حوار مع الكاتب والمترجم والفنان التشكيلي: عبد الحميد الغرباوي
مايغيضني في بعض المبدعين الشباب هوعدم تواضعهم وتعلقهم بالوهم

أجرى الحوارحسن الاشرف- الرباط: عبد الحميد الغرباوي من مواليد مدينة الدار البيضاء سنة 1952 بدأت كتاباته تظهر على أعمدة الصحف في أواسط السبعينات من الألفية الثانية. اشتغل في مجال الصحافة لسنوات كمحرر ومشرف على الصفحة الثقافية اليومية لجريدة البيان. عمل ضمن مجموعة تحرير الملحق الثقافي الأسبوعي لجريدة بيان اليوم. ساهم في انطلاقة المجلة الثقافية خطوة مع الكاتب والباحث المسرحي أكويندي سالم. توقف بعد صدور ثلاثة أعداد منها فقط ـ ساهم في انطلاقة جريدة الصحراء المغربية اليومية ـ شارك في عدة ملتقيات ثقافية خاصة بالقصة القصيرة والرواية. يهتم بالترجمة، والفن التشكيلي والتصوير الفني وله فيها عدة أعمال. عمل بالصحافة المكتوبة لسنوات، ثم اختار مهنة التعليم في القطاع الخاص، والتي لا يزال فيها إلى حدود الآن. عضو اتحاد كتاب المغرب. عضو مكتب اتحاد كتاب المغرب فرع الدار البيضاء لدورتين. عن منشورات عيون المقالات، وتحمل عنوان 1988 ـ صدرت له أول مجموعة قصصية سنة "عن تلك الليلة أحكي". ومن كتبه "برج المرايا"، "عري الكائن"، "تفاحة نيوتن"، "ميناء الحظ الأخير( عمل مشترك مع الكاتب إدريس الصغير)، "مرض اسمه امرأة"، وله عدة ترجمات منها رواية الكيميائي للكاتب البرازيلي باولو كويلهو. وكتب في اللغة.

* أول سؤال يفرض نفسه هو المامك بفنون كثيرة وممارستك لها. انت كاتب قصة وروائي ومترجم وفنان تشكيلي وتشتغل على التصوير الفني. كيف توفق بين هده الفنون والابداعات كلها؟
- أنا أصلا كاتب قصة قصيرة، وما أمارسه خارج القصة القصيرة، محطات أقف عندها بين الحين والحين، ربما لآخذ لي قسطا من الراحة، فكتابة القصة القصيرة،عمل متعب جدا، قد يصل أحيانا درجة الملل الذي يولد في شعورا بأني أكرر نفسي إبداعيا. وبأني صرت أكتب أشياء لا معنى لها. والقيام بسفرات ورحلات خارج منطقتها، يزيل عني ذلك الملل، ويعيد لي الراحة الفكرية والاسترخاء النفسي فأعود إليها وكلي شوق ورغبة في معانقاتها واستئناف المسيرة الإبداعية صحبتها. وهذا يعني أن الروايتين اللتين صدرتا لي، وكذا الرواية الثالثة التي ستصدر عن المركز الثقافي العربي في غضون الأسابيع القادمة بعنوان امرأة حلم أزرق كتبتها في فترة توقف عن كتابة القصة القصيرة.
وفي ما يخص الترجمة فانا لست مترجما بمعنى الكلمة، الترجمة عندي هي تعبير عن عشق وإعجاب ببعض الأعمال الإبداعية العالمية، وترجمتي لرواية باولو كويلهو الكيميائي أو الخيميائي.. لم تكن لدافع تجاري محض بل للتعبير عن إعجابي بهذا العمل، وكويلهو نفسه عبر عن ذلك في مناسبة خاصة، بقوله أنا أعرف أن الغرباوي ليس مترجما محترفا ولكني أقرأ في عينيه مدى حبه لعملي، لذا أتت ترجمته لكتابي، ترجمة عاشقة.... وفي الفترة الأخيرة، صدرت لي عن دار شابة، ترجمة لسلسلة قصص من الأدب العالمي الموجه للأطفال، وكم كانت سعادتي عظيمة برؤيتها تصدر في حلة رائعة، جد مشرفة. أما التشكيل والتصوير الفني، فأنا أرى أن من يمارسون الكتابة القصصية والروائية
والشعرية والمسرحية، لا محالة هم يملكون موهبة تشكيلية وتصويرية، دفينة في أعماقهم ولهم في ذلك بلا شك، تصور خاص بهم، وجعلهما يصعدان من الأعماق ويطفوان على السطح، لا يحتاج إلا لنشاط إضافي ورغبة، والأهم للحظة المناسبة.. وقد توجت نشاطي التشكيلي، بالكتاب المدرسي المصادق عليه من لدن وزارة التعليم، والخاص بالسنة الأولى من التعليم الأساسي.

