواية الحقيقي الوهمي (ادم شواي) الذي حرفته في عوالمه قنص الصيد في بيئة السافنا المدارية مصاحبا كلبيه، من جهة وبين الطقوس الاجتماعية وجمالية المفردات التي ابدع الكاتب في توظيفها توظيف جيدا كي تخدم لغة السرد، الملاحظة الثانية في النص الروائي هو تكثيف الرمزية والاستغناء عن الحوارات بين شخوص الراوية (زرقا) ام (ادم شواي الاب)، و(عشتة) زوجة (ادم شواي الابن)، بيد ان كاتب النص اراد سلفا ان يضع قارئه في فخ القراءة وذلك بتركه للقاريء الاستنتاج والتميز بين (الادميين الشوايين)،عنصر المكان يبدو واضحا مضطربا هذا الاضطراب مرده الى البيئة الاجتماعية لقبيلة المسيرية الترحال من مكان الى مكان طلبا للزرق ولسعيتها، جمالية النص ايضا تكمن في استدعاء كاتب النص لمفردات الحياة اليومية لمجتمعات البقارة واعتبارها خلفية مكملة لتبيئة المكان (الاجتماعي) منطقة المجلد، وبابنوسة، مفردات من عيار انطيني (اعطيني) الشرموط (وهو اللحم المجفف وهي شائعة في حزام السودان الشرقي ص37-)، جرقاس (من اسماء الكلاب الشائعة في غرب السودان- نفس الصفحة) التركاش (وهو العدد من الحراب مجتمعة وقد يكون كجعبة السهام) وغيرها من المفردات الاخرى، بيد ان النص ايضا بدا وكانه يصالح ويزاوج بين (المفردة العامية) التي اشرنا اليها سابقا وبين (المفردة العربية الصرف) التي جرى تداولها يوميا في بيئات البقارة حيث تشتبك اللغة السردية في اتون شخوص الرواية من ناحية، والمكان والزمان باعتبارهما عناصر اساسية في البناء السرد، ويمكن هنا ان نستحضر من النص مفردتين هما (المجوز- خزانةالادوات) والضرا (مجلس الرجال وفيه يستقبلون ضيوفهم).
تدور احداث الرواية اساسا عن متخيل (الدية) مما يجعلنا ان نستنتج سلفا ان ثمة صراع دموي بين شخصين اومجتمعين متباينيين تم حسم هذا الصراع بدفع دية ولكن المسار السردي للنص بدايته (لم يبدر منه ماينبيء عن رغباته تلك، التي ببلوغعا حدث ما حدث بعد تناوله العشاء بصحبة زوجته امرها بارضاع البنت ثم انصرف الى شان اطعام كلبيه، كان يحادث الكلبين و كعادته يعدد الاخطاء التي ارتكبها كلاهما او احدهما اثناء اخر مهمة صيد قاما بها، وقد يشرح لهما شرحا مفصلا حدود رحلة الغد -ص 3) المنصة الابتدائية للنص تلفت نظرنا وتمهد لان الصراع القادم ينتهى (بدم) في سياق تتبعنا للنص السردي عن بطل الراوية ادم شواي المشتهر سلفا بالفروسية، وصيد الزراف والنمور، المتناقض، القلق، المتوتر مع كيانه، الذي بلغت به الجرأة ان قام ببيع كلبيه مصدر رزقه هو وزوجته في سوق المجلد (كان سوق المجلد ومع دوام انعقاده يوم الاثنين من كل اسبوع، الا انه لم ينا بعد عن ملامح الارتجال التي تعتريه فحينا يكون سوق البهائم في شماله، وبينما التشاشة (السماسرة) في وسطه، مع التزام بائعي الخرز واكسسوارت النسوة ناحية الجنوب، ص- 4) ثم يتجه النص فجأة الى موت ادم شواي في رحلة صيد غامضة بعد غياب ساردا كيفية موت ادم شواي ابان مطاردته لزراف بري في بطن الغابة لكنهم اجمعوا على غموض الوفاة. (بعد غياب دام الشهر كانوا يحملون من لحوم الزراف المجففة ما بلغ حمولة الاربعة ثيران، بلغ صمتهم حد الارتباك وعقب تحايا استقبال العشيرة وانصراف رتل الفتيات اللائي غنين على شرف بطولة العائدين، هم ابوالرمام (صهر ادم شواي) بابتدار الحديث، ولكنه فطن الى وجود حمدين الكراج الذي يكبره سنا في ركب العائدين، فاعاد حربته التي كان غرسها في الرمل ليذيع خبر غياب شواي عن ركبهم، وضع ابورمام قناة الحربة بين فخذيه وعيون رجال الفريق الحارة او الحلة المتسائلة من نفاد صبره قال الكراج (شواي مات).
