الأربعاء: 2006.06.28
رجل غيّر بموته أساسيات السياسة اللبنانية
أمير طاهري - الشرق الأوسط
في الشرق الأوسط، غالبا ما يزداد السياسيون ثراء كما هو الحال مع رجال الأعمال ويجنون كثيرا من المال بعد أن يضمنوا مقعدا في الحكومة. غير أنه في حالة رفيق الحريري كانت الأمور تسير في الاتجاه الآخر. فقد كان رجل أعمال راكم ثروة هائلة قبل ان يقف على قمة السياسة اللبنانية كرئيس للوزراء عام 1993. وفي الوقت الذي اغتيل فيه بعملية تفجير ببيروت يوم 14 فبراير (شباط) 2005 لم يكن الحريري واحدا من أغنى رجالات لبنان حسب، وإنما أيضا واحدا من سياسيي المنطقة الذين يتمتعون بصلات دولية واسعة. وأصبح التحقيق في مقتله واحدة من القضايا السياسية الإقليمية والدولية الكبرى التي اثرت، بشكل خاص، على سورية ولبنان. ومن الواضح، كما يظهر مروان اسكندر في كتابه الهام هذا، ان موت الحريري عجل في انهاء الاحتلال السوري للبنان وربما غير النواحي الأساسية في السياسة اللبنانية لسنوات ان لم يكن لعقود.
عندما يقرأ المرء كتاب اسكندر يتولد لديه انطباع بأنه بدأه كدراسة للسياسات الاقتصادية لحكومات الحريري المتعاقبة قبل ان يجري اغتيال رئيس الوزراء اللبناني. وبينما يظهر اسكندر تعاطفا واضحا مع الحريري، فان هذا الكتاب ليس دفاعا، ناهيك من كونه إطراء أو مديحا. ويقدم اسكندر، أحد اقتصاديي وصحافيي لبنان المميزين، تقييما واقعيا لنجاحات وإخفاقات الحريري كرئيس للوزراء وكزعيم للمعارضة.
يبدأ اسكندر كتابه بتقديم صورة سريعة عن السياسة اللبنانية خلال العقود الخمسة الماضية. ومن الواضح أن واحدا ممن يحظون بتعاطفه هو الراحل إميل البستاني، رجل الأعمال الذي تعززت طموحاته بعد رئاسته لبنان قبل موته المفاجئ في ظروف غامضة. ويقول اسكندر ان البستاني كان قد تعاطف مع الشيوعيين أثناء دراسته في الولايات المتحدة، وفي وقت لاحق اصبح مدافعا متحمسا عن القومية العربية. غير ان اسكندر يضيف ان المخابرات السرية السوفياتية (كي جي بي) لا بد أنها سرت بأنباء موت البستاني.
هل كان البستاني مثالا للحريري؟ يلمح اسكندر الى هذه الإمكانية ولكنه لا يقدم جوابا واضحا. وكل ما يفعله هو الإلحاح على أن الحريري مناصر للقومية العربية كما كان حال البستاني، وهذا ليس شيئا مفاجئا. فقد ساهمت تأثيرات ابعد من لبنان في صياغة حياة الحريري. فقد ولد في عائلة مزارعين لبنانيين فقراء وتلقى تعليمه في مصر وتزوج سيدة عراقية وتوجه الى المعيشة والعمل في المملكة العربية السعودية.
وأثبت قرار الذهاب الى المملكة العربية السعودية انه نقطة انعطاف بالنسبة للحريري. فهناك بدأ بالتألق كمحاسب متميز قبل ان يبدأ مشاريع تجارية خاصة به. وفي هذه العملية اجتذب اهتمام عدد من كبار الأمراء السعوديين، وبمرور الوقت اصبح مستشارا غير رسمي للشؤون اللبنانية لدى وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، والسفير السعودي لدى الولايات المتحدة في ما بعد، الأمير بندر بن سلطان. وساعدت تلك الروابط الحريري على ضمان دور في صياغة اتفاق الطائف الذي أدى الى انهاء الحرب الأهلية اللبنانية.
وجعل هذا الاتفاق من الحريري الخيار الطبيعي لمنصب رئيس الوزراء، كما أنه اقام علاقات اخرى في لبنان وفي أوروبا. والأهم من هذا انه كسب الصداقة الثمينة للرئيس السوري حافظ الأسد. ولكن بعد وفاة الأسد تعين على الحريري البدء ببناء روابطه السورية مجددا.
وسرعان ما برهن هذا الأمر على صعوبته. فبشار الأسد، الذي خلف والده في رئاسة سورية، لم يكن متعاطفا تجاه الحريري منذ البداية. وكما يظهر اسكندر، على نحو مقنع، لم يكن بوسع الحريري ان يحقق ذلك النمط من المستقبل السياسي الذي كان يريده للبنان طالما كان بشار الأسد رئيسا لسورية، بينما الجيش السوري يسيطر على كثير من الأراضي اللبنانية.
