إيلاف ـ هاني نديم : تشكّل الفنانة جاهدة وهبي اليوم حالةً استثنائية في عالم الموسيقى والغناء بنهجها الذي تتبعه وإصرارها على طرح متفّرد أتى من تداخل الثقافات داخل هذه الفنانة التي طرحته كمنتج عالمي يجعل من جاهدة نموذجًا رفيعًا يحتذى به إزاء موجة الإسفاف والاستسهال الفنانين وعبارة (الجمهور عاوز كدة!) تلك الشماعة التي يستخدمها أنصاف الفنانين.
جاهدة وهبي حائزة الألقاب الرفيعة، quot;مطربة النخبةquot;..quot;الحنجرة الحريريةquot; وquot;قمة الطربquot; و...، الملحنة في تاريخٍ موسيقيٍ يكاد يكون بلا ملحّنات، المغنية القادرة على كل تفاصيل السلالم الموسيقى الشرقي والغربي والبيزنطي والسرياني، الجريئة حدّ غناء نصًا لجونتر جراس، الممثلة الدرامية التي لا تغيب عن المسرح، إلتقتها إيلاف في هذا الحوار:
bull;جاهدة وهبي، الشاعرة والملحنة والممثلة الدرامية، من علّي أن أحاور اليوم، وكيف؟
ـ جاهد وهبه بكل بساطة. في الحقيقة أنا لست بشاعرة، لقّبت بشاعرة الصوت وهو لقب أحبّه.
bull;هل دراستك الغناء البيزنطي والسرياني كان موجهًا نحو طرح موسيقيٍ مغاير، ما تأثير تداخل هذه الأنماط على موسيقاك؟
ـ يمكن القول إنّ دراستي لأنماط موسيقيّة مختلفة شرقيّة كانت أم غربيّة بالإضافة إلى نهلي المفرط من التراث شكّلا نوعًا ما رؤية مختلفة لديّ في التعامل مع الموسيقى وفي سبل التعبير بمفرداتها وأدواتها. وقد يكون الغناء البيزنطي والسرياني والإنشاد الديني عموما أعطى موسيقاي بعداً جديًا وروحًا أعمق خاصة في التعبير عن مسائل وجوديّة ومعالجة نصوص وطنيّة سيّما وأنّ الموسيقى الدينيّة مرتبطة بالموروث وهي في صلب الموسيقى الشعبيّة.
bull;لحنت أحد نصوصك الشعرية، عموماً ما النص الذي تبحثين عنه؟
لحّنت نصًّا لا أدّعي أنّه شعريّ كتبته في خضمّ الاعتداء الإسرائيلي الأخير على لبنان في تموز/يوليو الماضي بعنوان quot;كلامولوجيا الدفاع عن الديمقراطيّةquot;. وأنا كثيرًا ما أتدخّل في إعادة صياغة أيّ نصّ شعري أنوي غناءه...أمّا النصّ الّذي أبحث عنه ربّما لم يكتب بعد.
bull;غنيتِ الحلاّج، أنسي الحاج، أبو فراس الحمداني، غونتر غراس، لميعة عباس، أحلام مستغانمي، طلال حيدر، وأمل الجبوري، ما الرابط بين شعرائك هؤلاء وهم غاية في التضاد واختلاف الأمزجة النصية؟
ـ قد أكون أنا الرابط في ما بينهم، والشعراء الّذين ذكرت يجمعهم تفرّدهم. ثمّة حكاية لكلّ قصيدة سردتها باختصار عندما أطلقت هذا الألبوم، أودعك البعض منها: quot;يوم توعّكت بأدبهم، انعتقت.. يوم أسرتني قصائدهم، رأيتني أغزل مناديل أحلام، أورق احتمالات أنغام..أتلّمس عبق حروفهم الشّجراء...بكلّ ما أوتيت من حواس...أنتحب، أنتحر على مقصلة الكلمات...فتولد الألحان. لكلّ قصيدة غواية، وكلّ غنوة حكاية، كبرت بعناية، سقيتها خمرًا، شهقتها عبرًا، ذرفتها وترًا...فتحت أبوابها لتهدّجات الرّوح، لعويل الذّاكرة... تسوّلت في كنفها مطرًا...سند إقامة بعيدًا عن مناطق التشظّي...توسّلت في بلادها بلادًا، قارّة للفرح... جلست إليها لتعلّمني، تعجنني، تشكّلني، تضحكني، تمنحني شهادة في السّلوان، لتهجر بي إلى مطارح أنقى، أخصب وأشهىquot;.