النص يتنقل وبصورة فلاش باك من صورة فنية جمالية الى اخرى ليؤسس لنا على شخصية اخرى تتمثل في ادم شواي الابن الذي تزوج لاحقا عشتة بنت ابوزمام ليرصد لنا الجانب الصوفي في رحلة الركب من غرب السودان كردفان الى امدرمان ليتنقل النص من البيئة كمحدد لوحدة (المكان) وبين ديكور البيئة المجتمع بيوت القش، وزرائب المواشي الشوكية، وشظف العيش والصراع السياسي الذي اشار اليه كاتب النص فترة السيد عبدالرحمن المهدي مما يجعلنا ان نستنج ان احداث الرواية دارت ابان حقبة الاربعينيات من القرن الماضي دون ان يقع كاتب النص في الرواية التاريخية التي يعتبر جورج زيدان احد اعمدتها
بشكل عام اللغة السردية للنص تبدو مشبعة بالمفردات الجمالية، والتصاوير البيئية، والبساطة في حياة ناس قبائل البقارة، ويبدو ان المشروع الثقافي الذي يشتغل عليه كاتب النص (الدية) -بتشديد الدال- هو احداث نقلة لمجتمعات البقارة واستشفاف نمط عيشها، وميكانزمات مفاصل بؤسها وشقائها والتي حوله كاتب النص الى (نعيم قصصي ساحر) ربما يتقاطع مع رواية (مدينة البهائم- لايزابيلا الليندي) ويتبدى ذلك في نهاية النص السردي عندما نكتشف الفخ المعد للقاريء سلفا المتمثل في انه لا توجد دية او اي شيء من هذا القبيل لان ادم شواي الابن عندما رجع من رحلة صيد بعد عدة ايام قضاها في الفلوات والنجود لم يعثر له على حيوان يصطاده ببندقيته وعلى حوافي القرية /الفريق تتبع سرب طائر الوزين في فناء مركز المامور -البوليس- وعلى نحو هستيري صارخا الوزينة.. الوزينة.. الوزنية وين؟؟ لنكتشف ذلك..الفخ..
الاستاذ ابراهيم ادم سلوم من مواليد منطقة اب تيخ بجنوب كردفان 1965م درس جميع مراحل تعليمه بالخرطوم، عمل معدا للبرامج وكاتبا دراميا للاذاعة بالهيئة القومية للاذاعة -1990-1997 التحق المعهد العالي للموسيقى والمسرح وفصل منه بعد عامه الدراسي الاول 1969م/ هاجر الى القاهرة حيث عمل مترجما بمركز الثقافة السودانية بمدنية نصر، ثم عمل عضوا بهيئة تحرير مجلة كتابات سودانية التي تصدر من القاهرة قبل ان ننتقل الى الخرطوم، يقيم حاليا بالولايات لمتحدة الاميركية منذ فبراير العام 2000م كتب للمسرح:ود ضيف الله ياسف لما حصل)، (المشرع)، كما لديه عمل شعري يحمل عنوان (طفولة) الرواية عن معامل قاف للانتاج الفني و الاعلامي الخرطوم- السودان- الطبعة الاولى 2004 الخرطوم
التعليقات