إبتدعتها المرأة المصرية القديمة
فنون التجميل... النظافة بعد الألوهية


د.عماد صبحي: جميلة من يومها، تهتم بمظهرها وجمالها وقوامها، تحافظ على جسدها نظيفًا وأنيقًا، تختار الزيوت المعطرة بعناية لكي تدلك جلدها الرقيق فيبقى في أبهى صورة، تنظم وجباتها لكي تحافظ على صحتها وصحة أسرتها. تهتم برأي صديقاتها في جمالها، وتعبر لهم عن رأيها فيهم. تعالج أثر الجمل والولادة على جسدها، والمقارنة الحقيقية بينها وبين المرأة في عالم اليوم لن تجد فارقًا كبيرًا، تلك هي المرأة المصرية القديمة التي عاشت عصر الفراعنة.

ومثال على ذلك كشفت البحوث التاريخية عن تركيبة مصرية قديمة لعلاج حالات تشقق الجلد بعد الحمل والولادة وفي حالات السمنة، وأيضًا لعلاج تجاعيد الجلد وتقليل آثار التئام الجروح. وهذا الاهتمام بالجمال والمظهر الخارجي لم يقتصر على المرأة فقط بل شمل الرجال في مصر القديمة أيضًا، فكانوا يتبادلون وصفات لتحسين صحة الشعر والحفاظ عليه وزيادة نموه وأيضًا للتخلص من الصلع.

كان الجمال والاحساس به والثقة في النفس عاملين مهمين في مصر القديمة، وكان الفنانون يتبارون في رسم الرجال في قوام رشيقة وأكتاف عريضة وعضلات قوية، كما كانوا يظهرون النساء بصدور مستديرة وخصور دقيقة، وتبدو منطقة المعدة مسطحة لا عيب فيها. كانت النساء ممشوقات القامة ويرتدين ثيابًا أنيقة وكان شعرهن يبدو في حالة من الروعة والبهاء، على الرغم من انهن كن يرتدين quot;باروكاتquot; من الشعر المستعار في غالبية الأحوال، وبالطبع كن يتحلين بالمجوهرات الجميلة.

واتبعت نساء مصر القديمة مقولة quot;إن النظافة تأتي مباشرة بعد الألوهيةquot;، فكانت النظافة الشخصية الجيدة هي الأساس الصلب الذي استقرت عليه طقوس التجميل عند المرأة. ذلك أن الجسد غير النظيف والذي تنبعث منه روائح غير مقبولة هو جسد غير مرغوب ويرتبط بالقذارة. وكانت المرأة القادرة ماديًا تصنع معجونًا للتنظيف مكوّنًا من الماء والنطرون، وهو مركب يحتوي على بيكربونات وكربونات الصوديوم. وبمجرد انتهائها من الاستحمام كانت تدلك جسدها بالزيوت المعطرة. وحتى المرأة الفقيرة كانت تحصل على بعض الزيوت المعطرة كجزء من أجرها عند العمل لدى أسرة ثرية. ولعل أهمية التدليك بالزيوت المعطرة كانت ترجع الى نوعية جلد المرأة المصرية القديمة، وأيضًا نتيجة الطقس الحار الذي يسود مصر في فصل الصيف وأجزاء من الربيع والخريف. وعرف المصريون الاستحمام بصابون مصنوع من الدهون الحيوانية والزيوت النباتية والملح حوالى 1500 سنة قبل الميلاد .

ولقد تمادت المرأة المصرية القديمة في الاهتمام بجسدها وتزيينه، فصنعت المساحيق الحمراء من أكاسيد الحديد الموجودة في مصر، والمساحيق الخضراء من خام النحاس واستخدمته في تلوين منطقة العين، حيث كان هذا يرمز لخصوبة المرأة. وكان الكحل المستخدم لتجميل العيون يستحضر من الرصاص. وعرف عن تجميل العين فوائد مرتبطة بالسحر والطب، فالكحل كان يحمي المرأة من العين الشريرة، وأيضًا كان يحتوي على مادة مضادة للعدوى وطاردة للذباب.

ولم تهتم المرأة المصرية القديمة بجسدها فقط، بل امتد اهتمامها الى ثيابها بشكل ملحوظ، فكانت المرأة بعد التدليك بالزيوت المعطرة ترتدي الملابس الفاخرة المصنوعة من الكتان، وقد زينت بالورود والزهور. وفي المقابر القديمة يمكن العثور على أمشاط ودبابيس للشعر تظهر مدى اهتمام نساء مصر القديمة بالزينة والتجميل. كما كانت المرأة تصبغ شعرها وأيضًا شعرها المستعارة بألوان مختلفة أهمها الأزرق والأخضر والأصفر والذهبي.

