أحمد الكاتب

أثارت الدعوات المتصاعدة في‮ ‬إيران لترقب ظهور الإمام المهدي‮ ‬الغائب خلال سنوات،‮ ‬مخاوف الشيعة من تكرار حدوث مشاكل رافقت ولادة الفرقة‮ ''‬الشيخية‮'' ‬قبل حوالي‮ ‬قرنين،‮ ‬وأدت الى نشوء الفرقة البابية والبهائية وخروجها عن الإسلام،‮ ‬والتي‮ ‬لا تزال إيران تعاني‮ ‬منها إلى اليوم‮. ‬وهو ما دفع العلماء والمحققين إلى معالجة الظروف والمناهج الثقافية التي‮ ‬أدت إلى حدوث ذلك الانحراف،‮ ‬والدعوة إلى سد المنابع الفكرية الخرافية بتأصيل المنهج الاجتهادي‮ ‬الأصولي‮ ‬وتوسيعه ليشمل مساحة كبيرة من الروايات‮ ‬غير الممحصة،‮ ‬والاستعانة بالقرآن الكريم في‮ ‬عملية بناء العقيدة وما‮ ‬يتعلق بها من أفكار ونظريات،‮ ‬ونبذ الروايات الأسطورية المتسربة إلى الثقافة الشيعية الشعبية‮.‬
وكان المذهب الشيعي‮ ‬الإثنا عشري‮ ‬قد حقق خطوات إيجابية ملفتة في‮ ‬القرن التاسع عشر في‮ ‬مجال محاربة الخرافات والأساطير وتأصيل المنهج الاجتهادي‮ ‬الأصولي،‮ ‬وسجل انتصاراً‮ ‬على المدرسة الإخبارية‮ (‬الحشوية‮) ‬على‮ ‬يدي‮ ‬زعيم مدرسة النجف الشيخ جعفر كاشف الغطاء،‮ ‬ولكن رجلاً‮ ‬من بقايا المدرسة الإخبارية،‮ ‬هو الشيخ أحمد الأحسائي‮ (‬1753‮ - ‬6281‮( ‬رفض الالتزام بمبدأ الاجتهاد،‮ ‬وأصر على التمسك بالتراث الشيعي‮ ‬كما هو دون تمحيص أو نقد أو تدقيق،‮ ‬وخاصة فيما‮ ‬يتعلق بالعقائد،‮ ‬كما رفض الاعتماد على المصادر الشرعية والطرق العلمية المعروفة لاقتباس الثقافة الدينية،‮ ‬والتي‮ ‬كان الأصوليون‮ ‬يناضلون من أجل تهذيبها وتشذيبها وتنظيمها من أجل تحرير التراث الديني‮ ‬المنسوب إلى أهل البيت من الخرافات والأساطير الدخيلة والأحاديث الضعيفة التي‮ ‬أضرت
بالشيعة والتشيع‮. ‬وهذا ما أدى به إلى تقبل الكثير من روايات الغلاة الموضوعة والمدسوسة في‮ ‬تراث أهل البيت‮.‬
وفيما كانت المدرسة الأصولية تحقق انتصارها الكبير لصالح الاجتهاد واستخدام العقل في‮ ‬تمحيص التراث،‮ ‬طرح الشيخ أحمد الأحسائي‮ ‬نظرية‮ ''‬الكشف‮'' ‬المشابهة لنظريات بعض الصوفية،‮ ‬وقال‮ ''‬إن الإنسان إذا صفت نفسه وتخلص من أكدار الدنيا‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يتصل بأحد الأئمة من أهل البيت عن طريق الكشف والأحلام،‮ ‬فيوحي‮ ‬له الأئمة بالعلم الغزير وتكشف له الحجب‮''. ‬وادعى الأحسائي‮ ‬أنه حصل على العلم بهذه الطريقة‮ ''‬الكشفية‮''‬،‮ ‬وقال‮: ''‬إنه رأى في‮ ‬منامه ذات ليلة الإمام الحسن بن علي‮ ‬فأجابه عن مسائل كانت‮ ‬غامضة،‮ ‬ثم وضع فمه الشريف على فمه وأخذ‮ ‬يمج فيه من ريقه،‮ ‬وأنه علمه بيتاً‮ ‬من الشعر كلما قرأه قبل النوم رأى في‮ ‬منامه أحد الأئمة وأتيحت له فرصة التعلم منه‮''. ‬