ولابد ان الحريري كان على دراية بذلك. وهذا هو السبب الذي جعل رئيس الوزراء الراحل، كما يلمح اسكندر بدون ذكر تفاصيل، يبدأ العمل خلف الكواليس لتحقيق ضغط دولي على سورية للانسحاب من لبنان. ومن غير الواضح ما هو الدور المحدد الذي ربما كان الحريري قد لعبه في إصدار مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة قراره المرقم 1559 الداعي الى انهاء الاحتلال السوري ونزع سلاح المليشيات المسلحة في لبنان. ولكن دمشق، وفقا لاسكندر، ألقت باللوم على الحريري.
ومع ذلك فقد ضاعف الحريري من حرصه على عدم مخاصمة الرئيس بشار الأسد. فقد كان يتشاور مع سورية ليس فقط على تشكيل وزارته وإنما أيضا على السماء التي يضعها في لائحته. وفي كل مرة كان يوافق على الاسم الذي تصر عليه سورية على الرغم من كراهيته لبعض الأشخاص في حالات معينة كما يشير اسكندر. والأكثر اهمية ان الحريري وافق على تمديد محتمل غير شرعي لولاية الرئيس اللبناني اميل لحود.
وعلى الرغم من عدم اكتمال التحقيق الدولي بشأن اغتيال الحريري فإن اسكندر يفترض انه لا بد أن تكون لسورية يد في ذلك. ويقدم عددا من المبررات المتعلقة برغبة العض في الزعامة السورية في ابعاد الحريري نهائيا.
وفي مواضع جذابة يرفع الكتاب جزءا من الستارة عن الفساد والرعب الذي ارتبط بوجود الجيش السوري في لبنان. فنحن نلتقي احد الساعين الى الثروة الذي يصبح رئيسا لأكبر بنوك لبنان ويستخدم أصوله المالية لمنح الأموال لضباط في المخابرات السورية، كما نلتقي تاجرا داهية ينتهي، بعد أن بدأ من لا شيء، الى ان يصبح مليونيرا كبيرا بسبب صفقات وهمية أحالت لبنان الى واحد من أكثر البلدان مديونية في العالم خلال عقدين من الزمن فقط. ويقدر اسكندر أن سورية حققت أرباحا من خلال سيطرتها على لبنان تقرب من 25 مليار دولار في اقل من ثلاثة عقود. ولا تدخل في ذلك تحويلات ما يزيد على 300 ألف سوري يعملون في لبنان في وقت كان فيه اللبنانيون غالباً ما يضطرون الى الهجرة بحثا عن عمل.
كتاب اسكندر، الذي كتب مقدمته لروبرت فيسك، الصحافي البريطاني المعروف والكاتب الذي عاش في لبنان لفترة ثلاثين عاما والذي كان على معرفة شخصية بالحريري، جدير بالقراءة، ولكنه يعاني من الهبوط في مستويات ومعايير التحرير والطباعة والتدقيق التي راحت تظهر أخيرا في بريطانيا. وأحد الأمثلة على ذلك انه يكتب عن مساعي عبد الناصر لإبرام صفقة مع laquo;الأميرraquo; فيصل حول اليمن عام 1967، ونحن نعرف انه كان في حينه ملك المملكة العربية السعودية. ويقول اسكندر إن شاه إيران رفض تأميم النفط، وهو لم يفعل ذلك. بل انه حول مشروع قانون تأميم النفط الى قانون عام 1951 وليس عام 1952، وعين محمد مصدق، البرلماني الذي قاد المناقشة حول الموضوع، رئيسا للوزراء. ولم تكن هناك شركة نفط أنغلو ـ أميركية في إيران كما يشير اسكندر، كما لم تكن لدى السوفيات قوات في إيران عام 1953، مما جعل الرئيس آيزنهاور يصدر إنذارا نهائيا لموسكو. ولم يقم عبد الناصر بتأميم الأرض الزراعية في مصر، وإنما وزعها على الفلاحين بموجب مشروع إصلاح الأراضي. ولم يصدر الخميني مرسوما يقضي بأن يكون إنتاج النفط الإيراني ثابتا عند مستوى مليوني برميل يوميا، كما انه من غير المحتمل أن يكون اللقاء بين الرئيسين بيل كلينتون وحافظ الأسد في جنيف عام 2000 بترتيب من الحريري، ذلك أن الأسد كان قد التقى جميع الرؤساء الأميركيين ابتداء من ريتشارد نيكسون، ولم يكن بحاجة الى تدخل احد لترتيب لقاء قمة مع كلينتون.
وعلى العموم ربما كان كتاب اسكندر أفضل كتاب عن الحياة السياسية للحريري يتوفر باللغة الانجليزية حتى الآن.
حرص على العلاقة مع سورية
ضاعف الحريري من حرصه على عدم مخاصمة الرئيس بشار الأسد. فقد كان يتشاور مع سورية ليس فقط على تشكيل وزارته وإنما أيضا على الأسماء التي يضعها في لائحته. وفي كل مرة كان يوافق على الاسم الذي تصر عليه سورية على الرغم من كراهيته لبعض الأشخاص في حالات معينة كما يشير اسكندر. والأكثر أهمية أن الحريري وافق على تمديد محتمل غير شرعي لولاية الرئيس اللبناني اميل لحود.
التعليقات