الشيء الحزين والمؤسف بخصوص المرأة المصرية القديمة هي أنها كانت تعيش حياة قصيرة في المتوسط. فكانت معظم الفتيات يتزوجن في حوالى سن الثالثة عشرة، ويكون الأزواج أيضًا شبابًا صغارًا لا تتعدى أعمارهم ذلك السن إلا ببضع سنوات. ولأن الأولاد كانوا هم المسؤولين عن عمليات دفن أهاليهم المتوفين وتأمين الراحة لهم في قبورهم، فإن الرغبة في انجاب أكبر عدد من الأولاد كانت عارمة، وهي أيضًا علامة على الحالة الاجتماعية. وهكذا، أصبح انجاب الأطفال وظيفة مهمة جدًا للمرأة في مصر القديمة، وللأسف فإن كثيرات من الأمهات كن يفقدن حياتهن مع أطفالهن أثناء عملية الوضع أو بعدها بقليل، لذا كان من العادي أن تفقد كثيرات حياتهن قبل اكتمال عامهن الواحد والعشرين. وكانت امرأة الطبقة المتوسطة ndash; الأفضل حالا ًndash; والتي كانت تتمتع بمستوى معيشي لا بأس به من طعام وشراب وملبس، يمكن أن تعيش حتى تصل سن الخامسة والثلاثين. (حسب الدراسات التي أجراها أندرياس ج نرليخ من ميونيخ، على مقابر المملكة الحديثة والفترة المتأخرة في طيبة، وجد أن متوسط العمر عند الوفاة هو بين 20 و 40 عامًا مع تصاعدها بين العشرين والثلاثين. وكان الرضع والأطفال الصغار يشكلون حوالى ربع المدفونين).

كانت ثياب المصرية القديمة بسيطة وأنيقة، تنسدل من منطقة الصدر حيث تنطبق بإحكام على الوسط، ثم تطول الى الأقدام، وهي مصنوعة من قماش الكتان المزروع في مصر، وهو قماش خفيف يسمح بتهوية الجسم وتبريده، مما جعله قماشًا مثاليًا في مناخ مصر الحار. وبمرور الوقت تغيرت الموضة، وأصبحت الثياب والأقمشة أكثر تعقيدًا وزركشة.

الطعام في مصر القديمة :
كان الطعام في أساسه مكونًا من الخبز والجعة، مع تناول البصل والخضروات المختلفة والسمك المجفف. وذكر المؤرخ هيرودوت أنهم quot; كانوا يأكلون أرغفة الخبز المصنوعة من الحبوب المطحونة، وكان يصنعون شرابهم من الشعير. كما كانوا يأكلون السمك نيئًا، مجففًا في الشمس ومحفوظًا في الملحquot;.

ولم تكن الأسرة المصرية الريفية القديمة تأكل اللحم غالبًا، ذلك أن تربية الماشية لغرض تسمينها كان مكلفًا، فكانوا يستكملون غذاءهم بالصيد وتربية الدواجن، وأيضًا بالفواكه البرية التي كانوا يجمعونها، مع بعض النباتات الجذرية. وفي المعابد كان جزء من الذبائح والقرابين يوزع للمحتاجين. بينما كان الأغنياء في مصر القديمة يتمتعون بأكل اللحم، والطيور المائية، والخضروات والفواكه والنبيذ والخبز. وعلى العموم، لم يكن المصري القديم مغرمًا بالطعام، لذا تمتع باللياقة الجسدية والحيوية. كما كان الانسان العادي في مصر يأكل أقل مما كان يأكله المصري في العصور الوسطى.

احتل المطبخ المصري القديم ركنًا في ساحة الدار أو على السطح، كما كان معرضًا للهواء المفتوح. وكان الطبخ يتم في أفران مصنوعة من الطين، أو على نار مفتوحة، وهو ما كان يسمي quot;الكانونquot; في الريف المصري المعاصر. وكان الخشب هو الوقود المستخدم وأحيانًا الفحم، على الرغم من ندرته. وللاضاءة كانت النار توقد في نوع خاص من الخشب يتم استجلابه من الجنوب، وكان هذا النوع من الخشب غالي الثمن حتى أن معبدًا مهمًا مثل الكرنك كان يحصل على ستين قطعة منه فقط في الشهر.

كان الطعام يعد إما في الفرن أو بالسلق أو التسبيك أو القلي أو التحمير، ولكن لا يعرف الكثير عن وصفات اعداد الطعام. استعمل المصريون القدماء الملح والزيت والبصل والفجل والثوم لإعطاء النكهات المختلفة للطعام، كما كانوا يشربون الجعة (البيرة) وفي أحيان نادرة النبيذ. واستخدم المصريون القدماء العسل للتحلية، كما استعملوا أيضًا عصير العنب الطازج والزبيب والبلح والتين للغرض نفسه.

[email protected]