وقد فتح الشيخ أحمد الأحسائي‮ ‬بذلك باباً‮ ‬واسعاً‮ ‬للتطرف والغلو والشرك والخرافات،‮ ‬وراح‮ ‬يبث أفكاراً‮ ‬مغالية متناقضة مع الفكر الشيعي‮ ‬أو الإسلامي‮ ‬بصورة عامة،‮ ‬كالقول بأن المعصومين الأربعة عشر،‮ ‬أي‮ ‬النبي‮ ‬وفاطمة والأئمة الاثني‮ ‬عشر،‮ ‬هم علة تكوين العالم وسبب وجوده،‮ ‬وهم الذين‮ ‬يخلقون ويرزقون ويحيون ويميتون‮. ‬ومع أن الأحسائي‮ ‬كان‮ ‬يقر بأن الله تعالى هو الخالق الرازق والمحيي‮ ‬والمميت في‮ ‬الحقيقة،‮ ‬إلا أنه كان‮ ‬يقول بأن الله العزيز قد تكرّم عن مباشرة الأمور بنفسه وأوكلها إلى المعصومين الأربعة عشر حيث جعلهم أسباباً‮ ‬ووسائط لأفعاله،‮ ‬فهم مظاهر لأفعال الله ومحال لمشيئته‮.‬
وجاء الأحسائي‮ ‬بفكرة أخرى هي‮ ‬وجود الجسد‮ ''‬الهورقليائي‮'' ‬للإنسان إلى جانب الجسد‮ ''‬الصوري‮''. ‬وقال عنه أنه الجسد الذي‮ ‬عرج به رسول الله إلى السماء،‮ ‬والذي‮ ‬يعيش به الإمام الثاني‮ ‬عشر الغائب‮ ''‬محمد بن الحسن العسكري‮'' ‬في‮ ‬ظل‮ ''‬الغيبة‮'' ‬منذ منتصف القرن الثالث الهجري،‮ ‬وكان‮ ‬يعتقد أن الإمام عندما‮ ‬غاب نزع عنه جسده‮ ''‬الصوري‮'' ‬وبقي‮ ‬محتفظاً‮ ‬بجسده‮ ''‬الهورقليائي‮'' ‬وهذا هو سر بقائه على قيد الحياة كل تلك المدة الطويلة التي‮ ‬جاوزت ألف عام دون أن‮ ‬يتطرق إليه الفناء‮. ‬
ويروى عن الشيخ الأحسائي‮ ‬أنه قال‮: ‬إن الإمام لما خاف من أعدائه خرج من هذا العالم ودخل في‮ ‬جنة‮ ''‬هورقلياء‮'' ‬وسيعود إلى العالم بصورة شخص من أشخاصه‮.‬
إضافة إلى ذلك امتاز الشيخ أحمد الأحسائي‮ ‬بالدعوة إلى انتظار الإمام المهدي‮ ‬والتبشير بقرب ظهوره بمناسبة انقضاء ألف سنة على‮ ‬غيبته،‮ ‬وقام بجولة واسعة في‮ ‬إيران كان‮ ‬يقول لأتباعه في‮ ‬كل قرية‮ ‬يمر بها‮: ‬إن الإمام الغائب على وشك الظهور،‮ ‬وأنهم‮ ‬يجب أن‮ ‬يكونوا على أهبة الاستعداد لنصرته،‮ ‬وكان‮ ‬يؤكد لهم‮: ‬أن الإمام الغائب حين‮ ‬يظهر سوف‮ ‬يبدل الكثير من العقائد والتعاليم الإسلامية الموجودة،‮ ‬وأن ذلك مما سيرتعب منه نقباء الأرض لعدم قدرتهم على تحمله‮.‬
ولكن الأحسائي‮ ‬توفي‮ ‬قبل حوالي‮ ‬عشرين عاماً‮ ‬من الموعد الذي‮ ‬حدده لظهور الإمام المهدي،‮ ‬وهو في‮ ‬طريقه إى الحج بالقرب من المدينة المنورة،‮ ‬فأوصى إلى أحد تلامذته وهو السيد كاظم الرشتي‮ ‬،‮ ‬ليكون خليفته من بعده،‮ ‬وقال لأتباعه‮: ‬لا‮ ‬يوجد أحد‮ ‬يعرف مقصدي‮ ‬ما عدا السيد كاظم الرشتي‮ ‬،‮ ‬فاطلبوا علومي‮ ‬منه،‮ ‬وقد تلقاها مني‮ ‬مباشرة،‮ ‬وهي‮ ‬التي‮ ‬تلقيتها من الأئمة الذين تلقوها من رسول الله‮. ‬ثم أوصى الشيخ أحمد خليفته السيد كاظم بأن‮ ‬يكون‮ ‬يقظاً‮ ‬يترقب ظهور الإمام المهدي‮ ‬ويمهد أذهان الناس له‮.‬
