كل عام وأنتم بالحب تتعاملون
ليلة الميلاد.. هدية الكاتبة سارة طالب السهيل

ليس فقط شكل القصة القصيرة والممتعة التي صاغتها أنامل المتألقة سارة طالب السهيل والتي كتبتها على شكل شجرة الميلاد، وكما ليس فقط مضمون القصة البسيط والسهل والداعي لأن يستعيد الأطفال فرحهم وسعادتهم ولهوهم وعفويتهم وأحتفالهم بالأعياد، وليس فقط المضمون العميق للحياة وماتتخلله من ذكريات حلوة ومرة، أليمة ومفرحة، وأيام تتخللها حوادث تغمر فرحها الروح، ولحظات تجسد صدق المودة وحقيقة الحياة التي منحنا أياها الرب لننعم بها ونعمل على نشر الخير والمحبة التي كررها الأنبياء وكررها قبلهم الله في كل كتبه المقدسه. ماميز قصة quot;ليلة الميلادquot; التي خرجت من أعماق روح الكاتبة سارة طالب السهيل، انها تعبير طفولي تميزت به وكرست قلمها من أجل خدمة الطفولة التي عافتها أنامل كتاب القصة القصيرة وقصص الأطفال في خضم التلاطم السياسي والتناحر الديني والمذهبي والتطرف الذي ينحر الأنسان بأسم الدين.
مايميز قصة الميلاد التفرد الذي التزمت به الكاتبة سارة السهيل وهي تحمل عمق جرحها الكبير في نذرها الشهيد الكبير طالب السهيل الذي منح روحه للعراق، لتبقى سارة ملتزمة بأنها تعطي للأطفال ماحرمتهم منه السياسة والبغضاء والأحقاد والتنافس غير المشروع، وهي دعوة للمحبة والسلام.
لشجرة الميلاد معان عديدة غير أن سارة السهيل وظفت هذا الرمز المحبوب لتحيلة الى قلادة نتزين بها ونتباهى بها، وتعويذه يحملها الأطفال على صدورهم فيعتزون بها وبكلماتها.
مايميز شجرة الميلاد أنها مهداة الى كل أطفال العالم ومن كل الأجناس، ومهداة الى كل أطفال العرب مكللة بالمحبة والسلام وهو حقاً مايعوزنا.
غير أنها ولمشاعر تجيش في روحها الوثابة لم تزل تحملها في قرارة نفسها لعرفان وأمتنان تشعر به لمعلماتها فتذكر لهن صدق تربيتهن ورعايتهن وتوجيههن معاني الفضيلة والشجاعة الأدبية، ومع كل ماغرسه فيها الشهيد من معاني الشرف والمروءة والكرم الذي أشتهر به والشجاعة التي لازمته حتى أخر لحظات حياته، الا انها آثرت أن تصوغ شكرها وتقديرها لمن أحيى فيها الأيمان والصفاء ومحبة الكلمة الطيبة.
ثم لاتلبث أن تزين قصتها القصيرة هذه بآيات من سورة المائدة، ثم تتسع دائرة المحبة لتكون مقدمة قصتها بقلم البابا شنودة الثالث ليملأ مقدمتها عبقاً وأريجاً ودعوة صادقة للألتفات الى الطفولة المنسية، ونشر المحبة بين البشر التي أرادها الله وبشر بها موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام.
ولعل القصة القصيرة التي أعتمدتها الكاتبة سارة طالب السهيل ببساطتها المعهودة في السرد وبناء النص ألتقطت أشارات من عالم الطفولة تتوزع بين القطة الجميلة وليلة الميلاد وقرع الأجراس والملابس التي تخيطها الجدات والحلوى المطعمة بالقرفة والبالونات الملونة وموائد الطعام وبابا نويل والهدايا، ثم تعود لتستل من وجع المدينة البعيدة عن عوالم العاصمة والتي أطلقت عليها أسم ( مدينة الخزامى )، كل صفات المدن الفقيرة والمهملة والبسيطة والتي تعتمد حتى في أنارتها على البساطة، لتحيل هذه البساطة الى حدث جلل أدى الى قتل وأحتراق العديد من اهلها، وأنتشار الحزن والموت والنحيب بديلاً عن الفرح والولادة والضحكات التي تملأ صدور الأطفال، لتتحول الى مدينة كالحة السواد، وكان الأطفال يبحثون عن منفذ يتسع لفرحهم وأستعادة حقوقهم في المسرة، وتعود الكاتبة سارة طالب السهيل لتعتمد على رمزية اخرى موفقة في أن تجعل السيدة ماري زوجة القسيس الأب يوحنا مفتاحاً لهذه السعادة، فرجال الدين الحقيقيين دائما يوظفون حياتهم من اجل ما اراده الله للإنسان، الخير والصدق والمسرة والسلام، وتكون القطة لوسي مفتاح العلاقة الأنسانية بين الأطفال وأهلهم وبين عائلة القسيس، ثم تعود القطة لتحمل الحاجات التي يتمناها الناس لتعود الفرحة ويعم السرور والأبتسامة في وجوه الناس، وتعود الضحكات الحلوة الى وجوه الأطفال لتنسى الناس الحزن، وتعود الحياة برغم بساطتها وفقر المدينة مبهجة كما أرادها الله، لتغير الناس لون ملابسها الى الالوان بديلاً عن السواد، ولتستمر الحياة والأستمتاع بلحظاتها ويمجد الجميع الله الواحد الأحد.
