ترجمة وتقديم د. بهجت عباس: فريدريش هولدرلين ولد هولدرلين في مدينة لاوفن Lauffen عام 1770 لعائلة متدينة، حيث كان أبوه قسّـاً وأمه إبنة قسيس، وحصل على تعاليمه الدينية من أمه وجدته وخالته. توفي أبوه سنة 1772، فتزوجت أمه ثانية وتوفي زوجها عام 1779 تاركاً لها ولداً وبنتاً. فعاش هولدرلين يتيماً في رعاية أمه التي كان يحترمها جداً. درس الدين في توبنغن وكان صديقاً لهيغل وشَيلنغ. كان لديه امتعاض شديد من مهنة القساوسة، إذ تكونت ليه شكوك في الدين. بدأ حياته كمعلم صبيان، فأصبح مدرساً لعائلة شارلوته فون كالب – توبنغن، وعندما زار يينا في 1796 حصل على عمل لدى عائلة المصرفي كونتارد، حيث وقع هولدرلين في حب زوجة المصرفي الجميلة زوزيتّه، ولما عرف المصرفي بذلك، خسر هولدرلينوظيفته. في سنة 1796 صاحب غوته، الذي لم يُعره أهمية كبرى. كان هولدرلين مولعاً بالميثولوجيا اليونانية، وكانت جزءً من حياته اليومية. وعندما ثار اليونانيون ضد الحكم التركي، أثناء ولادته، جعله يكتب روايته الكبيرة (هيبريون ) 1797-1799. ظهرت زوزيتّه في أشعاره مرات عدة باسم (ديوتيما)، الكاهنة اليونانية التي علمت سقراط الحكمة. في عام 1802 أخذت أعراض انفصام الشخصية تظهر عليه. وفي 1806 تفاقم حاله، فأدخل المستشفى التي بقي فيها حتى وفاته سنة 1843. يُعتبر هولدرلين أعظم شاعر رومانسي، وهو بمثابة غوته وشيلر من الشعراء الألمان.
عندما كنتُ صبيّاً
عندما كنتُ صبيّـاً،
أنقذني إلـه غـالـباً
من صُـراخ النّـاسِ ومن عِـصِـيِّهم،
فلعبتُ جيداً وبأمـانٍ
مع أزهـار الحـديـقة،
ولعبتْ نُسَـيْماتُ السَّمـاء معـي.
وكمـا تُـدخِـلُ السّـُرورَ إلى قلب النبـتةِ
عنـدمـا تمُـدّ أذرُعَـها
اللطـافَ إلـيـكَ،
كذلك أسعـدتَ قَـلـبي
أيّـها الأب هِـليـوس !* ومثلَ إندِيـميـون ،**
كنتُ حبـيـبَـكَ أيّـُها القـمرُ القُـدسِـيّ ُ!
آه كلّـُكمْ مُـعتَـمَـدٌ عليـه
أيّـتُها الآلـهـة الـرَّحيـمةُ!
هـلْ تعـلمـون
كمْ روحي أحبَّـتْـُكـم!
حقـاً لمْ أكنْ أستدعيـكم من قبلُ
بأسمـائِـكم، وأنـتُـم كذلك
لم تُسمّـوني قطّ ُ، كما يُسمّي
النّاسُ بعضَهمْ إذا عرف أحدُهم الآخرَ.
لكنّـي عَـرفـتُـكمُ الآن أحسنَ
مما عرفتُ البشـرَ،
إنّي فهمتُ سُـكـونَ الأثيـر،
ولكنّي ما فهمتُ كلماتِ الناس قطّ.
رَعـرَعني الصوتُ الشَّجِـيّ
للروض الهامس
وتعلمتُ أنْ أ ُحِبَّ
تحت الزهـور .
في أذرع الآلـهة ترعرعتُ .
كبيـراً.
* إله الشمس
** إنديميون الراعي الشاب الذي أحبته إلهة القمر (سيلينا عند اليونانيين).
الوطن
يَـتَّجـه الملاّحُ مُبتـهجاً إلى وطنه على النهر الهادئ
من جُـزر نـائـيـة، حيث حصَـد منهـا ;
وأنا أيضاً أودّ العـودة إلى الوطن ;
ولكن هل جنَيْتُ من فوائدَ غيرَ المُعـانـاة ؟-
أنتِ أيتها الشـواطئُ الوديعـة التي أنشأتْـني،
هل تُسَـكِّـنينَ لـوعـةَ الحُـبِّ ؟
آه! أنتِ يا غاباتِ طفـولتي، هل تُعيدين إليَّ،
عنـدما آتي، الصّـفاءَ الذي كان ؟
إلى شعرائنا الكبار
سَمِـعتْ شواطئُ نهر
كانجه *بانتصـار إلـه المرح،
عندما تغلب على الجميع من أقاصي الهند
جاء الشاب باخوس **، مع النبـيـذ المقـدَّس
مُـوقِـظاً الناسَ من الرقاد.
أيّها الشّعـراءُ، أيقِـظوهم أيضاً من االنوم ،
إنّهم لا يزالون نيـاماً الآن، أعطـُوا القـوانـين،
أعطـونا الحـياةَ، أعلـنوا انتصـارَكم!
أنتم فقط، مثلُ باخـوس ، لكم حـقّ الإنتصار .
* نهر في شمال الهند يعتبر مقدساً عند الهندوس
** باخوس ، أو ديونيسوس Dionysus في الميثولوجيا الرومانية – اليونانية، هو إله الخمر والمرح، وهو إبنزيوس كبير الآلـهة.
نصيحة جيدة
عندك عقل وقلب، أظهِـرْ واحداً فقط منهما،
فإذا أظهَرتَ كليْـهما في آنٍ واحـد،
لَعَـنـكَ كلُّ منهما.
ولاء شيطاني
من أعماق قلبي
أمقتُ ارتباطَ الطغاة ورجال الدين،
ولكنْ أكثرَ العبقريَّ الذي يجعل من نفسه
سافلاً بارتباطه بهم.
سـابـقـاً والآن
في أيام الشّـباب كنتُ أستيقظ جَـذِلاً
وأبكـي في المساء ; والآن ، في عمري المتقدم،
أبدأ نهـاري مُـرتاباً، ولكنَّ آخرَه
مُـقـدّس وبهيـجٌ عندي.
التعليقات