وقام السيد الرشتي‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬يتخذ من مدينة كربلاء مقراً‮ ‬له،‮ ‬بما أوصاه به أستاذه الشيخ أحمد،‮ ‬فكان‮ ‬يواصل التبشير بقرب ظهور الإمام الغائب،‮ ‬وكان‮ ‬يقول لأتباعه‮: ‬إن الموعود الذي‮ ‬تنتظرونه موجود في‮ ‬وسطكم وترونه بأعينكم ولكنكم لا تعرفونه،‮ ‬وقال لأحد أتباعه‮ ''‬إنك سوف تراه‮''.‬
وقبل شهور من حلول الموعد الذي‮ ‬ضربه الأحسائي‮ ‬لظهور المهدي‮ ‬وهو عام‮ ‬1260هـ‮ (‬والذي‮ ‬كان‮ ‬يصادف بداية العام‮ ‬1844‮ ‬الميلادي‮) ‬مرض السيد كاظم الرشتي‮ ‬مرض الموت فرفض الوصية إلى أحد بخلافته من بعده،‮ ‬واعتذر لذلك بقرب ظهور الإمام الغائب،‮ ‬وأوصى أتباعه بأن‮ ‬يهجروا بيوتهم ويطهروا أنفسهم ثم‮ ‬يتفرقوا في‮ ‬البلاد مكرّسين أوقاتهم كلها للبحث عن‮ ''‬الموعود‮'' ‬الذي‮ ‬حان حينه‮. ‬وتوفي‮ ‬الرشتي‮ ‬في‮ ‬العام‮ ‬‭.‬1843‮ ‬
وهذا ما مهد الطريق أمام نشوء‮ ''‬الحركة البابية‮''‬،‮ ‬حيث قام أحد تلامذته وهو الملا حسين البشروئي‮ ‬بالاتفاق مع تلميذ آخر له هو السيد علي‮ ‬محمد الشيرازي،‮ ‬المعروف بـ‮''‬الباب‮''‬،‮ ‬والادعاء بأن الأخير هو‮ ''‬الموعود‮'' ‬أو‮ ''‬باب المهدي‮'' ‬الذي‮ ‬حل فيه الجسد‮ ''‬الهورقليائي‮'' ‬للإمام‮ ‬الغائب المهدي‮ ‬المنتظر‮ ''‬محمد بن الحسن العسكري‮''. ‬
وقد انتشرت الدعوة‮ ''‬البابية‮'' ‬في‮ ‬صفوف الشيخيين في‮ ‬إيران انتشاراً‮ ‬كبيراً،‮ ‬لأنهم كانوا‮ ‬يترقبون ظهور‮ ''‬صاحب الزمان‮'' ‬بمناسبة قرب انتهاء ألف سنة على‮ ‬غيبته‮. ‬وعندما حلت سنة‮ ‬1260هـ صاروا متلهفين لسماع النبأ العظيم الذي‮ ‬كان قد بشر به زعيماهم الشيخ أحمد الأحسائي‮ ‬والسيد كاظم الرشتي،‮ ‬فلما وصلهم نبأ ظهور‮ ''‬الباب‮'' ‬علي‮ ‬محمد الشيرازي،‮ ‬تهافت الكثير منهم عليه‮. ‬كان لنظرية الأحسائي‮ ‬في‮ ''‬الجسم الهورقليائي‮'' ‬دور كبير في‮ ‬تقبل الشيخيين لفكرة حلول الإمام المهدي‮ ‬في‮ ''‬الباب‮''.‬
وقد رفض علماء الشيعة في‮ ‬العراق وإيران دعوى‮ ''‬الباب‮'' ‬في‮ ‬المهدوية،‮ ‬ورأوا في‮ ‬فكرة نسخ الدين الإاسلامي‮ ‬التي‮ ‬جاء بها،‮ ‬نوعا من الهرطقة والكفر بالإسلام،‮ ‬وأصدر الشيخ محمد تقي‮ ‬البرغاني‮ ‬فتوى بتكفير البابيين،‮ ‬كما ألقت الحكومة الإيرانية القبض على‮ ''‬الباب‮'' ‬وأعدمته في‮ ‬تبريز في‮ ‬التاسع من‮ ‬يوليو‮ (‬تموز‮) ‬من العام1850‮ ‬،‮ ‬ولكن حركته استمرت بصورة سرية وتطورت فيما بعد الى‮ ''‬الحركة البهائية‮'' ‬التي‮ ‬أعلنت خروجها من الدين الإسلامي‮.‬
