حوار مع المخرجة الايرانية سبيدة فارسي
حاورها في روتردام محمد الأمين: الى جانب مخرجات سينمائيات أنجزن محطات هامة في تاريخ السينما الايرانية كالمخرجة رخشان بني اعتماد وتهمينة ميلاني ومهنوش شيخ لاسلامي، ساهمت المخرجة الايرانية سبيده فارسي في رفد السينما الايرانية بمجموعة من الافلام الروائية والوثائقية عالجت من خلالها المواضيع الحساسة في المجتمع الايراني عبر رؤية فكرية عميقة ومغامرة فنية جريئة، ولم تغفل المخرجة في مشوارها السينمائي تسليط الضوء على قضايا المرأة الايرانية، بجرأة عالية وربما كان فيلمها الأخيرquot;نظرةquot; أفضل مثال على تحديها للمحظورات الاجتماعية واعطاء المرأة الحرية في تقرير مصيرها وذلك من خلال الدور الذي لعبته فروغ الشخصية الثانية في الفيلم باعتبارها زوجة الأب وعشيقة أبنه أسفنديار سابقا. ولدت سبيده عام 1965 بطهران وغادرت من ايران الى باريس عام 1984 في الفترة التي شهدت إغلاق الجامعات الايرانية بسبب الثورة الثقافية. وواصلت دراستها الجامعية في فرنسا في فرع الرياضيات. ولها اسهامات في فن التصوير الفوتوغرافي وكتابة السيناريو. اما في مجال الفن السابع فقد حققت الأفلام التالية:
ريح الشمال - روائي 1993
رؤيا الماء ndash; روائي 1997
العالم بيتي ndash; وثائقي 1999
رجال الاطفاء وثائقي 2001
رحلة مريم وثائقي 2002
حلم الغبار ndash; وثائقي 2003
نظرة ndash; روائي 2005
على هامش مهرجان الفيلم السينمائي في روتردام كان لنا معها هذا الحوار:
*اعتمد العديد من المخرجين الايرانيين على الاطفال كشخصيات محورية في أفلامهم، فيما نلاحظ في افلام المخرجات الايرانيات تركيزا على افراد تجاوزوا مرحلة الطفولة، كما في فيلمك الأخير نظرة؟
- حينما تتضاعف القيود على حرية الفنان سواء كان مخرجا سينمائيا أو روائيا أو شاعرا فانه يلجأ الى المواضيع المحايدة التي تبعده عن الصدام المباشر مع الرؤية الرسمية. لكن المجتمع الايراني شهد تغيرات كبيرة وانفتاحا في مجال حرية التعبير في السنوات العشر الاخيرة. ولم تعد هناك مبررات لحصر الفيلم الايراني بتامل الطبيعة والتطرق الى عوالم الطفولة. ولابد من الخوض في القضايا الحساسة المرتبطة بموضوع الهوية والحرية الفردية والكشف عن المستتر والمخفي وهذا ما يجعلنا ازاء مشاكل وصعوبات من نوع آخرفقد يؤدي الطفل الدور المناط به بتلقائية وسهولة لكن إتخاذ مواقف عاطفية ووجدانية إزاء حوادث معقدة ليست عملية سهلة. خذ على سبيل المثال شخصية إسفنديار وهو شخص قضى عقدين من الغربة في فرنسا وهو مرغم على العودة الى ايران لالقاء النظرة الاخيرة على والده الذي يحتضر على سرير الموت. ان الصعوبة الكبيرة تكمن في العثور على شخص يستطيع ان يتقمّص هذا الدور وما يرافقه من احساس عاطفي. ومن حسن الحظ انني تعرفت على السيد حميد وهو ايراني يعيش في فرنسا منذ عشرين عاما ولم ير ايران منذ عقدين وقد وافق على أن يقوم بدور الشخصية الرئيسية. وأعتقد أنه أجاد في نقل الحالة الوجدانية الى المشاهد. لذا تراه مشوشا وقلقا. جاء بدافع الانتقام من جميع أفراد عائلته الذين ساهموا بنحو وأخر في خيانة الأب باستثناء اخته.
*لكنه يتخلى تدريجيا عن فكرة الانتقام.
- نعم لأنه يصل الى نتيجة مهمة لم يكن بامكانه أن يعيها لولا مجيئه الى ايران ومعايشته للواقع. لقد وعى أن إطلاق الأحكام على الآخرين دون الوقوف عند الأسباب والدوافع هو فعل مرفوض وتعسفي وقد لايقل من الناحية الاخلاقية عن الافعال نفسها.