*هل هناك علاقة بين التشكيل وكتابة القصة والرواية
- طبعا، هناك علاقة، وهي علاقة متينة، الاختلاف الوحيد بين التشكيل والقصة والرواية، هوفي أدوات التعبير فقط

* أين يجد الغرباوي نفسه في هذه الانواع الابداعية
- بكل تأكيد أجد نفسي في القصة القصيرة، والدليل على ذلك إصداراتي التي انطلقت ومنذ ذلك التاريخ لم تتوقف، وفي هذه السنة فقط، صدرت لي مجموعتان، 1988 سنة الأولى عطر.. معطف.. ودم عن دار الورزازي والتي يديرها مجموعة من الأدباء الشباب وعلى رأسهم الشاعر عبد الهادي السعيد والقاص أنيس الرافعي، والثانية شامة والصادرة عن دار الحوار باللاذقية ـ سوريا.. وأنا الآن أهيئ مجموعتي التاسعة وعنوانها الأصدقاء..

* لك أيضا كتابات في مجال اللغة العربية والنحو والاعراب. مادا اضافت لك هده المعارف الى ابداعك الادبي
- والذي لا يعرفه الكثيرون، أن لي قاموسا منهاج الطلاب وضعت فيه كل تجربتي في مجال التربية والتعليم، وكذا الشأن بالنسبة للكتب الأخرى. إبداعيا، لم تضف شيئا، ماديا، مكنتني من أن أصون بعضا من كرامتي ككاتب وأديب.. أقول بعضا من الكرامة، وليس كل الكرامة.. والخوض في هذه المسألة بالذات يحتاج ندوات ولقاءات على الصعيد الوطني تشارك فيها كل الأطراف المعنية

* هل سبق ان استحوذ على حواسك كلها قاص او كاتب عربي ما؟
- الاستحواذ، لا.. الاستفادة، نعم. استفيد من كل الكتابات والأعمال القصصية التي تقع بين يدي،أوالتي أتابعها على صفحات النيت.. إلا أن زكريا تامر، يظل عربيا، الأكثر قربا من نفسي وعالميا كل كتاب أمريكا اللاتننية.. ألبرتومورافيا أرتاح كثيرا لكتاباته

*أحيانا كثيرة يشعر الكاتب العربي بعدم جدوى ما يكتب. لمادا هده الحالة النفسية تنتاب الادباء العرب؟
- لأن الكتابة لا تصنع من صاحبها نجما، مثل ما هو حاصل في ألعاب القوى وكرة القدم، وفي السينما والطرب.. كل الأسماء المشهورة في الساحة الإبداعية، هي مشهورة وسط أهلها وأصدقائها وقراء الإبداع والممارسين له فقط،، في الشارع لا يتعرف عليهم أحد، بل لا يعرفهم أحد.. ثم إن الكتابة لا تزال على مستوى المردود المادي هزيلة وضعيفة وبشكل فضيع.. ليس هناك اعتراف مقنع بما يسديه الكاتب لبلده ولأمته..

* السرقة الادبية هل قد تكون تماهيا في النص او اقتباسا عن حسن نية؟
- أراك، أخي تريد أن تجرني إلى صداع رأس. لم اخرج من آخر المنازلات في هذا الشأن إلا بنفس منهكة، وقلب كاد يتوقف عن النبض.. وكان الهدف من تدخلي، الدفاع عن كرامة كاتبة مغربية شابة، لكن الرياح أتت بما لم تشته سفينتي. أخي،. السرقة الأدبية، سرقة مثلها مثل باقي السرقات، إنها بشكل من الأشكال انتهاك لحرمات الأديب الشخصية، التماهي، مجرد قناع، ووسيلة لتبرئة الذمة من تهمة سرقة موصوفة، ومثبتة بالدلائل والبراهين.. أما الاقتباس فلم أسمع به إلا في المسرح والسينما..