يمكن ان تشكل مبادرة القاصة سارة طالب السهيل تميزاً في شكل القصص الجميلة التي تخصصها للطفولة العربية التي تعاني من افتقار القصص والحكايات بعد أن انشغلت الجدات في حزنهن وتشردهن، وأنشغل الأباء والأمهات في لقمة العيش، وانشغل المثقف بهاجس الطحن السياسي والتعارض والتحزبات واللجوء والاغتراب، وأنشغل غيرهم بقصص تتناسب مع متغيرات العالم والقرن الجديد، غير أن سارة السهيل بقيت ملتزمة تجاه أطفالها لتصير تارة أختاً وأماً وتارة جدة من احلى الجدات.
ولعلها حين تضع نتاجها في قصص الاطفال ضمن النتاج الثقافي العربي، فانها تطمح الى تقديم خدمة لثقافة الطفل غير عابئة بما تضعها لها الحياة من عراقيل في تحدد مسارها الثقافي، بالرغم من قابليتها الثقافية التي جسدتها في ديوانها الشعري نجمة سهيل او في حكاياتها الشعرية صهيل كحيلة، او في قصصها الأخرى نعمان والأرض الطيبة أو سلمى والفئران الأربعة، غير أن ميلها الفطري لكتابة القصة للأطفال، وللحاجة الماسة التي يعانيها الطفل العربي لحاجته لمثل تلك القصص، وبالأشكال الأنيقة والجميلة التي تخرج بها تلك القصص ديلاً أكيداً على الأهتمام الخاص الذي توليه الكاتبة لقصص الأطفال.
في هذه القصة تفتح القاصة سارة طالب السهيل أفقاً بحاجة لأن نفتح سوية نوافذه، فنحن بحاجة ماسة لهذا التمازج الديني والتقارب والتلاحم الأنساني، ونحن بحاجة ماسة لأن نفهم بعضنا البعض وأن يكون قاسمنا المشترك المحبة والسلام والمودة، ونحن بحاجة الى ترجمة حقيقية بين قيم السماء التي طالما رددتها كل الديانات من اجل خير الأنسان.
لقد تمكنت سارة طالب السهيل وهي نتاج تربية لرجل يعد من فرسان العرب وشيخ متميز من شيوخ قبيلة بني تميم، أن تعكس تلك التربية والقيم في نتاجها الأخير، فتوحد الأسلام مع المسيحية مع السلام والمحبة، وتمازج بين كل قيم الخير في هذه الديانات لتخلق نمطاً من القواسم المشتركة التي تكون الطفولة أرضيتها التي تقف عليها.
في ليلة الميلاد تشعر بعمق المعاني مثلما تشعر ببساطة اللغة والأسلوب، وهي طريقة تسهل عملية متابعة الطفل والتصاقه بأحداثها، وفي ليلة الميلاد يشعر الطفل انه المعني وأنه سيحتفظ في ذاكرته بمعانيها، مثلما سيصر على الأحتفاظ بها كشكل من أشكال هدايا الميلاد لما ترمز له ولما تحتويه من أشكال ورسوم وصور.
وإذا كانت الجامعة العربية بأعتبارها منبر للحكومات العربية لاتلتفت لهذا النتاج الرائع للأديبة العراقية سارة السهيل، فانها تظلم الطفولة التي لم تجد من يهتم بها من المؤسسات الرسمية، وكما وجدت العزوف والأبتعاد من الأقلام العربية، بالإضافة الى تحمل القاصة الجهد والمال من اجل خدمة ستسجلها الأجيال القادمة لها بكل أعتزاز وفخر.
وكما أن على المؤسسات الثقافية الدولية أن تهتم بهذا المشروع الأنساني وتسانده، ولطالما توسعت دعوة الكاتبة سارة طالب السهيل لتشيع ركناً قصياً من أركان حقوق الأنسان في توفير مستلزمات الثقافة للطفل وفي توسيع مداركه وقيمه وحمايته ومساعدته بأساليب ثقافية تدفعه لسلوك سوي ومفيد بعيداً عن الأنحراف والاستغلال.