"إيلاف": غيرت الكورونا مفهوم السياحة العالمية من حرية الحركة والتجول واختيار الأماكن السياحية حول العالم، إلى حالة من الانغلاق والترقب، بل الانعزال والبعد الاجتماعي والبقاء رهن المنزل أو الحجر الصحي، خوفا من انتشار الوباء.

الآن وبعد فترة الانغلاق التام والحذر والترقب ، عادت الحركة السياحة حول العالم للانفتاح من جديد ولكن بشكل بطيء للغاية، وفي ظل قوانين مقيدة، ونظم جديدة.. ابتداء من الاعتناء بصحة الضيف السائح، ووصولا إلى مكان قضاء إجازة مريحة وسط تنافس كبير بين المنتجعات السياحية في العالم لتعويض ما فاتها والعمل على جذب السياح.

في ألمانيا فتتحت الفنادق أبوابها، وعادت المنتجعات السياحية للعمل من جديد، وكان وزير الخارجية الألماني قد ناشد المواطنين الألمان قضاء إجازة الصيف في داخل بلدهم، ونصح بعدم السفر للخارج!

في ظل الوضع الراهن وعدم اكتشاف علاج ناجع للقضاء على الكورونا ألغى العديد من الألمان إجازتهم، وبدأوا يخططون من أجل قضاء الإجازة الصيفية في المنتجعات الألمانية الممتدة من شمال ألمانيا إلى جنوبها، أو في المنتجعات القريبة في دول الجوار لاسيما النمسا.

في جنوب ألمانيا التي تشتهر بمراكز السياحة الأجمل في ألماني، حاولت خوض تجربة عابرة للتعرف على كيفية استعدادات الفنادق للوضع الجديد، والشروط التي تضعها الفنادق والأماكن السياحية للسياح قبل أن تتوجه إليها؟ ، وهل هي آمنة بشكل تام؟

تجربة سفر شخصية
في مدينة جارمش السياحية الشهيرة بقمم جبال الألب التي تصل احداها الى 300 متر كانت التجربة مثيرة ، فهذه المدينة هي واحدة من اكثر المدن التي يفضل السائح إلى ألمانيا زيارتها، نصحني صديق ألماني يعيش ويعمل في قطاع السياحة باختيار فندق Obermühle الاكثر أمنا من واقع تجربته الشخصية.

المدينة لا تبعد عن ميونيخ أكثر من ساعة واحدة بالقطار، لكن ارتداء الكمامة اجباري، وهي أهم من تذكرة السفر في الوقت الحالي، ويركز المراقب في القطار عليها اكثر من التذكرة، ففي كل مرة يمر ..يراقب وضع الكمامة واكثر من مرة طلب من مسافرين تغطية الأنف بها.

في مدخل الفندق يوجد صنبور لمادة معقمة، يجب تعقيم اليد قبل الدخول إلى الفندق، كان واضحا أن الفندق يهتم جدا بالتعليمات الحكومية في إطار مكافحة انتشار وباء الكورونا، ثم أن التعليمات والتنبيهات في كل مكان .

الموظفون في الفندق يرتدون الكمامات، وكذلك الضيوف، الأمر يأخذ بكل الجدية هنا، كما أن مفهوم النظافة في الفندق بشكل عام أصبح عليه تركيز خاص ، وفي حالة أنك نسيت الكمامة ستجد أحدهم يشير لك بكل مودة بضرورة الارتداء.

مدير الفندق كريستيان فولف يرى أنه في ظل الوضع الجديد ستكون الفنادق الأكثر أمانا هي الأكثر جذبا للسياح الباحثين عن سياحة صحية آمنة، لذلك بادر من البداية بوضع أسس متينة لحماية الضيف من خطر نقل أو انتقال الوباء إليه.

التعقيم المستمر
كانت الحركة تسير عادية جدا في الفندق، فالموظفون يرتادون كمامة ويتم التعقيم في اليوم أكثر من مرة، إضافة إلى التعقيم المتعدد لجميع مقابض الأبواب واستخدام الأشعة فوق البنفسجية أيضا في التعقيم.

هناك طبعا نظام التنظيف اليومي المنهجي المعروف للغرف، مع استحداث تطهير خاص بمواد كحولية إضافة إلى القيام بتطهير شامل لغرفة الضيف بعد المغادرة.

المسافة الاجتماعية الآمنة

يقول كريستيان فولف إن تحويل نظام التهوية بالكامل في جميع الأماكن العامة إلى هواء نقي بنسبة 100٪ في جميع عرف الفندق يتم عدة مرات يَوْمِيًّا. أما في قاعات الطعام فكان الوضع مثاليا، فيتم الحفاظ على المسافات القانونية بما لا يقل عن 1.5متر إضافة إلى تركيب جدران الحماية الزجاجي للفصل بين موائد الطعام وبعضها البعض ومنطقة البوفيه.

في بوفيه الإفطار الصباحي نبهني الموظف الفندقي إلى ضرورة ارتداء القفاز البلاستيكي قبل الدخول إلى قاعة الطعام، وهو يساعدك على أن تختار طعامك دون أن تلمس أي من أدوات الطعام الموجودة ، وبعد الانتهاء من اختيار الطعام يمكنك أن تتخلص من القفاز في سلة مخصصة لذلك.

إدارة الفندق نبهت إلى أن الكمامة إلزامية في بوفيه الإفطار للموظفين والضيوف - وفي جميع التحركات داخل أروقة المطعم – كما أنها غلفت الوجبات وجعلتها آمنة (قدر الإمكان) في بوفيه الإفطار .

التطهير المستمر للكراسي - والتطهير المتعدد لمرافق الساونا، وغرف الاسترخاء المرتبطة بها ومن ثم جدران الفصل الزجاجي في غرف الاسترخاء بين كراسي الاستلقاء على حمامات السباحة، كلها أصبحت جزء لا ينفصل عن الخدمات التي يقدمها الفندق لزبائنه.

النمسا غياب للقيود

هذه هي تجربتي في ألمانيا ـ لكن ماذا عن الدول المجاورة؟ الحقيقية أن فرصة السفر ليست واسعة كما كانت من قبل، فمازال التضييق المستمر على المسافرين وإلزامهم باتباع الطرق الأمنة مثل ارتداء الكمامة تحد من حركة السفر، لكن في شمال النمسا خضت تجربة فندقية أخرى في إحدى المنتجعات الجبلية وهو منتجع بيتزتال، الوضع مختلف تماما عن ألمانيا، فلا أحد يسألك عن الكمامة، ولا توجد إرشادات في الفندق، ولا حواجز فصل. وربما يفسر هذا دقة الألمان وجديتهم الدائمة في أدق التفاصيل وعدم الاستهانة بما قد يتسبب في ضرر للمجتمع.

رغم ضائقة الناس بالتضييق الدائم على حريتهم بهدف تطويق الجائجة، إلا أن الناس لم يعد لديها صبر، فقد خرجوا أكثر من مرة في اكثر من دولة أوروبية مطالبين بالعودة إلى الحياة الطبيعية، لكن لا أحد يستطيع التكهن بما سيحدث في المستقبل في غياب اكتشاف دواء او مصل فعال للكورونا!