تركي بن عبد الله السديري

هل المشكلة هي جسر جمرات مناسب أم فقه شرعي في زمنه المناسب ووعي إسلامي شعبي في توقيته المناسب..؟..
تكرار المشكلة في الحج لا يعني ولن يعني تكرار خلل في الاستعداد أو الرعاية أو استيعاب المكان، بل في كل عام جديد يتوهج فينا شعور بأننا سوف نبهر الآخرين بحالات من التفوق على الازدحام والسيطرة على محدودية الزمن بأداء جماعي مضمون النتائج ثم يحدث العكس..

وسوف يتوالى أمر حدوث العكس دون أن تستطيع الإمكانات المالية - بما في ذلك ما يزيد على الأربعة البلايين القادمة لبناء جسر جديد وليست له ضرورة قصوى - من ردع المفاجآت المفجعة..

أتوخى أن يهب رجال الدين المختصون في الدول الإسلامية بدءاً من أقصى شرقي آسيا وحتى أقصى غربي أفريقيا لدراسة هذا الوضع وإصدار فتوى تريح المسلمين سواء في وقت رمي الجمرات أو غيرها من المناسك.. وقد قال الشجاع في رأيه والعميق الواعي في فهمه الشيخ المنيع ومثله زميله الشيخ عبدالله المطلق بجواز الرمي طوال اليوم دون تحديد وقت معين.. حيث يتوخى الحاج الأمي غالباً أن يتزامن رميه مع الوقت الذي رمى فيه النبي صلى الله عليه وسلم الجمرات كي يقتدي به..

الزمن غير الزمن.. والناس غير الناس.. عدد المسلمين في عصر النبي بمن فيهم العرب ربما لا يصلون إلى عدد سكان مدينة سعودية ثانوية في الوقت الحاضر، فكيف بنا أن نقارنه مع سكان مدن مسكونة بالملايين محلياً مثل الرياض، أو دول مسكونة بمئات الملايين مثل بنغلاديش وأندونيسيا وباكستان، ومن البحر الأحمر حتى المحيط غرباً هناك ما يزيد على الثلاثمائة مليون نسمة.. إن نسبة ضئيلة من هؤلاء قد لا تصل 5٪ كافية لأن تملأ مكة ومنى ومزدلفة طوال أيام الحج..

وبخلاف نسبة عدد المسلمين الآن ونسبتهم قبل أربعة عشر قرناً هناك مسألة الوعي.. فمعظم الذين يحجون هم من الأميين أو شبه الأميين، ومن الصعب أن يفهموا طرق أداء الحج الصحيحة ما لم تلقن لهم وتشرح من قبل مشايخ يثقون بهم، بغض النظر عن مدى كفاءتهم، وفي كل دولة إسلامية عدد غير قليل قادر على أداء مهمة الإقناع إذا ما استنفروا من أجل ذلك..

ويأتي عامل ثالث مهم.. وهو نوعية الحاج العمرية والصحية، فكثير منهم كبير السن وبعضهم مريض وهما معاً يعتقدان أن الموت في مواقع الحج يعني الانتقال الفوري إلى جنات الخلد..

لقد تحدث سمو الأمير نايف.. وزير الداخلية.. الرجل الذي قاد أنجح مهمات مواجهة وأبرعها ضد العنف والإرهاب والتفسير السيئ والبغيض للإسلام بنجاح مذهل وأعاد فرض الأمن على امتدادات الصحاري الشاسعة وتساءل عن جهود التوعية الدينية لإنقاذ الحجاج.. لأن مهمة سلامة الحجاج لم تعد مسؤولية أمنية ولا تنظيمية بقدر ما هي مسؤولية وعي عام وكفاءة فتوى في مستوى تفهم أوضاع العصر..