أمير عظيم خالد
بقلم: أحمد زكي يماني
الموت حق، ولكنّه مر، وتزداد مرارته ان كان الراحل عن دارنا عظيما صنع التاريخ فخلده التاريخ.
عرفت فقيد العرب امير الكويت في بداية الستينيات، عندما كان وزيراً للمالية اذ جئت الكويت الشقيقة على رأس وفد سعودي للتفاوض على تقسيم المنطقة المحايدة اداريا. رأيت فيه الرجل العاقل المتزن الذي يحرص على مصلحة الكويت، ويحرص على تحقيق العدل وانجاح المفاوضات، ملك بشخصيته احترام الوفد السعودي، وانتهت الزيارة بمسودة اتفاقية كانت بصماته عليها. وعندما زار الفقيد الطائف لوضع اللمسات الاخيرة على تلك الاتفاقية، كان لي شرف اصطحابه لمكة المكرمة لأداء العمرة، وتمكنت لطول المسافة من سماع احاديثه الشخصية التي كشفت عن انسانية هذا الرجل وعظمته. فعظماء الرجال يزيدهم عمق انسانيتهم رفعة وعلوا.
وعندما توالت زياراتي للكويت الشقيقة، بعد ان اصبح وليا للعهد، كانت مقابلته لي تتم في السابعة والنصف صباحا، بعد زيارته التفقدية الصباحية للسوق، فهو يبدأ يومه مع نور الصباح وقبل شروق الشمس، يقضي النهار في حركة دائبة لا يكل ولا يمل، واذا أراد ان يمنح نفسه قليلا من المتعة أو الترفيه لا يركن كما يفعل الآخرون الى الاسترخاء، اذكر اني اردت تسليمه رسالة حملتها من الرياض، وكان قد عاد في منتصف ذلك اليوم الى قصره المتواضع وتناول طعام غذائه وقيل لي ان سموه يشاهد فيلما وانه مستعد لاستقبالك، وذهبت وانا اتوقع ان اراه على مقعد وثير، فإذا به يشاهد الفيلم في غرفة طولها اضعاف عرضها، الشاشة في آخرها ومرآة في الطرف الآخر، وكان يمشي جيئة وذهابا، يرى الفيلم على الشاشة مرّة وعلى المرآة مرة اخرى، الحركة متعته والعمل مهمته ووظيفته.
كان مستمعا جيدا، اذا تحدث انصت له الجميع، وكان هذا واضحا في مؤتمرات القمة الخليجية أو العربية او الاسلامية، التي تسنى لي حضورها لا يتكلم لشهوة الكلام، ولكن لفض خلاف او تصحيح وضع.
وعندما جاءت قوات الغدر لتحتل بلده، اصابني الذعر كغيري من محبي الكويت، فهرعت اليه من أوروبا حيث كنت، الى الدمام لزيارته، فوجدته كالطود الشامخ، لم تهزه محنة خلقتها يد الأعداء، أو تضعف من ايمانه ورجولته، وأدار معركته لتحرير بلده بحنكة وحكمة وذكاء، وعاد الأسد لعرينه.
لا أستطيع ان اسطر في عجالة قصيرة ما يستحق هذا الرجل، الذي غاب بجسمه، وسيبقى بانجازه وشخصيته، خالدا لن يغيب، ومن واجب الذين كانوا بجواره أن يكتبوا عنه شيئا مما أعرف، وكثيرا مما لا أعرف.
يموت الزعماء والرؤساء وتمتد سحب النسيان فتطويهم من سجلات التاريخ فلا يبقى فيها الا الاسماء، اما الزعيم الخالد الذي قدم لشعبه أو للانسانية انجازا فسوف يذكر التاريخ اسمه وعمله وسيبقى في سجلاته لأبد الآبدين، وفقيدنا سمو الشيخ جابر على رأس قائمة الزعماء الخالدين.
التعليقات