ألبومي الحبيب quot;كتبتنيquot; ولد أخيرًا، ألحانًا وإنتاجًا، بعد مخاض عسير، وهو اليوم فضائي الجديد، الّذي سيوقّع قريباً، علّني في حبره الأثيري، على صفحات القلوب، أُكتب، وفي دفاتر الزّمانquot;.
bull;تاريخياً، تكاد تكون علاقة اللحن بالمرأة غائبة ـ أنت أحد استثناءات هذه النظرية ـ لماذا برأيك هذه الهوة بين المرأة واللحن؟
بداية، أسئلتك هي الاستثنائيّة يا أستاذ. أمّا علاقة اللحن بالمرأة فبوسعي القول إنّها مغيّبة وليست غائبة. بتقديري إنّ المرأة هي الموسيقى إذا ما تجرّدت. وهي كائن خلق ليُتَغنّى به، لتكتب له الألحان. عمومًا كلّ شيء لا يؤنّث لا يعوّل عليه على حدّ قول إبن عربي. بالطبع ثمة أسباب كثيرة تذكر في مجال الهوّة على رأسها أسباب مجتمعيّة دفعت بالمرأة إلى قمع مواهبها الفنيّة بشكل عام.
bull;انتصاراً للحيادية ولموسيقانا الشرقية ومقاماتها، ينبغي عليّ نقل شعوري حول تلحين قصائد النثر الذي يجعل من التوزيع الموسيقي لحناً ثانياً للأغنية لا بد لها منه، ليكون بمثابة خمارٍ آخر تتوارى تحته هنات الانتقال من نغمٍ إلى آخر، ما قولك في هذا، وإلى أي حدٍ شكلت لك قصيدة النثر تحدياً موسيقياً؟
ـ أيّ قصيدة جميلة تشكّل لي تحديًّا والتحدي الأكبر هو بإيصال المعاني الكامنة فيها كاملة إلى المتلقّي. يهمّني أن تمسّني القصيدة قبل أن ألحّنها أيًّا كان نوعها بعدها ينساب اللّحن بشكل تلقائي.
bull;بم تحدثينا عن المسرح وقد مثلت مع كبار المخرجين كجواد الأسدي ونضال الأشقر وريمون جبارة، هل تجربتك في المسرح هي تجربة منفصلة عن خط سيرك الموسيقي؟
ـ التجربتان تتكاملان سيّما وأنّي تابعت الدّراسة في المجالين (المسرح والموسيقى). كلّ من الدّراستين زوّدت الأخرى بزخمٍ وبعدٍ مختلفين، وكلّ من المخرجين الكبار الّذين تعاملت معهم علّم فيّ بشكل أو بآخر، والحالة الأمثل بالنسبة لي هي في اعتلاء خشبة المسرح للتّمثيل والغناء في آن واحد كما الحال الآن في مسرحيّة نساء السكسُ فون مع الأستاذ جواد الأسدي حيث الغناء من صلب الشخصية الدراميّة الّتي أؤدّيها.
bull;ألا ينعكس الواقع السياسي الأليم الذي نعيشه على نهجكم الفني الملتزم، وهل انهيارات الكثير من شعاراتنا ومبادئنا التي آمنا بها ما زالت تغريك بالتغنّي لها وبها؟
ـ في مكان ما، يستفزّني هذا الواقع الأليم كي أعطي من عنديّاتي ما هو أكثر تحدّيًا ومغايرة. أحيانا قد أصاب بإحباط يصل حدّ التصحّر من انهيار quot;الكليشيهاتquot; في وطننا العربي، لكن يا عزيزي، الموسيقى تجعلنا تعساء بشكل أفضل، وقد تكون هي نافذتي على واقع أقلّ ألمًا.
bull;من أين تستمدّين طاقاتك في الوقوف بوجه هذه الموجة العاتية من الرداءة والإسفاف اليوم؟
ـ منها نفسها!!. من الرغبة في التصدّي لها على أنّي لا أدّعي حمل لواء المقاومة في هذا المجال، أنا فقط أقدّم ما يشبهني، ما أحسّ به.
bull;تقولين: quot;أعتقد أن الأغنية التي كنا نعتبرها رسولية لن تصل إلى مكان، فالعالم يمرّ بمرحلة من التحجرquot;، هل هذا استفزاز أم اعتراف؟
ـ هذا اعتراف آمل أن يستفزّ...في زمن أصبح فيه العالم أصمّ.
bull;ألا ترين أن ترفّع النخبويين من مسرحيين ومطربين وأدباء، يسهل تسلّل الذوق الفاسد والسهل للجيل الجديد؟
ـ قد يكون ترفّعهم سبباً لذلك. لكن هل عدم ترفّعهم يأتي بنتيجة مغايرة؟! ثمة أسباب كثيرة لفساد ذوق الجيل الجديد.
bull;ماذا تقولين في كلٍ من:
ـ فيروز: مدرسة.
ـ ماجدة الرومي: لها نهجها الذي تحافظ عليه.
ـ جوليا بطرس: فنانة ملتزمة.
ـ كاميليا جبران: رائعة.
ـ سونيا مبارك: صاحبة أداء متقن.
ـ فدوى المالكي: اسم كبير في الغناء الأندلسي.
ـ عبير نصراوي: واعدة.
bull;لمن تستمع جاهدة وهبي وبأي الأغاني تدندن، ومن تتابع اليوم على الساحة؟
ـ أستمع إلى عمالقة الطرب أمثال أم كلثوم، عبد الوهاب، أسمهان، وديع الصّافي...وأدندن أحيانا من أعمالهم ومن الجديد الّذي أكون في طور التحضير له...على الساحة اليوم يلفتني صابر الرباعي، حسين الجسمي، شيرين عبد الوهاب وأحب صوت المرحومة ذكرى كثيرًا.
التعليقات