* ارتباط القصة او الرواية بالجغرافيا المكانية.. ماهي تجلياتها وحدودها الابداعية؟
- شخصيا، لا أعير اهتماما للمكان أثناء الكتابة وخاصة في القصة القصيرة، أو إن شئت، عامل المكان في الكتابة هو جزء من البنية القصصية،تحدده الشخصية محور النص، هي التي تبرزه إن شاءت ذلك، أو تخفيه، متى رأت في ذلك تكثيفا يخدم البناء الفني للنص، خلف أشياء أخرى: أصوات،ألوان، حالة نفسية معينة وجد خاصة... في جل قصصي القصيرة، ليس هناك مكان محدد، يمكن التعرف عليه في سهولة، في الواقع، إلا في نصوص قصيرة، وتوظيفها أتى تلميحا ولضرورة فنية محض

* احيانا كثيرة نسمع عن الحالة المادية المزرية لشعرائنا وكتابنا المغاربة... لمادا وصلنا الى هاته الوضعية المحزنة
- في هذا الكلام مغالطة كبيرة، وتشويه للواقع. باستثناء القلة القليلة، التي هي عاطلة عن العمل، أو تعمل في قطاع حر، فالأغلبـية، تعمل في قطاع التعليم الابتدائي أو الثانوي أو الجامعي... بمعنى أن لها. راتبا شهريا.. الفئة الأولى هي التي تعاني من شظف العيش، أما الفئة الثانية، فالله يستر. ثم قولك: لماذا وصلنا إلى هاته الوضعية المحزنة.؟.. أ كان كتابنا في حقبة ما يعيشون في بحبوحة نعيم، ولم يكن لي علم بذلك !..

* قالوا عنك انك لاتشجع الطاقات الابداعية الشابة وتحاول التحرش الابداعي بها... بماذا ترد على هذا الزعم
- الله يسامحهم... كم أود لو يتحدث بالنيابة عني، في هذا الشأن كتاب آخرون. حين كنت أعمل في الصحافة، لم أتردد ولا لحظة واحدة في تقديم يد المساعدة لأسماء أصبح لها شأن، واليوم، وكوني أشرف على منتدى ميدوزا التابع لموقع الروائي والباحث والمترجم محمد أسليم. لا أتوانى على تقديم العون وتشجيع الكتاب والكاتبات، على النشر وإبراز مواهبهم على صفحات منتدى ميدوزا بمساعدة ثلة من الأقلام البارزة في الساحة الرقمية..
ما يغيضني في بعض الشباب، إناثا وذكورا، عدم التواضع وعدم الإنصات لمن هم أكثر تجربة منهم، والتطاول عليهم، والقفز الأرعن ومحاولة حرق المراحل مهما كان الثمن، والتعلق بالوهم. ونحن شباب، كنا نفرح للقاء كاتب أو كاتبة سبقونا للكتابة، دون اعتبار للثقافة والتكوين، ولعدد الكتب المقروءة أو للاطلاع الواسع أو الضيق.. ربما هذا إحساس خاص بي.. وهناك من سيقول، معلقا على كلامي: أنت دقة قديمة، سر تـنعس.. وقد قيل ما هوأكثر وأفظع من هذا لكتاب ونقاد أسسوا للإبداع والنقد المغربيين.

* كلمة اخيرة لقراء ايلاف والقراء العرب في العالم
- أغتنم هذه الفرصة الثمينة لأدعوهم إلى تشجيع الكتاب العرب حيثما كانوا، بقراءة إبداعاتهم، واقتناء كتبهم، والبحث عنها، فمن العيب أن يصدر لكاتب أو لكاتبة نسخة ويظل مطروحا في الأسواق لمدة سنتين وثلاث سنوات 2000 عربيين مؤلفا من وربما أكثر، ليعود في النهاية إلى صاحبه أو صاحبته، بضاعة كاسدة، في حالة يرثى لها.
مودتي.