وكان هناك بالطبع جناح من‮ ''‬الشيخية‮'' ‬أنفسهم رفض الدعوة البابية وفكرة نسخ الدين الإسلامي‮ ‬وحارب‮ ''‬البابيين‮'' ‬بشدة،‮ ‬وكان هذا الجناح بقيادة الميرزا محمد حسن جوهر‮ (‬توفي‮ ‬سنة‮ ‬1261هـ‮/ ‬1845‮) ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬يتخذ من كربلاء مقرا له،‮ ‬وكذلك الميرزا محمد باقر الاحقاقي‮ ( ‬توفي‮ ‬سنة‮ ‬1301هـ‮ / ‬1883‮) . ‬وقد قام هذا الجناح المعتدل بالانفتاح على المدرسة الأصولية الاجتهادية،‮ ‬ورفض الطريقة‮ ''‬الكشفية‮'' ‬ولكنه ظل محافظاً‮ ‬على ولائه للشيخ أحمد الأحسائي‮ ‬واسم‮ ''‬الشيخية‮'' ‬وانغلق على نفسه داخل الشيعة الإمامية ولم‮ ‬ينخرط في‮ ‬الحركة العامة حيث ظل‮ ‬يحتفظ بمرجع ديني‮ ‬خاص،‮ ‬وامتاز بنظام توريث المنصب القيادي‮ ‬الديني‮ ‬شخصياً‮ ‬وبصورة عمودية،‮ ‬بدءا من الشيخ محمد باقر الاسكوئي‮ ‬الإحقاقي‮ ‬الذي‮ ‬ورث المنصب لابنه الشيخ موسى الاسكوئي‮ ‬الذي‮ ‬ورثه إلى ابنه الشيخ علي‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬يقيم في‮ ‬الكويت‮ (‬توفي‮ ‬في‮ ‬العام‮ ‬1964‮) ‬الذي‮ ‬أوصى إلى ابنه العلماني‮ ‬الدكتور جعفر رائد،‮ ‬ولكنه رفض المنصب لأنه كان قد خلع الزي‮ ‬العلمائي‮ ‬الديني‮ ‬وكفر بالنظريات الشيخية،‮ ‬وانخرط في‮ ‬السلك الدبلوماسي‮ ‬الإيراني‮ ‬وأصبح سفيرا للشاه في‮ ‬المملكة العربية السعودية‮ (‬فانتقلت المرجعية الدينية للشيخية إلى أخ الشيخ علي،‮ ‬الميرزا حسن،‮ ‬الذي‮ ‬ورثها بدوره إلى ابنه الميرزا عبدالرسول الاسكوئي‮ ‬الإحقاقي،‮ ‬الذي‮ ‬ورثها الى ابنه الشيخ عبد الله‮). ‬
وربما كان لوضع‮ ''‬الشيخية‮'' ‬وكونهم أقلية صغيرة بالنسبة إلى الشيعة الإمامية،‮ ‬دور في‮ ‬انطوائهم على أنفسهم وتميزهم خلافاً‮ ‬لعامة الشيعة بنظام خاص في‮ ‬المرجعية الدينية‮ ‬يقوم على الوراثة الشخصية العمودية،‮ ‬ويكفل لهم المحافظة على سماتهم الخاصة‮. ‬وقد حاول المرجع الأسبق الميرزا حسن،‮ ‬أن‮ ‬ينفتح على بقية الشيعة ويخرج أتباعه من القوقعة التي‮ ‬يعيشون فيها ويكسر حاجز التحريم الذي‮ ‬فرضه الشيعة عليهم،‮ ‬وأن‮ ‬ينشط حركة الاجتهاد الكفيلة بمراجعة الكثير من الأفكار المتطرفة والمغالية الموروثة من الأحسائي،‮ ‬حتى سمي‮ ‬بالإمام المصلح،‮ ‬وهو ما أدى إلى انفتاح أبناء الفرقة‮ ''‬الشيخية‮'' ‬على عامة الشيعة وذهابهم للدراسة في‮ ‬قم والنجف واستقبال العلماء والخطباء الشيعة في‮ ‬مساجدهم وحسينياتهم وتقليد المراجع الآخرين‮. ‬ولكن هذا الانفتاح لم‮ ‬يصل بعد إلى درجة الذوبان الكامل أو التخلي‮ ‬التام عن الموروثات‮ ''‬الأحسائية‮'' ‬أو متابعة الشيعة في‮ ‬تطورهم الفكري‮ ‬السياسي‮ ‬خصوصاً‮ ‬لجهة الالتزام بنظرية‮ ''‬ولاية الفقيه‮'' ‬التي‮ ‬قال بها علماء الشيعة مؤخراً‮ ‬في‮ ‬ظل‮ ''‬غيبة الامام المهدي‮'' ‬أو‮ ‬نظرية الشورى،‮ ‬وذلك نظراً‮ ‬لالتزام الشيخية المتواصل بنظرية‮ ''‬الانتظار‮'' ‬رغم ثبوت فشل الموعد الذي‮ ‬ضربه الأحسائي‮ ‬لظهور الإمام الغائب في‮ ‬منتصف القرن التاسع عشر‮. ‬غير أن ما‮ ‬يبعث الأمل في‮ ‬استمرار مسيرة الإصلاح والانفتاح والتطور والتحرر من بقايا التراث‮ ''‬الأحسائي‮'' ‬المغالي‮ ‬والمتطرف‮ ‬،‮ ‬هو التزام الجيل الشاب بمبدأ الاجتهاد ونبذ الطريقة‮ ''‬الكشفية‮'' ‬وهو ما‮ ‬يمهد الطريق أمام مراجعة نظريات الأحسائي‮ ‬على ضوء القرآن الكريم وأحاديث الرسول الأعظم‮ (‬ص‮) ‬وتراث أهل البيت الصحيح‮.‬
ومن المنتظر أن‮ ‬يقوم‮ ‬علماء الفرقة الشيخية بعملية اجتهادية جذرية ودراسة العقائد الأساسية قبل الفروع الجزئية،‮ ‬وإعادة النظر في‮ ‬الموقف من أئمة أهل البيت ودورهم في‮ ‬الحياة وفي‮ ‬مسألة وجود الإمام الثاني‮ ‬عشر وولادته،‮ ‬تلك المسألة التي‮ ‬لعبت دوراً‮ ‬كبيراً‮ ‬في‮ ‬تاريخ الحركة الشيخية،‮ ‬والتي‮ ‬أدت بالإضافة إلى نظرية‮ ''‬الجسم الهورقليائي‮'' ‬الأسطورية،‮ ‬إلى ولادة الحركة البابية وخروج البهائيين من الدين الإسلامي‮.‬
كما‮ ‬ينتظر من الجيل العلماء الشباب أن‮ ‬يقوم بإخراج جماعته من حالة الانتظار السلبي‮ ‬والعزلة السياسية لكي‮ ‬تلعب دوراً‮ ‬أكبر في‮ ‬الحياة الاجتماعية،‮ ‬وذلك بإعادة النظر في‮ ‬الموقف السياسي‮ ‬وشكل نظام الحكم ومسألة إقامة الدولة الإسلامية في‮ ''‬عصر الغيبة‮''.‬
كل ذلك مرهون بحركة الاجتهاد،‮ ‬التي‮ ‬ينتظر أن تعم أبناء الفرقة الشيخية،‮ ‬ولا تقتصر على العلماء أو رجال الدين،‮ ‬وإنما تشمل الجميع وخاصة الشباب والمثقفين منهم الذين‮ ‬يتحملون مسئولية العملية الإصلاحية ويرفضون التقليد والاتباع الأعمى للتقاليد الموروثة،‮ ‬و‮ ‬يتمسكون بالنهج العلمي‮ ‬الأصولي‮ ‬في‮ ‬دراسة الدين،‮ ‬والتعرف على مذهب أهل البيت الأصيل‮.‬
بعد تقديم هذا الموجز عن الحركة الشيخية والحركات المتفرعة عنها من البابية والبهائية،‮ ‬نعود إلى إيران اليوم التي‮ ‬تشهد تنامي‮ ‬ظاهرة جديدة هي‮ ‬الدعوة لترقب ظهور الإمام المهدي‮ ‬الغائب خلال وقت قريب،‮ ‬التي‮ ‬تنطوي‮ ‬على خطورة كبيرة‮ ‬تكمن في‮ ‬احتمال تطور الظاهرة الجديدة بشكل سلبي‮ ‬وإفرازها لحركة مضادة لنظام الجمهورية الإسلامية،‮ ‬أو طبع النظام بطابع متشدد أكثر ديكتاتورية‮.‬

‭*‬‮ ‬كاتب عراقي‮ ‬مقيم في‮ ‬لندن