بين الخميس الثاني من آذار/ مارس الحالي والاثنين الثالث عشر منه، عاش اللبنانيون على امل كبير، بأن تتمكن زعامات الصف الاول وquot;ملحقاتهمquot; من تدوير الزوايا والخروج من مؤتمر الحوار الوطني الذي دعا اليه رئيس مجلس النواب نبيه بري ووصف بـ quot;صناعة لبنانية مئة بالمئةquot; بحلول جذرية، ثابتة وواضحة لمختلف القضايا والازمات الخلافية التي يعاني منها لبنان منذ ثلاثين سنة، خصوصاً المستحدثة منها: رئاسة اميل لحود، سلاح المقاومة والميليشيات الفلسطينية ومزارع شبعا.

راح الاثنين، بعد مصافحات وقبلات وابتسامات بين مختلف الافرقاء الذين تلاقوا على بياض وتحاور الثلاثة ايام متوالية، انتهت وبغير سابق انذر، الى تعليق الحوار وخرج الجميع كما دخلوا، حاملين معهم تفاؤلاته quot;صوتياًquot; وبسمات مصطنعة على ان الامور تسير بالشكل الصحيح، وأن خلافات ثلاثين سنة تفترض ثلاثين ساعة من الحواروالتفاوض، كما جاء على لسان النائب ميشال عون، وانه quot;ممنوع الفشلquot; كما صرّح الرئيس نبيه بري ومثله رؤساء التكتلات والاحزاب المشاركة... وان غداً لناظره قريب.
والاثنين المقبل هو القريب المنظور والموعد المرتجى. سيعود الجميع الى طاولة المفاوضات quot;اللبنانيةquot; بامتياز بعيداً عن الاشقاء والاصدقاء، بمن فيهم رئيس التكت الديمقراطي وليد جنبلاط العائد من واشنطن محملا بدعوات رايس وقبلاتها quot;سلام على صانعي السلامquot;(!) وأيضاً، بالابتسامات نفسها والمصافحات والتصريحات.

الكل quot;تأبط خيراًquot;، هكذا لسان حالهم، وإن كانوا لا يتنازلون قيد انملة عن شروطهم وطلباتهم، ما يدفع اللبنانيين الى مراجعة حساباتهم واسترداد تفاؤلهم وابتساماتهم، ذلك ان زعامات الصف الاول من مختلف الافرقاء والتوجهات سوف يعاودون الحوار من حيث ابتدأوا حول قضايا خلافية تبدو حلولها شبه مستحيلة في المدى المنظور، وهم ان اظهروا نية حسنة في قبول دعوة الرئيس بري الى الطاولة المستديرة، فإن الاولويات تختلف بين فريق واخر، ومثلها اشروط. صحيح ان جهنم تغص بأصحاب النوايا الحسنة، لكن الشيطان في التفاصيل، وتلك حقيقة القادة المتحاوين، الذين اكدوا مرة جديدة ان اللبنانيين لم يبلغوا بعد سن الرشد حتى يتمكنوا بقدراهم الذاتية على تقرير مصيرهم في بلد سيد حر مستقل.

على خطأ أو على صوا، يصرّ quot;الاذاريونquot; على قناعة لا عودة عنها، بأن استقالة او quot;ازاحةquot; رئيس الجمهورية اميل لحود تضع حداً لكل الازمات والمعضات والمشكلات الخلافية التي يعاني منها لبنان، القديمة والطارئة. وفي المقابل، يصر سيد بعبدا على إنهاء ولايته الممددة quot;سورياquot; حتى اللحظة الأخيرة, وكل الاساليب والضغوطات التي مورست ضده م تزده إلا عناداً وصلابة. خلا الكلام quot;المتفجرquot; الذي نقل على لسان صهره نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الياس المر في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة اثارت عواطفه، ولا ايضا رسائل سيد بكرك الكاردينال صفير المتكررة اثارت حماسه، ومثلهما الشعارات القاسية وquot;النابيةquot; التي حملها المتظاهرون جعلت الرئيس لحود يتراجع قيد انملة عن مواقفه وعناده. العكس صحيح تحوّل الرئيس لحود من موقع الداع الى الهجوم، اكثر من تصاريحه حتى باتت شبه يومية، تحمل اتهامات quot;الطالع والنازلquot; لاولئك الذين عاثوا في البلاد فساداً ومؤامرات طيلة ثلاثين سنة الماضية.. واللبنانيون، على حد قوله quot;لم يفقدوا بعد ذاكرتهم، وطعم الموت والاقتتال والتهجير والتدمير ما زال يرعبهم، وليس من لبناني واحد يتمنى العودة الى هذه الفترة الدموية الا اصحاب المصاح السياسية والاحتكاريةquot;... والحقيقة ان المواطنن من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب، يحسبون انفسهم بانتظار الاثنين المقبل.

صحيح انهم ملوا الانتظار والترقب والتكاذب السياسي وقبلات يهوذا بين بعضهم البعض، وكذلك الابتسامات الصفرء، لكنهم مدعوون الى التفاؤل ـ quot;مرغم اخاك لا بطل ـquot; على امل خروج الدخان الابيض الاثنين من ساحة النجمة، استثنائياً هذه المرة، وسط سحابات القلوب التي جعلت الحياة في لبنان ازمة قائمة بحد ذاتها، وفي غياب شبه تام عن معالجة الازمات المعيشية والاقتصادية والاجتماعية المتصاعدة التي يعاني منها اللبنانيون يوماً بعد يوم، والتي قد تدفع بهم عاجلا ام اجلا، ليس للمطالبة باستقالة الرئيس لحود كما تتمنى الاكثرية، انما لقلب الطاولة المستديرة على من حواليها، خصوصا اذا خرج المتحاورون مرة ثانية، وقد تكون بالتأكيد المرة الاخيرة، على جعجعة بلا طحين، وبما يفترض عودة البلاد الى احضان الوصيات الشقيقة والصديقة وحتى العودة، طالما كشف القادة على عادتهم دائماً،عجزهم عن الاتيان بمبادرة انقاذية لبنانية صرف، وطالما فقد المواطنون كل شروط ومستلزمات الصمود امام عاصفة عاتية تضع وجود لبنان ومستقبله على قارعة الطريق.

القادة يدركون ذلك بلا اي شك، بقي عليهم ان يؤكدوا ولمرة اولى وأخيرة ما رفعوه من شعارات: لبنان اولا وممنوع الفشل.
الامتحان صعب، وما على اللبنانيين المقطوعة انفاسهم بعد ثلاثين سنة من الموت المتجول ومصادرة قرارهم سوى الامل بالثلاثين ساعة المقبلة، لعل وعسى؟!!