*يكاد يكون الحب محورا رئيسيا في فيلمك نظرة، لكنك مع ذلكآ ثرت أن تمنحي للرجل الدور الأول، لماذا؟
- لم أضع شروطا وخطوطا حمراء في تناولي للشخصيات والأحداث. حاولت أن أرصد سلوك نمط من الأفراد لم يستطيعوا أن يواصلوا بشكل طبيعي تجربتهم الحياتية في الحب والسياسة. وأعتقد أن شخصية اسفنديار في فيلم quot;نظرةquot;هو واحد من أولئك الذين لم يتمكنوا من نسيان الماضي رغم الفترة الزمنية والمسافة المكانية التي تفصلهم عنه. لأن ماضي هذه الشريحة من الأفراد هو ماض لم يكتمل.. هم ضحايا مرحلة لم تمنحهم الفرصة في مواصلة تجاربهم في الحياة. ليس الحب هو ما عالجته في الفيلم بقدر ما ركّزت على ظلاله والتأثيرات التي يتركها على شخصية الأفراد من بعد عقدين من الزمن. وباختصار انه الحب بصيغة الماضي.
*يكاد المشهد الذي يجمع فروغ وأسفنديار في غرفة في فندق ومايوحي من علاقة خاصة بينهما يصدم الجمهور الايراني نظرا لاستحالته من الناحية الواقعية. خصوصا اذا ماعلمنا ان حجز غرفة في فندق لشخصين من جنسين مختلفين يتطلب اوراق رسمية تثبت كونهما زوجين؟وما يضيف لغرابة المشهد هو اصرار فروغ على حبها لأمير زوجها السابق ووالد اسفنديار بالرغم من أنها تقضي ليلة كاملة معه؟
- من الناحية القانونية قد يكون ذلك شبه مستحيل ولكن طهران تشهد جميع الحوادث. ليس هذا الحادث هو الغريب في ألأمرانما الغريب هو صمت المجتمع عن المسائل المتعلقة بالعلاقات العاطفية الشاذة كزواج الأب من عشيقة ابنه. المكان الذي أخترته للحوار بين فروغ وإسفنديار كان مكانا عاما لأن البيت لم يسمح بهذا الحوار.
*في نهاية الفيلم نلاحظ مغادرة فروغ البيت وكأنها تواصل انعزال اسفنديار قبل عشرين عاما.؟
- حاولت ان اجعل الشخصية المحورية تتنقّل بين اسفنديار وفروغ وهي عملية صعبة من الناحية التقنية اذ تستلزم عدم ارباك السرد وضيوع خيوط السيناريو. فروغ كانت تدافع بقوة عن حبها وعن مشاعرها وعن خيارها. ومغادرتها اجواء البيت ليس دليلا على هزيمتها. ان القوة تكمن في ارادة الشخصية وعزمها على التصميم. وهي بذلك تمنح اسفنديار الفرصة الكافية لتحليل الأحداث بدل اطلاق احكامه السريعة عليها. ان فروغها هي من تقول الكلمة الفصل.
*في احدى المشاهد يرد اسفنديار على سؤال موظفي المطار انه غادر ايران من كردستان. فهل كان ينتمي الى اقليم كردستان الايراني؟
- كلا ومن المؤسف أن صحفيا عراقيا طرح علي نفس السؤال وأجبته أن إشارة إسفنديار جاءت في سياق جوابه عن سؤال روتيني تطرحه السلطات الأمنية على العائدين الى ايران وتتلخص بذكر المنطقة الحدودية التي غادر من خلالها ايران.. ولايحمل أية دلالة سياسية، لكنه المحاور أعطى لهذه المسألة بعدا سياسيا سبق أن نفيته في معرض إجابتي عن سؤاله. إن همي الرئيسي هو ايران والإنتماء الى وطني والى الثقافة الايرانية الغنية بتنوعها القومي.
* من هم المخرجين السينمائيين الايرانيين الذين تركوا أثرا كبيرا على تجربتك السينمائية؟
- عشت معظم سنوات حياتي خارج ايران. لذا لم أتأثر بتجربة أي مخرج سينمائي ايراني. وانما انبهرت بأعمال مخرجين أوربيين وفي مقدمتهم إنغمار برغمن. لكن المواضيع التي أختارها لها في معظم الأحيان علاقة بالثقافة الايرانية وبالشأن الأيراني.
*ماذا بعد quot;نظرةquot;؟
- فيلم روائي طويل وقد إقتبست السيناريو من قصص الشاعر والقاص الايراني بيجن نجدي.
التعليقات